يبدو رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي هذه الأيام وحيدا، وسط دوامة الاحتجاجات الشعبية المطالبة بمحاربة الفساد وتوفير الخدمات. وباستثناء إصدار بيانات متواضعة هنا وهناك، تلتزم أغلب الشخصيات والكتل السياسية الصمت حيال ما يجري من حراك شعبي اتخذ أشكالا حادة في بعض الأحيان في محافظات وسط وجنوب العراق.
ورصد أغلب المراقبين المحليين الصمت الذي لاذت به الأحزاب والقوى السياسية حيال ما يجري، حيث لم يصدر عن أكراد وسنة العملية السياسية أي بيان بشأن الاحتجاجات التي خلت منها مناطقهم، كما لم يصدر عن أغلب القوى الشيعية، باستثناء تغريدات صدرت عن مقتدى الصدر طالب فيها بالتهدئة وعرض على المحتجين المشاركة معهم، شيء يستحق الذكر.
ولعل ما زاد من التعقيد في موقف العبادي هذه الأيام حالة «عدم الرضا التي تسود أوساط حزب الدعوة الذي ينتمي إليه العبادي ضد سياساته المترددة»، كما يقول لـ«الشرق الأوسط» مصدر مقرب من الحزب.
ويضيف المصدر، الذي يفضل عدم الإشارة إلى اسمه، أن «العبادي في موقف لا يحسد عليه هذه الأيام، وبخاصة أنه يقود حكومة منتهية الصلاحية، ويبدو أن الأمور تسير باتجاه مزيد من التعقيد».
ويشكك المصدر في قدرة العبادي على تلبية مطالب المحتجين، ويرى أن «الأمر مستبعد في ظل حكومة لا تملك الصلاحيات والأموال الكافية، ومقيدة بقيود البنك الدولي»، ويضيف: «العبادي اليوم رهينة صندوق النقد الدولي لأنه يشرف على تنفيذ قرارات وسياسة الدولة الإدارية والمالية، وتم تكليف السياسي ليث كبة من قبل الصندوق بإدارة المكلف المالي، وهو اليوم يمارس عمله من مكتبه في المنطقة الخضراء».
ورصد مراقبون أن الأمين العام لحزب «الدعوة»، نوري المالكي، يدعم ضمناً الحراك الاحتجاجي، معتبرين أن ذلك يأتي في سياق «النكاية، وعدم مراعاة للعزلة التي يعيشها رفيقه في الحزب حيدر العبادي».
كان المالكي خاطب المحتجين، عبر تغريدة على «تويتر»، قائلاً: «أحييكم أيها الشباب المحترمون، وأحيي الروح الوطنية العالية فيكم عندما حملتم السلاح دفاعاً عن بلدكم العزيز العراق، وحققتم النصر على عصابات (داعش)، فأنتم اليوم القلب النابض للعراق، وأنتم اليوم قادة هذا الحراك المطالب بالخدمات والحياة الحرة الكريمة».
ومعروف أن المالكي واجه الاحتجاجات المطلبية التي خرجت في دورته الثانية برئاسة الوزراء، شتاء عام 2011، بإجراءات شديدة أدت إلى اعتقال العشرات، وسعى مرات كثيرة إلى عدم السماح بالتظاهر، الأمر الذي تسبب لاحقاً بتآكل سمعته السياسية. ويتوقع على نطاق واسع أن تفعل الاحتجاجات الحالية مع العبادي الأمر ذاته، خصوصاً مع قتل وإصابة العشرات والمئات من المحتجين.
من جانبه، يؤيد إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكوفة، مسألة الوحدة التي وجد نفسه فيها حيدر العبادي هذه الأيام، ويرى في حديث لـ«الشرق الوسط» أن «العبادي يبدو منعزلاً وحيداً هذه الأيام، وذلك ناجم عن فترة تصريف الأعمال التي تتولاها حكومته. وبالتالي، فإن القوى السياسية غير مهتمة بالوقوف إلى جانبه وتعريض سمعتها للخطر، في ظل احتجاجات مطلبية محقة».
ويعتقد العنبر أن «الإجراءات الأمنية المتشددة التي اتبعها ضد المتظاهرين قوضت سمعته التي حصل عليها من حربه ضد (داعش)، وذلك سيؤثر حتماً على حظوظه في الفوز بالولاية الثانية التي يطمح إليها».
ويلاحظ العنبر أن العبادي «اجتمع بالقيادات السياسية وقيادات الحشد، ولم يلتق بممثلين عن التظاهرات، وذلك يعني أنه يبعث برسالة إلى الجماعات السياسية، مفادها توفير الحماية لهم من غليان شعبي غير مسبوق، بهدف الحصول على دعمهم في مرحلة لاحقة من الصراع على منصب رئاسة الوزراء».
أرسل تعليقك