تبددّت إلى حد كبير آمال اللاجئين الفلسطينيين بالعودة إلى مخيم اليرموك، جنوب دمشق، باعتباره رمزًا لـ"حق العودة" إلى أراضيهم في فلسطين؛ ذلك بعدما كشفت محافظة دمشق عن مخطط تنظيمي سيغير من الواقع العمراني والديموغرافي للمخيم الذي دمرت الحرب أجزاء واسعة منه.
بات كثير من الفلسطينيين النازحين من المخيم إلى مناطق مجاورة له، ينعون في جلساتهم الخاصة مخيم اليرموك الذي بنوه حجرًا على حجر، خلال عقود من الزمن، إلى أن تحول لتجمع اجتماعي قوي لهم، ومركز تجاري مهم في دمشق، ثم منطلق لأكبر المظاهرات التي كانت تخرج للتنديد بممارسات السلطات الإسرائيلية في فلسطين، والمطالبة بـ"حق العودة" إلى أراضيهم التي هُجروا منها عام 1948، وذلك بعد إطلاق المسؤول في محافظة دمشق عن ملف المخيم سمير الجزائرلي، في بداية الشهر الجاري، تصريحات كشف فيها عن تفاصيل مخطط تنظيمي للمخيم سيتم تنفيذه.
- بنايات عالية
لاجئ فلسطيني عجوز في العقد السابع، نزح من المخيم بعد سيطرة فصائل المعارضة المسلحة عليه في نهاية عام 2012، ويعيش على أمل العودة إلى منزله وعودة المخيم إلى ما كان عليه قبل الحرب، منذ أن سمع بتصريحات الجزائرلي، يردد على مسامع كل من يصادفه من نازحي المخيم عبارة: "العوض بسلامتكم". يقول "حارات اللوابنة، والصفدية، والمغاربة، والصفورية، والطبارنة، والفدائية، راحت. ستصبح بنايات عالية"، في إشارة إلى أن العائلات في تلك الجادات كانت تربط كثيرًا منها صلات قرابة، وتعيش في ظل تكاتف وتعاون اجتماعي كبيرين، بينما في المستقبل القادم "لا تعرف العائلة من سيكون في جوارها. ربما أشخاص لا نعرفهم ولا يعرفوننا، وقد لا يكونون من سكان المخيم أصلًا"، بحسب تعبير العجوز.
"مخيم اليرموك" الواقع على بعد أكثر من سبعة كيلومترات جنوب العاصمة، وتبلغ مساحته نحو كيلومترين مربعين، يتبع إداريًا محافظة دمشق؛ لكنه كان منذ ستينات القرن الماضي يتمتع بخصوصية إدارية مُنِحت له بقرار رسمي، بأن تديره "لجنة محلية" بشكل مستقل. ويحده من الجهة الجنوبية "الحجر الأسود"، ومن الجهة الغربية حي "القدم"، بينما يحده من الشرق حي "التضامن"، ومن الشمال منطقة "الزاهرة". وتم وضع اللبنات الأولى لإقامة "مخيم اليرموك" عام 1957، عندما كان بقعة صغيرة، قبل أن تتوسع دمشق ويصبح المخيم جزءًا أساسيًا من مكوناتها الجغرافية والديموغرافية، وأكبر تجمع للاجئين الفلسطينيين في كل من سورية ولبنان والأردن، ورمزًا لـ"حق العودة". كما غدا يُعرف بـ"عاصمة الشتات الفلسطيني" كونه يضم 36 في المائة من اللاجئين الفلسطينيين في سورية، البالغ عددهم قبل الحرب أكثر من 450 ألف لاجئ، علمًا بأنه يوجد في سورية وحدها خمسة عشر مخيمًا، تتوزع على ست مدن.
وفي بدايات القرن العشرين، تسارع التطور العمراني في المخيم، وتحسنت الخدمات بشكل ملحوظ فيه، وتم افتتاح كثير من المراكز والمؤسسات الحكومية والأسواق التجارية، لدرجة بات منطقة حيوية جدًا، أكثر من أحياء وسط العاصمة التي استقطبت تجارها لفتح فروع لمحالهم التجارية فيها، للاستفادة من الكثافة السكانية، وجني أكبر قدر ممكن من الأرباح في أسواق (الألبسة، والأحذية، والصاغة، والمفروشات، والمأكولات الجاهزة)، باتت الأكبر والأكثر حيوية في العاصمة السورية.
