يحث التحالف الدولي بقيادة واشنطن، إلى إشراك قوات البيشمركه الكردية في حفظ الأمن في المناطق المتنازع عليها بين بغداد وأربيل، عقب زيادة وتيرة الهجمات المسلحة التي ينفذها تنظيم "داعش" على الطريق الرابط بين بغداد وكركوك، من جهة، وبين ديالى وبغداد من جهة ثانية، فيما وصف الرئيس العراقي فؤاد معصوم، العلاقات بين بلاده والسعودية بأنها "ممتازة".
وفرضت قوات البيشمركه، وأيضًا الأسايش "قوات أمنية كردية خاصة" سيطرتها على المناطق المتنازع عليها، منذ عام 2003، غير إنها تمددت في مناطق أخرى تابعة لمحافظات كركوك ونينوى وصلاح الدين وديالى، في أثناء العمليات العسكرية ضد التنظيم بعد عام 2014.
التمدد الأخير للقوات الكردية، دفع الحكومة الاتحادية في بغداد إلى إطلاق «خطة فرض القانون» في 16 تشرين الأول/ أكتوبر 2017، وبسط سيطرتها على المناطق المتنازع عليها، وإجبار القوات الكردية إلى العودة إلى مواقعها قبل عام 2014، وأعلن الأمين العام لوزارة البيشمركه، الفريق جبار ياور، الثلاثاء، عن طلب مقدم من "التحالف الدولي" لإعادة انتشار القوات الكردية في مناطق النزاع مع بغداد، لافتًا إلى مناقشة هذا الملف مع وفدين أحدهما أميركي والأخر بريطاني.
وقال ياور، في تصريح أدلى به للصحافيين، عقب اجتماع مع مكاتب المفوضية العليا الاتحادية في محافظات إقليم كردستان، والذي عُقد في أربيل "اجتمعنا الأسبوع الماضي برئاسة وزير الداخلية كريم سنجاري، مع وفدين من التحالف الدولي أحدهما أميركي والثاني بريطاني كل على حدى"، موضّحًا «ناقشنا في الاجتماعين الأوضاع الأمنية في العراق بشكل عام، وفي كردستان، والمناطق المتنازع عليها بشكل خاص".
وأضاف ياور "الوزارتان ووفدا التحالف أكدوا أن الأوضاع في المناطق المتنازع عليها تسير نحو الأسوأ"، مؤكدًا "وجود ضعف في الأمن في كركوك ومناطق في ديالى وطوزخورماتو، وعودة تنظيم الدولة، إلى ممارسة نشاطه وتحركاته فيها والقيام بعمليات اختطاف وقتل على طريقي كركوك ـ بغداد، ديالى ـ بغداد"، مشيرًا إلى أن الطريقين المذكورين "يتم إغلاقهما في المساء"، مردفًا بالقول أن "التحالف الدولي طلب من وزارتي البيشمركه وداخلية كردستان إلى العودة لتلك المناطق، وفق ما كانت عليه قبل عام 2014، إذ كانت لدينا مع القوات العراقية غرفة عمليات مشتركة وتنسيق مشترك فيها".
ووفقًا للقائد العسكري الكردي، فإن "وزير الداخلية في كردستان كريم سنجاري أبدى الاستعداد التام للعودة إلى تلك المناطق، وفق ما كان معمولًا به قبل 2014"، موضحًا أنه "لم تتبق سوى الموافقة من الحكومة الاتحادية"، وتابع قائلًا "نحن مقبلون على انتخابات، ويجب توفير الأمن بشكل مشترك في المناطق المتنازع عليها لنجاح العملية الانتخابية".
وزاد ياور "ثبت أن خروج البيشمركه من تلك المناطق كان خطأ فادحًا ارتكبته الحكومة الاتحادية، ويجب عليها أن تفكر أننا كنا عاملًا مهمًا في طرد تنظيم الدولة"، وأضاف "نحن بانتظار موقف الحكومة الاتحادية حيال الانتشار المشترك"، مؤكدًا أن "عودة قوات البيشمركه إلى المناطق المتنازع عليها ليست له أي علاقة بالمواقف السياسية، فنحن جزء من المنظومة الأمنية ـ الدفاعية العراقية".
