يواجه الرئيس الإيراني حسن روحاني تحديات متعددة على المستوى الداخلي خلال الـ12 شهرًا المقبلة لتنفيذ وعوده في الانتخابات الرئاسية، يتقدمها إعادة الهدوء إلى الساحة السياسية في ظل خلافات غير مسبوقة، في المقابل فإن معسكر المعتدلين والإصلاحيين بات على مفترق طرق بعدما تزايدت الانتقادات إلى روحاني بسبب استمرار الإقامة الجبرية على زعيمي الحركة الإصلاحية مير حسين موسوي ومهدي كروبي، فضلًا عن القيود على الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي.
ويتعرض روحاني إلى ضغوط متزايدة من بعض حلفائه الإصلاحيين الذين ضاقوا ذرعًا خلال الأشهر الماضية من تنازلات تقدمها الحكومة لدوائر على صعيد وعوده الانتخابية وأهمها تأخر رفع الإقامة الجبرية عن مير حسين موسوي ومهدي كروبي وتعزيز الحريات الاجتماعية وتحسين العلاقات الخارجية.
ووجه النائب الإصلاحي إلياس حضرتي، الإثنين، رسالة مفتوحة إلى روحاني يطالبه القيام بواجبه الدستوري في قضية موسوي وكروبي. وقال إنه "وفق تحليل الأوضاع الداخلية، فإن استمرار الوضع الموجود غير ممكن وغير مطلوب ونظرًا لمسؤوليتك في تنفيذ الدستور فإني أؤكد على واجبك القانوني في قضية الإقامة الجبرية المفروضة على مير حسين موسوي وزهرا رهنورد ومهدي كروبي" وفق ما نقل عنه موقع "اعتماد أونلاین".
وقال حضرتي إن رفع الإقامة الجبرية "مطلب غالبية الشعب الإيراني"، معتبرًا العودة العاجلة والصريحة إلى نص الدستور والعمل بالبنود المعطلة "خطوة ضرورية للوحدة الوطنية وتقليل الشرخ الاجتماعي والسياسي ودعم موقع النظام لدى الشعب وضمان المصالح القومية"، مطالبًا روحاني بالدعوة إلى اجتماع استثنائي في مجلس الأمن القومي لاتخاذ القرارات المطلوبة ورفع القيود غير القانونية من الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي، وذلك تلبية للمطالب الشعبية ورفع عقدة من أمام النظام. وأضاف "نعلم أن اتخاذ القرار في هذا المجال على عاتق مجلس الأمن القومي بإذن من كبار المسؤولين وأن كثيرًا من الأجهزة السياسية والأمنية تقر بأن استمرار الإقامة الجبرية في البلد... يؤدي إلى خسائر وأضرار للنظام والثورة"، متابعًا أنه "لا ضرورة من بقاء شخصيات سياسية تحت الإقامة الجبرية على خلاف القانون".
وحمل حضرتي مسؤولية أحداث انتخابات 2009 إلى جميع أجهزة الحكومة والتيارات السياسية، لافتًا إلى أن توجيه أصابع الاتهام إلى جهات خارجية أو شخصيتين سياسيتين تبسيط للأمور وتهرب من المسؤولية، مشددًا في رسالته إلى أن التحليل الرسمي للسلطة الإيرانية من أحداث 2009 غير مطابق لواقع الأحداث كما أنه غير مرحب به من الشعب الإيراني ولا يقدم حلولا لحل المشاكل.
ویتوقع أن تزداد الضغوط على روحاني بعدما فشل وعده خلال العام الماضي بإنهاء الإقامة الجبرية على مير حسين موسوي ومهدي كروبي وكان نائب رئيس البرلمان علي مطهري وهو واحد أبرز حلفاء روحاني في البرلمان أعلن قبل شهرين عن نوايا بنهاية مشكلة موسوي وكروبي قبل نهاية العام الإيرانية في 21 مارس/ آذار الماضي. لكن على الرغم من مضي أسبوعين على بداية العام الجديد لم يعلن مجلس الأمن القومي الإيراني أي تغيير في قراره الصادر ضد موسوي وكروبي.
وكانت أوساط مقربة من روحاني تداولت منذ أيام خبر رفع الإقامة الجبرية وتزامن ذلك مع تصريحات من وزير الدفاع السابق حسين دهقان والذي قال إنه أقنع موسوي قبل أعوام قليلة بالتراجع عن مواقفه، وفي 21 من مارس الماضي قال المتحدث باسم هيئة رئاسة البرلمان، بهروز نعمتي، إن رسالة كروبي إلى المرشد الإيراني علي خامنئي حالت دون رفع الإقامة الجبرية. أما نجل كروبي، حسين كروبي فقال في حوار مع "إنصاف نيوز" الإصلاحي، الإثنين، إن "والده لن يصمت حتى بعد رفع الإقامة الجبرية"، مشددًا على أن والده "ما زال مؤمنًا بالجمهورية الإسلامية لكن وفق قراءة الخميني".
ومع ذلك، أبرز حسين كروبي أن "أي عمل لا يؤجل رفع الإقامة الجبرية. عندما يقرر المرشد ذلك فإن الإقامة الجبرية سترفع"، معربًا عن اعتقاده أن رسالة والده "ستسارع رفع الإقامة الجبرية".
نهاية يناير/ كانون الثاني، وجه مهدي كروبي رسالة مفتوحة إلى خامنئي وطالبه بأن يتحمل مسؤولية سياساته على مدى ثلاثة عقود بدلًا من اتخاذ موقع المعارضة وانتقاد الآخرين، معتبرًا الأوضاع الراهنة على المستوى السياسي والاقتصادي والثقافي والاجتماعي "نتيجة سياسات الإستراتيجية والتنفيذية" لخامنئي كما اتهمه بتهميش "القوى الأصيلة في الثورة".
