بيروت - العرب اليوم
وصف مصدر قضائي المرحلة التي يعيشها القضاء بأنها «الأسوأ في تاريخه»، إذ لا تكفيه الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والصحية التي يعانيها القضاة وعائلاتهم، ولا التدخلات السياسية في أعمالهم، لتتحول الملفات القضائية الحساسة والدقيقة، مادة مقايضة توضع على طاولة المساومات، بما يؤدي إلى تقييد القضاة، وتتصدر جريمة انفجار مرفأ بيروت هذه الملفات مع انسداد أفق الإفراج عنه وإعادة إطلاق يد المحقق العدلي القاضي طارق البيطار مجدداً.
ويحظى ملف المرفأ بمتابعة داخلية وخارجية، إذ كشف المصدر القضائي المطلع أن «وفداً من السفارة الأميركية زار أواخر الأسبوع قصر العدل في بيروت، واجتمع بالمحامي العام التمييزي القاضي عماد قبلان، واطلع منه على أسباب تجميد التحقيق بهذه القضية».
وأشار المصدر إلى أن «الاهتمام الأميركي سببه أن محمد العوف (رئيس أمن المرفأ الموقوف بالقضية منذ 6 أغسطس (آب) 2020) يحمل الجنسية الأميركية»، لافتاً إلى أن القاضي قبلان «شرح للوفد العوائق القانونية التي تحول دون استئناف التحقيق، وتتمثل بدعوى مخاصمة الدولة التي تقدم بها النائبان علي حسن خليل وغازي زعيتر أمام الهيئة العامة لمحكمة التمييز ضد رئيس الغرفة الأولى لمحكمة التمييز القاضي ناجي عيد، المكلف بالنظر في دعوى رد القاضي البيطار». وشرح قبلان أن «الهيئة العامة لمحكمة التمييز غير مكتملة، وأنها تنتظر توقيع (وزير المال) مرسوم تعيين الرؤساء الأصيلين لمحاكم التمييز العالق على حبال التجاذبات السياسية».
ولا يختلف واقع القضاء الصعب عن باقي المؤسسات المتصدعة، إلا أن ارتداداته السلبية هي الأكثر تأثيراً على حياة اللبنانيين، ويجد النائب العام التمييزي السابق القاضي حاتم ماضي، أن مؤسسة العدالة «باتت عرضة للتهويل السياسي، ولتطويع القضاة وإخضاعهم لرغبات أهل السلطة، سواء بتهديدهم بالنقل من مراكزهم، أو بترهيب بعضهم بإحالتهم على المجلس التأديبي وتركيب الملفات لهم». ويلفت في تصريح إلى أن «ثمة قضاة أحيلوا على المجلس التأديبي بملفات أعدتها بإتقان أجهزة أمنية خاضعة لقوى سياسية وحزبية».
وقال ماضي: «لقد أذلوا القضاء وروضوه، ليبقى أداة بيدهم يستخدمونها في تنفيذ مآرب سياسية، أو بترتيبات معينة تحضر لصورة الحكم المقبل».
وأعاد تجميد الملفات الكبرى والحساسة، تشكيك الناس بقدرة القضاء اللبناني التحقيق بقضايا خطيرة، وأحيا المطالبة بلجان تحقيق دولية أسوة بما حصل بقضية اغتيال رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري، ويعتبر القاضي ماضي أن «المعضلة ليست في أهلية القضاة اللبنانيين وكفاءاتهم، بل بالسلطة السياسية التي تستخدم نفوذها لتجعل الملفات رهينة إرادتها». ويعبر عن حزنه لـ«تعليق التحقيق بملف انفجار مرفأ بيروت، لمجرد الادعاء على بعض السياسيين».
وللدلالة على أن كل الملفات خاضعة للمساومة، يشدد ماضي على أن «منظومة الحكم لن تسمح للمحقق العدلي (القاضي طارق البيطار) باستئناف تحقيقاته وإجراءاته ما لم يتوقف عن ملاحقة الوزراء والنواب، وهذا أكبر دليل على أن السياسة تطغى اليوم على الأداء القضائي».
وتستقطب الملفات الدقيقة اهتمام الرأي العام، ويرى متابعون لها أنها ستبقى معلقة إلى حين إنجاز الاستحقاقات الكبرى، أي إلى ما بعد تشكيل حكومة جديدة وربما إلى بعد انتهاء عهد الرئيس ميشال عون وانتخاب رئيس جديد للجمهورية، بينها الدعاوى المقامة ضد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وعدد من المصارف، أو ملف شركة «مكتف للصيرفة»، وقضايا الفساد التي تقف الحمايات السياسية حائلاً دون الاقتراب منها.
ويرى رئيس مؤسسة «جوستيسيا» الحقوقية المحامي الدكتور بول مرقص، أنه «عوضاً عن إخضاع السياسة لحكم القانون، تجري محاولات لإخضاع القضاء لحكم السياسة، حيث إن الملاحقة القضائية المركزية الشاملة لملفات الفساد لم تقم، بل قامت تحركات قضائية متفرقة ومجتزأة وأحياناً غير معيارية».
كل هذه الممارسات تعزز رغبة السلطة بعدم إعطاء القضاء استقلاليته، أو إطلاق يده لمحاربة الفساد واستعادة أموال الناس، ويقول مرقص لـ«الشرق الأوسط»: «عبثاً ننتظر من السلطة السياسية المتمثلة بالحكومة ومجلس النواب إعطاء استقلال للقضاء، إذ لا مصلحة لأفرادها في ذلك بل إن مصلحتهم الاستمرار بالتدخل في القضاء والأمن والإدارة لتأمين مصالحهم في هذه المراكز».
وشدد رئيس مؤسسة «جوستيسيا»، على أن استقلال القضاء «يجب أن ينبع من داخل القضاء عبر قضاة جريئين يقتدون بالتجربة الإيطالية للأيادي النظيفة Mane pulitte وسواها». وناشد القضاة إلى المسارعة إلى «التوقيع والالتزام بمدونة سلوك يتعهدون فيها، بعدم تقلُّد أي منصب سياسي أو إداري في الدولة اللبنانية في حال شغلوا مراكز قضائية متقدمة تحصيناً لمناعتهم تجاه إغراءات السياسيين».
قد يهمك ايضاً
فرنسا توافق على هبة الباصات للبنان لدعم قطاع النقل وتُناقش ملفات مرفأ بيروت والمطار وسكك الحديد
التحقيق المتعثر في انفجار مرفأ بيروت يواجه عقبة جديدة محتملة
أرسل تعليقك