وسبق لرئيس أركان قوات البيشمركه، جمال أمينكي، أن كشف، أواخر آذار/ مارس الماضي، عن تسليم "التحالف الدولي" مقترحًا بشأن إعادة انتشار القوات في المناطق المتنازع عليها التي انسحبت منها بعد 16 تشرين الأول/ أكتوبر، وتشكل المناطق المتنازع عليها بين الحكومة العراقية وإقليم كردستان العراق، أهم محاور الخلاف بين الجانبين. ومن بينها شريط يبلغ طوله نحو ألف كلم يمتد من الحدود مع سورية حتى الحدود الإيرانية، يقع جنوب محافظات الإقليم الثلاث أربيل والسليمانية ودهوك التي تتمتع بحكم ذاتي.
وتشمل المناطق المتنازع عليها، حيث يعيش قرابة 1.2 مليون كردي، أراضي في محافظات نينوى وأربيل وصلاح الدين وديالى وكركوك "الغنية بالنفط"، التي تعد أبرز المناطق المتنازع عليها بين بغداد وأربيل، وقال سعد الحديثي، المتحدث باسم رئيس الحكومة، في تصريحات لوسائل إعلام محلية، إن "مسألة انتشار قوات عراقية في الأراضي العراقية، هي من مسؤوليات الحكومة الاتحادية، وقرار ذلك عراقي سيادي مستقل لا يخضع لأي رغبات وإرادات قوى خارجية"، مؤكدًا أن "المصلحة الوطنية هي من تحدد انتشار القوات، وهذا القرار تتخذه الحكومة الاتحادية".
وأردف الحديثي "عندما تم فرض النظام وإخضاع المناطق المتنازع عليها لسلطة الحكومة الاتحادية، أعلنا حينها عن امكانية مشاركة البيشمركه في عملية فرض الامن والاستقرار، على أن تعمل تحت أمرة القوات الاتحادية وتخضع لسلطتها"، مبينًا أن "قرار نشر أي قوة عراقية، هي من مسؤوليات الحكومة وهي من تحدد ذلك وفق مقتضيات المصلحة الوطنية، والتنسيق لمواجهة الأخطار في المناطق المتنازع عليها".
من جانبها، أبرزت النائب عن حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، ريزان شيخ دلير، ضرورة عودة قوات البيشمركه إلى المناطق المستقطعة، لضمان إجراء انتخابات شفافة ونزيهة، وقالت، في تصريح أورده الموقع الرسمي للحزب، إن "عودة قوات البيشمركه إلى المناطق المستقطعة، وخاصة محافظة كركوك سيضمن استقرار الأوضاع الأمنية وحماية أرواح وممتلكات المواطنين".
وبينت دلير "وفقًا للدستور يجب أن تكون إدارة محافظة كركوك مشتركة بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان، وبما أن أغلب أبناء كركوك هم من الأكراد، لذا من غير المعقول عدم تواجد قوات البيشمركه في المناطق المستقطعة"، متسائلة "إذا لم تعد قوات البيشمركه إلى المناطق المستقطعة فكيف سيذهب الناس إلى التصويت في يوم الانتخابات؟، وكيف سيتمكن المرشحون من إطلاق حملاتهم الانتخابية من دون الحماية اللازمة؟ (…) من الضروري أن تعود قوات البيشمركه إلى المناطق المستقطعة، وخاصة محافظة كركوك"، معتبرة في الوقت ذاته، أن "عودة قوات البيشمركه لن تخلق المشاكل بل ستسهم في تعزيز الأمن والاستقرار في المناطق المستقطعة".
بينما وصف ائتلاف دولة القانون بزعامة المالكي، السعي لإشراك القوات الكردية بملف أمن "المتنازع عليها" بأنه يمثل ضعفًا كبيرًا للحكومة الاتحادية في بغداد. وطالب النائب عن الائتلاف، منصور البعيجي، الحكومة العراقية بـ"عدم السماح لقوات البيشمركه بالرجوع والانتشار في محافظة كركوك والمناطق المتنازع عليها"، معتبرًا أن "انتشار البيشمركه سيعقد الوضع ويزيد الأمر سوءً".
وذكر البعيجي إن"هناك رفضًا من قبل المكون التركماني والعربي في محافظة كركوك بعودة قوات البيشمركه"، عازيًا السبب في ذلك إلى "الانتهاكات الكبيرة من تهجير وتهميش وسوء معاملة من قبل قوات البيشمركه، أثناء سيطرتهم آنذاك قبل 16 تشرين الأول 2017 على المحافظة"، موضحًا "لا يوجد أي مبرر لإعادة انتشار قوات البيشمركه في محافظة كركوك، بعد أن تم انتشار القوات الاتحادية في المحافظة، وتم فرض سلطة القانون والدستور بعد معاناة كبيرة للتركمان والعرب، فما الداعي لإعادة انتشار قوات البيشمركه هناك".
