كشف تقرير شيلكوت الخاص بالتحقيق في دور بريطانيا في عهد رئيس الوزراء الأسبق طوني بلير، في الحرب بقيادة الولايات المتحدة ضد العراق، عن تفاصيل المحادثات والمشاورات التي تمّت بين بلير والرئيس الأميركي الأسبق جورج دبليو بوش، فيما يتعلق بالتحضير للغزو وإطاحة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين, ورغم أن المراسلات بين الرجلين لم تكشف بالكامل، فإن صحيفة "ذي ميرور" البريطانية نشرت 11 رسالة، من أصل التقرير المكون من 12 مجلداً، تناولت جوانب مهمة من تلك المشاورات, ولعل أبرز ما جاء فيها أن بلير كان يحضر لعمل عسكري في العراق بعد ما يقرب من ثلاثة أشهر على أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، التي تعرضت لها مدينتا واشنطن ونيويورك، وأسفرت عن استهداف مقر وزارة الدفاع "البنتاغون" وتدمير برجي مركز التجارة العالمي، ومقتل أكثر من 3 آلاف شخص, وأوضحت أن بلير أعرب عن دعمه بوش قبل ثمانية شهور من بدء الغزو الأميركي للعراق, وبيَّنت أن بلير قال لبوش، إن عليهما وضع "خطة ذكية" لإطاحة صدام حسين، وتآمرا معاً لتضليل الجماهير بحملة إعلامية واسعة, كما أظهرت أن بلير كان يسعى لاستغلال الحرب من أجل خلق ترتيب جديد لدول العالم.
ومن أهم الملاحظات والنقاط التي تمّت مناقشتها بين بلير وبوش, مذكرة بعث بها بلير إلى بوش في 12 سبتمبر/أيلول 2001, كتب فيها بلير إلى بوش خلال ساعات من هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، أن الرد الغربي يجب أن يتضمن حملة على الدول التي تمتلك أسلحة الدمار الشامل, كما أنه دعا إلى إجراء اعترف أنه "سيدعو بعضهم لمحاولة التصدي له", وكتب بلير, "سيكون هناك الكثيرون ممن سيسألون: ما هي المرحلة المقبلة من هذا الشر؟", وما هي قدرة الإرهابيين على امتلاك أسلحة دمار شامل؟ نحن نعلم أن هنالك دولاً وأفراداً يتاجرون بأسلحة الدمار الشامل, ونحتاج إلى فرض حزمة من العقوبات والضغوطات لوقف هذا الأمر", وفي تحذير مما ستؤول إليه الأمور يقول بلير: "هذا سيتطلب إجراءً كبيرًا يدفع بعضهم لمحاولة التصدي له", إلا أنه من الأفضل أن نتخذ إجراءاتنا فورًا، عوضاً عن الانتظار حتى انتهاء اليوم وحدوث مأساة أسوأ، وأعتقد أن ذلك هو الاحتمال الحقيقي".
وأوضح في الملاحظة الثانية أنه يجب التعامل مع صدام حسين بلا شك وإيقافه عند حده, وبعد شهر من ذلك، وبعد أربعة أيام من بدء الغارات الجوية على أفغانستان، كتب بلير إلى بوش مجدداً، حيث حثّ في كتابه الرئيس الأميركي على التركيز في الوقت الحالي على حركة طالبان و"مواجهة العراق" في وقت لاحق, وقال بلير، إنه يخشى أن يكون حديث بوش عن "المرحلة الثانية" في الحرب على الإرهاب يعني منطقة أخرى بعد الانتهاء من أفغانستان، "يبدو أن ذلك سيؤكد الهالة الإعلامية التي يبثها أسامة بن لادن، والتي تعكس الحرب بين الغرب والعرب", بيد أنه بدا واضحاً من حديث بلير، أنه مستعد تماماً لأية حملة ضد العراق في المستقبل, وكتب بلير لبوش: "يجب التعامل مع صدام حسين بلا شك ولكننا إذا ما هاجمنا العراق الآن فإننا سنفقد العالم العربي وروسيا وربما نصف الاتحاد الأوروبي وأنا متأكد من أنه يمكننا ابتكار استراتيجية يمكننا بها التعامل مع صدام في وقت لاحق".