واعتبر كروبي الاحتجاجات الشعبية في المدن الإيرانية "جرس إنذار" ضد الفساد والظلم والتمييز، مشددًا على ضرورة أخذ هواجس الإيرانيين بعين الاعتبار، ورغم تسريب الخلافات بين المعسكر الإصلاحي والمعتدلين، أكد رموز الحركة الإصلاحية استمرار الدعم لروحاني وذلك لتقليص الفرص أمام زحف المحافظين المدعومين من المرشد الإيراني علي خامنئي والأجهزة العسكرية والأمنية مثل "الحرس الثوري".
وكان روحاني واجه تهمًا من صحف ومجلات إصلاحية بأنه "تراجع من معسكر الإصلاحي والمعتدل باتجاه المحافظين" وذلك على خلفية تشكيلة الحكومة التي صدمت الإصلاحيين المنتشين بفوزه بالانتخابات عندما أعلن أنه تجاوز معادلات التيارات السياسية في اختياراته للوزراء، كما واجه تهمًا بتهميش دور نائبه الأول إسحاق جهانغيري.
ولا يختلف أنصار روحاني ومنتقدوه من الإصلاحيين على أن المعسكر الذي يقوده الرئيس الإيراني تجاوز عامًا صعبًا على الرغم من تحقيق الفوز في الانتخابات الرئاسية ومجلس خبراء القيادة. في هذا الصدد، يقول موقع "روحاني متر" التابع لجامعة تورونتو الكندية الذي يختص بتقييم أداء الرئيس الإيراني على مدار الساعة إن "القليل من أنصار روحاني تصوروا أن تكون أوضاع الحكومة على هذا النحو"، مشيرًا إلى أن الحكومة تمر بوضع أسوأ من العالم الماضي على خلفية تزايد الضغوط.
ويضيف تحليل "روحاني متر" أن تفاؤل المصوتين "يفقد لونه كلما ابتعدنا من الانتخابات الرئاسية"، مشيرًا في الوقت ذاته إلى فقدان الأمل بالإصلاحات التي وعدها بها روحاني ونائبه إسحاق جهانغيري خلال حملة الانتخابات الرئاسية. لكن موقع "نامه نيوز" الإصلاحي اعتبر استمرار الدعم التيار لروحاني من بين أبرز التحديات التي تواجه الإصلاحيين في العام المقبل.
في نهاية ديسمبر/ كانون الأول، ردد الإيرانيون هتافات خلال الاحتجاجات تندد بالتيارين المحافظ والإصلاحي وعلى أثر ذلك أعرب بعض الإصلاحيين عن ندمهم لتأييد روحاني في الانتخابات، وبدا أن الإصلاحيين انقسموا إلى فريقين؛ أغلبية تتمسك بموقفها من الحكومة والنظام بشكل عام وتحذر من تكرار سيناريو سورية في إيران وأقلية تريد النأي بنفسها عن النظام السياسي خشية انهيار القاعدة الشعبية للإصلاحيين وتحول الإيرانيين إلى خيارات أخرى.
وكان فريق الأقلية قد واجه تهما متنوعة منها السعي لإسقاط النظام وتخطي روحاني والإصلاحيين، ويرى موقع "روحاني متر" أن سبب "موجة الندم" التي شهدتها شبكات التواصل الاجتماعي، وانتقدتها وسائل الإعلام المناصرة لروحاني تراجع رئيس الحكومة عن وعوده التي أطلقها في الانتخابات. من جهة أخرى، يربط التحليل تعثر وعود روحاني بتراجع دور جهانغيري "الإصلاحي" وتنامي دور رئيس مكتب روحاني محمود واعظي والذي شغل منصب وزير الاتصالات خلال الأعوام الأربعة من حكومة روحاني الأولى.
إلى جانب ذلك، فإنه من المفترض أن يبدأ الثلاثاء، النقاش بشأن مصير عمدة طهران محمد علي نجفي بعد أقل من سبعة أشهر على انتخابه. ولا يريد الإصلاحيون الذين يسيطرون على مقاعد مجلس شورى بلدية طهران أن يترك نجفي مكانه لمرشح يفرض من مؤسسات المرشد أو الحرس الثوري وذلك بعد انتظار دام 12 عامًا، ولذلك تداول اسم جهانغيري قبل أسبوعين ليشغل منصب عمدة طهران.
ونقلت مواقع إصلاحية، الأحد، نقلًا عن مصادر مطلعة أن جهانغيري ينفصل عن فريق روحاني ليكون مرشح الإصلاحيين لمنصب عمدة طهران. مضيفة أن وزير النفط بيغن زنغنة مرشحًا لخلافة جهانغيري في منصب نائب الرئيس، في غضون ذلك، يجد الإصلاحيون أنفسهم أمام تحد جديد للاتفاق على عمدة جديد في طهران بعد استقالة نجفي المفاجئة منتصف الشهر الماضي.
وأفاد موقع "نامه نيوز"، الإثنين، أن كثيرًا من الإصلاحيين يرون في جهانغيري مرشحًا مناسبًا لعمدة طهران وإن كان ينافسه محسن هاشمي نجل علي أكبر هاشمي رفسنجاني، ويرى فريق من المحللين أن روحاني في أمس الحاجة إلى كسب رهان الحفاظ على تماسك تحالفه الداخلي الذي كشفت الاحتجاجات الشعبية الأخيرة "هشاشته". والسبب أن حكومة روحاني تواجه خطر خروج إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب من الاتفاق النووي وزيادة الضغوط الأميركية على دور إيران الإقليمي وملف الصواريخ الباليستية وهو ما يفاقم المشاكل الاقتصادية في إيران.
أرسل تعليقك