وتابع البعيجي "لا يوجد سبب واحد لعودة قوات البيشمركه إلى المناطق المتنازع عليها"، معتبرًا ما يحصل من أحداث "استهدافًا لقوات الحشد الشعبي والأجهزة الأمنية الاتحادية من قبل جماعات مدعومة من قبل القوات الانفصالية "في إشارة لمجاميع كردية مسلحة"، لذلك يجب عدم السماح لعودة قوات البيشمركه للمناطق المتنازع عليها، وأن تكون السيطرة من قبل القوات الاتحادية حسب القانون والدستور لحفظ الأمن في محافظة كركوك".
وفي السياق، حذّر رئيس الجبهة التركمانية في العراق، أرشد الصالحي، من إعادة نشر قوات البيشمركه في المناطق المتنازع عليها، لأن ذلك قد يسبب الفوضى، وقال في بيان "على الحكومة العراقية عدم الرضوخ للضغوطات الفرنسية والأميركية لإنشاء غرفة تنسيق مشتركة بين الجيش العراقي، والبيشمركه، والقوات الأميركية"، معتبرًا أن "أي فكرة لإعادة نشر البيشمركه في المناطق المتنازع عليها، بسبب التنازل إلى ما بعد الانتخابات، من أي جهة سياسية، معناه نشر الفوضى في المناطق المختلطة عرقيًا وسياسيًا".
ويذكر أن الجبهة التركمانية، هي الممثل الرئيس للتركمان في العراق، وتشغل مقعدين في البرلمان من أصل 328، فضلًا عن 9 مقاعد من أصل 41 في مجلس محافظة كركوك "شمال"، كذلك، دعا النائب عن محافظة نينوى حنين القدو، القائد العام للقوات المسلحة حيدر العبادي للبدء بتحرير الوحدات الإدارية مما وصفها "ميليشيات" البيشمركه التابعة للحزب الديمقراطي الكردستاني التي مازالت ترفض الانسحاب منها.
وأشار القدو في بيان "نستنكر بشدة تصريحات رئيس أركان قوات البيشمركه جمال امينكي بشأن التنسيق الجاري بين القوات الأميركية وقوات البيشمركه حول المحاولات الجارية لإعادة انتشار البيشمركه، تحت ذريعة ومظلة تشكيل قوات مشتركة في المناطق التي تجاوزت عليها تلك القوات قبل احتلال تنظيم الدولة لمحافظة نينوى".
وواصل القدو "لقد أثبتت التجارب أن قوات البيشمركه كانت غير قادرة في الحفاظ على أمن تلك المناطق قبل احتلال تنظيم الدولة لها وبعد احتلالها في حزيران 2014"، لافتًا إلى أن "قوات الأمن العراقية وقوات الحشد الشعبي، قادرة على حماية كل الأراضي العراقية من دنس الجماعات الإرهابية ومطاردة فلول الدواعش أينما كانوا".
ودعا القدو، وهو نائب عن المكون الشبكي ويترأس قوات "الحشد الشبكي"، القائد العام للقوات المسلحة إلى "البدء بتحرير الوحدات الإدارية من ميليشيات البيشمركه التابعة للحزب الديمقراطي الكردستاني التي لا زالت ترفض الانسحاب من قضاء الشيخان وأجزاء كبيرة من قضاء الحمدانية" في محافظة نينوى.
في المقابل، وجّه المتحدث باسم العشائر العربية في المناطق المتنازع عليها مزاحم الحويت، "انتقادًا لاذعًا" للنائب الشبكي حنين القدو، لموقف الأخير من عودة قوات البيشمركه إلى تلك المناطق، وقال في تصريح "نحن كعشائر عربية في المناطق المتنازع عليها في جميع المحافظات، طالبنا بإعادة انتشار قوات البيشمركه وقدمنا مطالبنا إلى الحكومة الأميركية في واشنطن".