وتحدث بلير مع بوش في مكالمة هاتفية عن "المرحلة التالية" في الثالث من ديسمبر/كانون الأول 2001, وبعد أقل من 3 أشهر بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، تحدث بلير مع بوش عن "الكيفية التي سيتم بها تنفيذ المرحلة التالية", وأكد للرئيس الأميركي - خلافاً لتقارير وسائل الإعلام - أنه لا يعارض أبداً التخلص من صدام حسين. حيث قال: "سيكون من الجيد جداً التخلص من صدام حسين", ولكنه أضاف قائلاً: “يجب أن تكون هناك استراتيجية ذكية للغاية لإتمام هذا الأمر”.
وبيَّن في الملاحظة الرابعة أن البريطانيون مستعدون للمشاركة عسكرياً, وفي مذكرة بعث بها بلير إلى بوش في الرابع من ديسمبر/كانون الأول من العام 2001, وفي اليوم التالي بعث بلير إلى الرئيس الأميركي خطاباً مفصلاً يجمل عنوان "الحرب على الإرهاب - المرحلة الثانية" وقال، إن العراق يمثل تهديداً؛ بسبب أنه “يمتلك قدرات أسلحة دمار شامل”، معترفاً بأن علاقة ذلك الأمر بأحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول “ضعيفة”، وأن معظم الدول ستكون “مترددة” في دعم الغزو, واقترح بلير “تليين” الرأي العام عبر توجيه تركيزه على خروقات صدام حسين لقرارات الأمم المتحدة، والمطالبة بإعادة مفتشي الأسلحة الدوليين, ودعا إلى “استراتيجية تدريجية لتغيير نظام صدام، حتى نتمكن من الوصول إلى نقطة يكون فيها الخيار العسكري أمراً ممكناً”.
وتمثلت خطة بلير في دعم سري “للمجموعات المعارضة” في العراق ومن ثم “وبعد حدوث المعارضة في النهاية، سنقوم بدعمها عسكرياً", وأضاف قائلاً: “يجب أن نكون واضحين في حالة حدوث أي أمر، ونحن بمقدورنا أن ندعم العمليات عسكرياً”, وخلص رئيس الوزراء البريطاني إلى: “استراتيجيتِي تتلخصُ في أن يتم هذا الأمر تدريجياً وبمرور الوقت لتغيير نظام صدام، حتى نتمكن من الوصول إلى نقطة يكون فيها الخيار العسكري أمراً ممكناً”.
وتم تسليم الورقة شخصياً بواسطة دافيد مانينغ السفير البريطاني في الولايات المتحدة، وبعدها قال، إن الرئيس بوش “منفتح على آراء طوني بلير”, ونصح السفير بلير: “يجب أن يتم تصوير أسلحة صدام حسين للدمار الشامل على أنها تهديد حقيقي وكبير”.
وبعث في الثامن والعشرين من يوليو/تموز بلير مذكرة إلى بوش قال فيها: “سوف أقف إلى جانبك مهما كلف الأمر”, كتب بلير مذكرة طويلة عن العراق إلى الرئيس بوش في صيف العام 2002، وذلك قبل نحو 8 شهور من الغزو الأميركي للعراق, وكان مضمون الرسالة واضحاً وملخصاً؛ حيث أكد فيها بلير: “سوف أقف إلى جانبك مهما كلف الأمر”, وعقب ذلك فوراً قارن بلير بين الوضع في العراق بحالات عسكرية أخرى حديثة، ممّا أكد بوضوح نيته خوض حرب في العراق, وقال: “إن التخطيط لهذا الأمر ووضع استراتيجية له أمر صعب جداً، هذه ليست كوسوفو وليست أفغانستان، حتى إنها ليست حرب الخليج، إن الجانب العسكري من هذا الأمر خطير جداً”.
وتمّت عنونة هذا الجزء من الرسالة تحت عنوان “الخطة العسكرية”, وتحدد الرسالة الأخيرة خطة مختلفة للغزو، وصف أحدها ب “الخطيرة وذات الخسائر الكبيرة”, وأضاف بلير: “سوف نقدم دعمنا بأي طريقة كانت”, وقال: “يمكن أن يكون شهر يناير/كانون الثاني أو فبراير/شباط موعداً لبداية الغزو، بيد أن المشكلة ليست في الموعد، بل في كيفية الغزو”, وفشل بلير فشلاً ذريعاً في توقعاته “إن التخلص من صدام حسين سيكون أمراً جيداً جداً، وهو الأمر الصحيح الذي يتوجب القيام به”. بسبب أن إزاحته “ستحرر المنطقة”.
واعترف قائلاً أنه لا يمكنه ضمان الدعم من البرلمان أو الحزب أو حتى بعض وزرائه, وبناءً على ذلك وضع بلير استراتيجية للأمم المتحدة باستخدام مفتشي الأسلحة الدوليين، ووضع مواقيت نهائية صعبة، مع العلم التام أن صدام حسين من الممكن ألا يلتزم بها تماماً.