وبعد التوسع الكبير الذي طاله، بات "مخيم اليرموك" يقسم إلى ثلاثة أقسام: الأول هو "المخيم القديم"، ويمتد بين شارعي اليرموك الرئيسي غربًا وفلسطين شرقًا، ومن مدخل المخيم شمالًا وحتى شارع المدارس جنوبًا منتصف المخيم، والثاني منطقة "غرب اليرموك" وتمتد من شارع اليرموك الرئيسي شرقًا وحتى شارع الثلاثين غربًا، ومن مدخل المخيم شمالًا وحتى سوق السيارات جنوبًا، وأما القسم الثالث فيسمى منطقة "التقدم" وتمتد من سوق السيارات شمالًا وحتى مقبرة الشهداء جنوبًا، ومن منطقة دوار فلسطين شرقًا وحتى حدود المخيم المحاذية للحجر الأسود غربًا.
وقبل اندلاع الحرب في سورية التي دخلت عامها العاشر، كان المرء بمجرد وصوله إلى "مخيم اليرموك"، يدرك تمامًا أن لقبه لا ينطبق عليه، ذلك أنه ومع دخوله في شارع اليرموك الرئيسي من مدخله الشمالي، يواجه سيلًا بشريًا تتزاحم أقدامه على الأرصفة لإيجاد مكان لها، وتتقدم ببطء كالسلحفاة، في وقت لا يختلف فيه المشهد في بقية أسواقه. لكن ما حل بـ"مخيم اليرموك" خلال سنوات الحرب، تسبب في نكبة لسكانه، تجاوزت في مآسيها نكبة عام 1948 ونكسة 1967؛ حيث قُتِل وأُصِيب المئات، ونزح أغلب سكانه الذين كان يبلغ عددهم ما بين 500 و600 ألف نسمة، من بينهم أكثر من 160 ألف لاجئ فلسطيني.
- ثلاثة "حلول"
وفي مايو (أيار) 2018، شنَّ الجيش الحكومي وفصائل فلسطينية موالية، عملية عسكرية عنيفة في المخيم، أنهت سيطرة فصائل معارضة، وتنظيمي "داعش" و"جبهة النصرة" على المنطقة، وتسببت في حجم دمار في المخيم يتجاوز نسبة 60 في المائة من الأبنية والمؤسسات والأسواق والبنى التحتية، بينما النسبة المتبقية تحتاج إلى ترميم كبير يكلف مبالغ مالية باهظة للغاية.
الجزائرلي -في تصريحاته التي أدلى بها لمحطة إذاعية محلية، وتتداولها صفحات ونشطاء على موقع "فيسبوك"- كشف أن الشركة الهندسية وضعت ثلاثة حلول للتعامل مع "مخيم اليرموك": الأول يكمن في "تهذيب" بعض الشوارع، وإعادة تأهيل المناطق الأكثر تضررًا، والثاني القيام بعملية تنظيمية للمناطق الأكثر تضررًا، وإبقاء "المخيم القديم" على وضعه حسب التنظيم القديم 2004، المعدل عام 2013، والثالث إعادة تنظيم كامل الـ220 هكتارًا.
وكشف أنه تم التوافق على الحل الثاني؛ كونه مرتبطًا بتعديلات بسيطة في شارع اليرموك الرئيسي، لتبدأ بعدها عملية إعادة السكان إلى منازلهم بشرط إثبات الملكية؛ مشيرًا إلى أن الفترة الحالية تشهد تعاونًا مع جميع المديريات لإعادة تأهيل منطقة اليرموك، من أجل إعادة السكان إلى المناطق الأقل تضررًا. ولفت إلى أن "المناطق الأكثر تضررًا ستتم إعادة تنظيمها بمواصفات قياسية، ضمنها أبراج في شارع الـ30 الأكثر تضررًا؛ كونها كانت منطقة مواجهات عسكرية، على أن تأخذ هذه الأبراج صفة التعويض والسكن"، وأشار إلى أنه "خلال أيام، سيتم تسلم مخطط شارع الـ30 من شركة الدراسات، ليتحرك بعدها المسار القانوني"، بينما "سيتم توسيع شارع اليرموك الرئيسي ليصبح عرضه 40 مترًا"، علمًا بأن عرضه الحالي يصل إلى ما بين 20 إلى 25 مترًا.