وأكمل المتحدث "على النائب حنين القدو أن يعتقل الدواعش المنخرطين ضمن ميليشياته ويفرج عن الأبرياء من أبناء العشائر العربية في المناطق المتنازع عليها المعتقلين أيضًا من قبل تلك الميليشيات الإجرامية الموالية له، والتي تعمل بأجندات طائفية بتلك المناطق لخلق فوضى فيها وخلق فتنة من جديد" على حدّ قوله.
وتابع الحويت إن "العشائر العربية في المناطق المتنازع عليها طالبت ولا تزال تطالب بعودة قوات البيشمركه وإعادة انتشارها كونها أول من حافظ على العرب هناك"، مؤكدًا "عندما كانت قوات البيشمركه متواجدة في تلك المناطق كان الأمن والأمان مستتب بنسبة 100٪".
وفي غضون ذلك، انتقد الحويت الصراعات السياسية في العراق، لافتًا إلى انعكاساتها، ومنبهًا إلى أن تراشق بعض الأطراف باتهامات بالسرقة يشجع العزوف عن الاستثمار في البلد، ونبه معصوم في مقابلة صحفية إلى أن"هناك تشريعات ضرورية وأخرى تعتبر العمود الفقري لتسيير شؤون الدولة، لا سيما تلك التي أشار إليها الدستور، لم تقر حتى الآن".
وأوضح معصوم أنه "في حال غياب هذه القوانين التي تمس حياة المواطن، نلجأ إلى القوانين السابقة، وغالبًا ما تكون في تطبيقها مخالفة دستورية". ولفت إلى أن "هناك قوانين أخرى، مثل قانون مجلس الاتحاد، الذي يعد الغرفة التشريعية الثانية ومن صلاحياته إعادة مشاريع القوانين المقرة إلى البرلمان في حال مخالفتها الدستور، لم يتفق عليها بعد وتأجيلها من دورة إلى أخرى، مثل قانون النفط والغاز، الذي يعدّ مشكلة كبيرة".
وكشف معصوم أن "المسودة المقترحة أن يكون بين الأعضاء اثنان من علماء الشريعة واثنان مختصان بالدراسات الديموقراطية، على أن يكونوا أصلاء لهم حق الاعتراض على القرارات ونقضها، فيما يرى آخرون أن يكونوا بصفة خبراء، وما زال الأمر موضع تجاذبات".
وأشار معصوم إلى أن هناك "دولًا عديدة قدمت مساعدات إلى العراق لإعادة الاستقرار، بخاصة إلى النازحين، ولا بد لهؤلاء أن يعودوا إلى مناطقهم. وزاد: "تلقينا مساعدات إنسانية دولية لكنها ليست بالكم والنوع اللذين يحلان المشكلة، 20 مليون دولار هنا و15 مليونًا هناك". وشدد على ضرورة أن "تكون هناك تسهيلات لجذب الاستثمارات من الخارج".
وذكر الرئيس العراقي أسبابًا تقف وراء عزوف المستثمرين عن دخول السوق العراقية، منها: "بعض السجالات والصراعات السياسية، مثل الاتهامات المتبادلة بالسرقات وكثير منها بلا دليل، لكن المستثمر عندما يقرأ هذه التصريحات في الصحف ووسائل الإعلام، لا سيما عندما تَصدر من عضو في مجلس النواب أو عضو مجلس محافظة أو حتى سياسي، سيتساءل: لماذا أورّط نفسي؟".
وأكد الرئيس أن علاقات الأكراد مع الحكومة الاتحادية، "عادت طبيعية وهناك حوار هادئ وغير معلن. وفود تذهب إلى هناك وأخرى تأتي إلى هنا. كل من الطرفين بحاجة إلى الآخر، فلا الإقليم "كردستان" يستغني عن الحكومة الاتحادية ولا هي تستغني عن الإقليم، كلاهما في دولة واحدة وكل المصالح مترابط"، وأضاف "بغداد أرسلت مبالغ إلى الإقليم لدفع رواتب موظفي الصحة والتعليم، وهذه خطوة جيدة".
وردًا على سؤال عن تهديدات تركيا باجتياح بلدة سنجار العراقية القريبة من الحدود السورية بذريعة مطاردة عناصر حزب العمال الكردستاني المعارض لأنقرة، أجاب الرئيس العراقي "بعد خروج عناصر الحزب لا يمكن أن تأتي قوات أجنبية وتغزو جزءً من العراق". ولم يخفِ قلقه من تكرار سيناريو عفرين، معربًا عن أمله بأن "لا يقدموا على مثل هذه الخطوة".
أرسل تعليقك