وقال بلير: “سيكون صدام أمام خيارين، فإما أن يقبل، وإما أن يرفض، وإذا وافق على الأمر، فإننا سنمضي قدماً في استراتيجيتنا وسنرسل المزيد من فرق التفتيش، حتى يصل صدام لمرحلة يرفض فيها مواصلة البرنامج، وسنقول وقتها، إنه عاد لألاعيبه القديمة. وإذا ما قام صدام في أي وقت بتعطيل هذا الأمر، فإننا ببساطة سنرفض أي اتفاق معه”.
وفي سبيل تمهيد الطريق لحيلته، قال بلير بعد ذلك بأسابيع، إنه وفي سبيل كسب الرأي العام، فإنه يجب التركيز على التهديد الذي تمثله أسلحة الدمار الشامل، وأن صدام حسين يسعى إلى امتلاك قدرات نووية، إضافة إلى ارتباطه بتنظيم القاعدة.
وكتب في الرابع والعشرون من يناير/كانون الثاني.2003، رسالة إلى بوش, قبل بداية الغزو على العراق بشهرين، يحثه فيها على تأجيل الحرب قليلاً، معللاً ذلك بأنه يجب منح لجنة التفتيش عن الأسلحة التابعة للأمم المتحدة بقيادة هانس بليكس مزيداً من الوقت، وأن الحاجة لقرار ثانٍ من الأمم المتحدة بتأييد الغزو سيكون “ساحقاً”. ويضيف بلير، من وجهة النظر الأميركية والبريطانية الفشل في الحصول على تعاون كامل مع الدول الأخرى ليس عائقاً وكافياً بالنسبة لنا لشن الحرب، ونحن على حق في ذلك إلا أننا لن نحمل الآخرين على الذهاب معنا، ولكن إذا ما استمر بليكس في تقديم التقارير حول عدم التعاون مع اللجنة وعرقلة نتائجه في كل مرحلة، فإنني أعتقد حينها بأن علينا إقناع الآخرين بالوقوف معنا حتى لو قرروا عدم المشاركة بشكل مباشر في العمليات العسكرية.
ويعترف بلير في الرسالة، بأن الغزو سيكون له عواقب وخيمة، فضلاً عن أن إعلان الحرب مع معارضة المجتمع الدولي سيكون مسألة غاية في التعقيد، مع تأكيد أن الخطر الأكبر يبقى متمثلاً في زعزعة استقرار العراق وإشعال حرب أهلية مدمرة؛ حيث إن العراقيين ومن خلال التجارب السابقة لهم يمكنهم قتل بعضهم بعضاً بأعداد كبيرة، الأمر الذي يحتم على الولايات المتحدة وبريطانيا الحاجة إلى الحصول على دعم المجتمع الدولي للغزو، لاسيما الأمم المتحدة، وإلّا فإن الجميع سيلقي اللوم علينا إن حدث ذلك.
وبعث في 30 يناير/كانون الثاني، 2003، رسالة شخصية إلى بوش بعد أسبوع رسالة بعنوان “العد التنازلي”، الأمر الذي يوضح توقعاته باقتراب شن الغزو على العراق، وقال فيها، إنه يعتقد بأن صدام حسين غير متعاون مع لجنة التفتيش الدولية، وأن الاستمرار في تقديم تقارير سلبية حول ذلك سيسهم في دعم المجتمع الدولي لنا، حتى وإن لم يشاركوا في الغزو بشكل مباشر, وتطرق بلير في هذه الرسالة إلى موضوعات عسكرية، بما فيها كيف يمكن تجنب حرب أهلية محتملة في العراق، ومسائل ما بعد الغزو، وكيف سيكون شكل “العراق الجديد”، والحكومة العراقية الجديدة.