وأشار الجزائرلي إلى أن "منطقة اليرموك أصبحت تابعة تنظيميًا لمحافظة دمشق بموجب قرار رئيس الوزراء، بعد أن كانت تابعة للجنة المحلية العائدة لوزارة الإدارة المحلية، وتم تأسيس دائرة خدمات اليرموك التي بدورها تتابع عملية إعادة تأهيل المخيم، وستكون العودة إلى المخيم خلال الأشهر القليلة القادمة، ولكن نواجه مشكلات تخص المباني، فمنها متصدعة غير قابلة للسكن، ومنها مدمرة بالكامل".
ويوضح لاجئ فلسطيني نزح من سكان منطقة "غرب اليرموك" لـ"الشرق الأوسط"، أن هذه المنطقة التي يتحدث الجزائرالي عن أنه ستتم إقامة أبراج فيها، تصل مساحتها إلى نحو نصف مساحة المخيم، ثم يتساءل: "متى سيتم إنشاء هذه الأبراج وتعود الناس؟ منذ عام 2012 تقوم الحكومة بتنفيذ مشروعي التنظيم في منطقتي بساتين الرازي بحي المزة وكفر سوسة، المشمولتين بالمرسوم رقم 66، وحتى الآن لم يشيد برج واحد!" ويضيف: "عدا عن ذلك، كثير من سكان المخيم يتساءلون: من الذي سيسمح لهم بالعودة؟ وهل سيكون هناك سكان جدد؟"، في إشارة إلى أن عددًا كبيرًا من أبناء المخيم انضم إلى فصائل المعارضة، وجرى تهجيرهم وعائلاتهم إلى الشمال السوري، وهؤلاء لن يسمح لهم بالعودة، إضافة إلى أن هناك عددًا كبيرًا أيضًا من اللاجئين آثر الهجرة إلى دول الجوار، ودول أوروبية.
ويعرب اللاجئ الفلسطيني عن اعتقاده بأن ما يجري بالنسبة للمخيم ليس مجرد عملية تنظيم، أو إعادة إعمار ما تدمر: "بقدر ما هو مرتبط بالوضع السياسي العام في المنطقة والعالم"، في إشارة إلى التناحر الدولي الكبير الحاصل في سورية. ويضيف: "يبدو أن مخيم اليرموك قد لا يعود كأكبر تجمع للاجئين الفلسطينيين في سورية، ورمز لـحق العودة" إلى أراضيهم في فلسطين.
أحد أصحاب المحال التجارية الواقعة على طرفي شارع اليرموك الرئيسي، يبدي استغرابه من عزم المحافظة توسيع الشارع ليصبح عرضه 40 مترًا، ويقول لـ"الشرق الأوسط": "كيف سيتم تعويض أصحاب تلك المحال والمكاتب التجارية الواقعة فوقها؟ هل سيتم تعوضيهم بمحال بديلة على الشارع نفسه، أم في الجادات الداخلية؟"، لافتًا إلى أن ثمن المحل الواحد قبل الحرب، عندما كان الدولار الأميركي يساوي نحو 50 ليرة سورية، كان يبلغ ما بين 50 إلى 60 مليون ليرة، فكم ثمنه الآن؟ والدولار يساوي 1150 ليرة؟
وأشار إلى أن الجزائرالي لم يوضح في تصريحاته، إن كانت عملية التوسيع ستتم على حساب المباني على جانبي الطريق، أم على حساب المباني من جانب واحد، موضحًا أنه بناء على تلك التصريحات، فإن "المخيم القديم" سيبقى على حاله، وتتبعه المحال التجارية الواقعة على الجهة الشرقية من الطريق، وبالتالي فإن عملية التوسيع بالكامل ستتم على حساب المحال والمباني الواقعة على الجهة الغربية، والتي تتبع منطقة "غرب اليرمو".
قد يهمك أيضــــــــــــــــًا :
الكشف عن هُوية أسيريْن سوريين تُطلق تل أبيب سراحهما قريبًا
البدء بإعمار مخيم اليرموك في دمشق على نفقة السلطة الفلسطينية
أرسل تعليقك