بغداد ـ نهال القباني
عاشت أسرة نور في خوف وذعر طيلة عامان، حيث احتل "داعش" مدينتهم تل غزال، التي تبعد نحو 40 كيلومترا من غرب مدينة الموصل ثاني أكبر المدن العراقية. وكان والدا نور قد منعاها وأشقاءها من الخروج من المنزل. لكن حينما احتشد الجيش العراقي في تل غزال الشهر الماضي كجزء من عملية تحرير الموصل، نفذ الإرهابيون خطة وحشية لردعهم. وأخبروا أهل القرية أن عليهم السير في الصحراء وتشكيل دروع بشرية تقف حائلًا بينهم وبين الجيش العراقي.
وعندما بدأت صواريخ "داعش" في الهطول على المخيم العراقي بالصحراء، أمسكت نعيمة يد ابنتها نور وقالت صارخة في وجهها "اهربي". ووسط غيوم من الغبار والدخان، أملت الأم وابنتها في العثور على بقية أفراد الأسرة الفارين من الهجوم. كانوا يتحركون ببطء شديد، فيما أصاب نعيمة المرض والوهن، وكانت تحمل ابنتها الأخرى الرضيعة زهراء، وصرخت تنادي عمها ناشدة مساعدته لكنه كان بعيدًا جدًا. لاح صوت فرقعة وانزلقت يد نعيمة من قبضة ابنتها، فقد أصابتها رصاصة من "داعش".
كانت نور ضئيلة الحجم هزيلة الذراعين لكن ندّ عن مظهرها قوة وصرامة شديدتين؛ إذ توقفت عن الركض وسط وابل الرصاص والصواريخ، ثم ركعت وانتشلت الزهراء من حضن أمها الميتة وهرولت راكضة. تقول نور: "كنت أعرف أن أمي ماتت. لذا أخذت أختي وظللت أركض حتى عثرت على عمي وأبناء عمومتي".
وقد اقتات سكان القرية على تقريبًا لا شيء طيلة 25 يومًا، فلم يكن هناك غذاءً ولا مأوى ولا شراب، حتى أن شخصين قد ماتًا جوعًا نتيجة نقص الغذاء ثم بدأ الهجوم من عند قوات "داعش". وعكس كل التوقعات، نجت نور وإخوتها وأفراد من أسرتها. لكن حياتهم الجديدة ليست بالسهلة كما يتصور البعض. ففي خيمة مصنوعة من المشمع الأزرق والأبيض، تربض في أرض معسكر جدة للنازحين، على بعد 40 ميل جنوب الموصل، تنتظر أسرة نور نهاية القتال.
اكتظ المخيم بآلاف اللاجئين ومن المتوقع أن تهرع إليه أفواج شتى هربًا من قبضة "داعش". احتشدت سماء المخيم بسحائب من الدخان الأسود الناتج من آبار النفط التي أحرقها مقاتلو "داعش" العائدون، وصدرت من الخيام أصوات سعال شديدة. مع اقتراب فصل الشتاء وهطول الثلج وجو الصحراء القارص، يخشى البعض من حدوث كارثة إنسانية هائلة في المخيم.
إن نور واحدة من آلاف الأطفال الذين فقدوا ذويهم، وأشقائهم، وحُرموا من الطعام والمياه والتعليم. ومع ذلك يبقى الأمل موجودًا. فمع كل صباح، تذهب نور الصغيرة إلى إحدى مدراس المخيم الثمانية الصغيرة. ورغم أن تلك المدارس بدائية إلا أنها تضم أكثر من 1700 تلميذ وتعد بيئة أمنة للتعلم.
وقالت هديل وهي إحدى المدرسات المتطوعات بالمخيم والذي يبلغ عددهم 24 مدرسًا، إن "الأطفال يعانون مشكلات عديدة، بخاصة عندما يصلون للمرة الأولى. وأغلبهم نازحين يعيشون في المخيم. عندما يسمعون ضجيجًا مدويًا يبكون لاعتقادهم بأنها غارة جوية أو قذيفة هاون. ثم نقول لهم لنطمأنهم إنها ليست طائرة مقاتلة نحن في أمان هنا".
واضطرت هديل البالغة من العمر 21 عامًا التخلي عن دراستها التربوية عندما اجتاح "داعش" قريتها "الشورى" جنوبي الموصل. وتأمل الآن في العودة إلى دراستها. وأضافت: "لم أكن اتخيل أني سأكون لاجئة وأعلم الأطفال المشردين في يومٍ ما. لكنني حقًا سعيدة. من الجيد أن أعود للدراسة مجددًا". وتعتبر هذه المرة الأولى منذ عامين التي يذهب فيها أغلب أطفال المخيم إلى المدرسة، فضلًا عن أن "داعش" أجبر نور وشقيقيها رهف وسيف على البقاء في المنزل وفرض عليهم منهجًا دينيًا صارمًا وعقوبات مروّعة في حالة العصيان، ناهيك عن أنهم حرموا جميع الكتب ماعدا الدينية.
أرسل تعليقك