وفي التاسع عشر من فبراير/شباط، 2003 , قبل شهر واحد من بدء الغزو الأنكلو - أميركي على العراق يكتب بلير رسالة إلى بوش، مخبراً إياه بأن الرأي العام البريطاني والأوروبي لا زال يعارض بشدة التدخل العسكري في العراق، موضحاً أن الأغلبية لا تعارض الصراع عموماً إلا أنهم متخوفون من عزمنا الأكيد على القيام بالغزو مهما كانت التكلفة والنتائج، مضيفاً أن الرأي العام هنا يشعر بأننا لا نريد للأمم المتحدة النجاح في عملها. ولكن بلير أصر على أن أفكارهم هذه “ساذجة” وأن الحرب لابد منها؛ لأن صدام حسين لا يتعاون مع المفتشين، ويمنعهم من أداء أعمالهم، “لا أحد يعتقد أن صدام يتعاون بشكل كامل مع اللجنة”, ومن الواضح أن بلير كان غاضباً جداً من هانس بليكس؛ بسبب تقاريره الأخيرة حول “تعاون صدام حسين بشكل أكبر” مع اللجنة، وقال: “ثقتي في رئيس اللجنة هانس بليكس اهتزت مؤخراً، ولكنه يبقى عنصراً مهماً في العملية”, وأشار إلى أن “الحيلة” الفُضلى هي أن نحاول إقناع الآخرين بأن صدام حسين غير متعاون بشكل كامل مع لجنة التفتيش؛ لذا فإن الغزو على العراق في مارس/آذار “ضرورة ملحة” ويجب على الجميع تقديم الدعم، ويكون ذلك من خلال إيجاد وسيلة لإعادة التركيز على مسألة “عدم التعاون الكامل” من جانب صدام بطريقة نكسب من خلالها تأييد الرأي العام والمترددين في مجلس الأمن.
وفي السادس والعشرون من مارس/ آذار، 2003، بعد أسبوع من غزو العراق، بعث بلير برسالة إلى بوش يخبره بها بأن الهدف الرئيسي من الحرب ينبغي أن يكون خلق “نظام عالمي جديد”, واعترف بلير في الرسالة بأن أسلحة الدمار الشامل هي فقط “تبرير مؤقت وسبب مباشر” للحرب، أما الجائزة الحقيقية فهي الإطاحة بديكتاتور مجرم، وكتب، “إنها اللحظة التاريخية التي يمكنك أن تحدد فيها الأولويات للأجيال القادمة، إنها لحظة تأسيس النظام العالمي الحقيقي لما بعد الحرب الباردة، طموحنا كبير لبناء أجندة عالمية يمكننا أن نوحد العالم أجمع حولها، إن هذه الحرب جزء من هدف أكبر وهو نشر قيمنا في الحرية والديمقراطية والتسامح وقواعد الحرب في جميع أنحاء العالم, وأكد مجدداً أنه وعلى الرغم من كون أسلحة الدمار الشامل تبريراً مؤقتاً للغزو، فإن الجائزة الكبرى تتمثل في إطاحة صدام.
وتضمنت رسالة الثاني من يونيو/حزيران، 2003 بعد 10 أسابيع من الغزو بلهجة تحذيرية حول جهود إعادة الإعمار التي تنتظرهم في المستقبل، وللمرة الأولى يعترف بلير بأن الولايات المتحدة وبريطانيا” لا تتحكمان بزمام الأمور “بشكل كامل كما يجب، وأن مخاطر منطقة الشرق الأوسط تتفاقم، مضيفاً أننا ينبغي أن نكون في حالة استنفار دائم للتعامل مع الأزمة العراقية”, وأضاف, “المهمة ليست سهلة على الإطلاق، ولست متأكداً فيما إذا كان باستطاعتنا السيطرة على الأمور”، وكتب، “إن هذه المهمة أصعب بكثير من إعادة بناء وطن من القاع، إننا ننطلق من موضع متأخر. ومع الزمن يمكن للأمور أن تتحسن، إلا أن الوقت يداهمنا”, وأوضح بلير في رسالته قائلاً: “أعتقد بأننا سنتمكن في النهاية من السيطرة على الوضع، ولكن ذلك لن يكون سريعاً؛ لأننا إن فشلنا فإن الأمور ستتفاقم كثيراً في المنطقة، وستتحول إلى فوضى عارمة”.
ووجَّه في الخامس من أكتوبر/تشرين الأول، 2003، بلير رسالة إلى بوش، مخبراً إياه بأن الخسائر في العراق والفشل في إيجاد أسلحة الدمار الشامل يقودان الرأي العام إلى السؤال حول الفائدة من الحرب، وفيما إذا كان الغزو عملاً صائباً, وحثّ بلير بوش على الاستمرار في ترديد عبارة “العراق أفضل بدون صدام”، وذلك من “أجلهما معاً” على حد قوله, وختم رسالته بقوله: “في مثل هذا الوقت من العام المقبل من الأفضل، وأتمنى، أن تكون الأمور قد تحسنت، وذلك من أجلنا نحن الاثنين، ومن أجل العالم برُمّته”.
أرسل تعليقك