الخرطوم - العرب اليوم
توصّل الفرقاء السودانيون السبت، إلى اتفاق نهائي حول الوثيقة الدستورية لحكم المرحلة الانتقالية، وسط ترحيب عربي ودولي وفرحة كبيرة في الشارع السوداني، وبذلك يدخل السودان حقبة جديدة في تاريخه السياسي بالتحوّل إلى الحكم المدني بعد 30 عاماً من حكم الرئيس المعزل عمر البشير، و7 أشهر من الاحتجاجات الشعبية و4 أشهر من المفاوضات العسيرة بين «قوى الحرية والتغيير» التي قادت الحراك الشعبي، والمجلس العسكري الذي يتولى السلطة منذ إسقاط البشير في 11 أبريل/ نيسان.
وبدأت في العاصمة السودانية الخرطوم اجتماعات اللجنة الفنية المعنية بوضع جدول زمني لترتيبات توقيع اتفاق المجلس العسكري الانتقالي و«قوى إعلان الحرية والتغيير» بالأحرف الأولى، وذلك بعد ساعات من إعلان الوسيط الأفريقي محمد الحسن ولد لبات اتفاق الطرفين على وثيقة «الإعلان الدستوري» الحاكمة للفترة الانتقالية، فيما ينتظر أن يتم التوقيع النهائي بعد العيد. وقال لبات في تصريحات صحافية في وقت مبكر من صباح أمس «أعلن للرأي العام السوداني والوطني والدولي والأفريقي، أن الوفدين اتفقا بشكل كامل على الوثيقة الدستورية». وأنهى تصريح لبات مخاوف من فشل الأطراف السودانية في التوصل لاتفاق، ينهي حالة التوتر وسيول الدم التي أعقبت عزل الرئيس عمر البشير 11 أبريل الماضي.
وأوضح لبات أن الطرفين سيواصلان الاجتماعات لوضع الترتيبات الفنية لتنظيم مراسيم التوقيع الرسمي على الوثيقة مساء اليوم، إيذانا ببدء الحكومة الانتقالية تسلم مقاليد الحكم لفترة انتقالية طولها 39 شهراً، يترأسها في الفترة الأولى ومدتها 21 شهراً أحد أعضاء مجلس السيادة العسكريين، ويترأس الفترة المتبقية 18 شهراً أحد أعضاء مجلس السيادة المدنيين. وقال المتحدث باسم قوى الحرية والتغيير في السودان، مدني عباس مدني، في مؤتمر صحافي عقده فجر أمس، إن من شأن الوثيقة التي تم توقيعها التأسيس لحكم برلماني بصلاحيات واسعة للجهاز التنفيذي ورئاسة الوزارة، مضيفاً أن «تحقيق السلام في البلاد يعد من أهم أولويات المرحلة الانتقالية، ويفتح الباب أمام تأسيس دولة الحرية والعدالة».
وأبلغ مدني الصحافيين أن الطرفين اتفقا على كل النقاط الواردة في الإعلان الدستوري، وينتظر أن يتم توقيعها بالأحرف الأولى اليوم عقب إكمال صياغتها النهائية، فيما وجهت إدارة الإعلام الخارجي التابعة لوزارة الإعلام الدعوات لأجهزة الإعلام الخارجية، بعد عيد الأضحى، بحضور عدد من رؤساء الدول. وبحسب مدني فإن الطرفين اتفقا على تكوين مجلس سيادة لا يزيد على عشرين وزيراً تختارهم قوى إعلان الحرية والتغيير، ويعتمدهم المجلس السيادي، فضلاً عن الاتفاق على نسبة 67 في المائة من أعضاء المجلس التشريعي الانتقالي تختارهم قوى إعلان الحرية والتغيير، على أن تترك النسبة الباقية للقوى المشاركة في الثورة لكنها غير الموقعة على إعلان الحرية والتغيير.
وقدمت عضو اللجنة القانونية الفنية المشتركة، ابتسام السنهوري، للصحافيين تفاصيل الاتفاق المزمع توقيعه بالأحرف الأولى اليوم، وقالت إنه يهدف إلى تأسيس نظام حكم برلماني بسلطات واسعة للسلطة التنفيذية، مع سلطات محدودة للمجلس السيادي. وكشفت أن الوثيقة الدستورية حددت أن تكون تبعية «قوات الدعم السريع» للقائد العام للقوات المسلحة، ويمثله «مجلس السيادة»، بينما يتبع جهاز المخابرات إشراف مجلسي السيادة والوزراء، وأن تقتصر مهمته على جمع وتحليل المعلومات وتقديمها إلى السلطات المختصة، أي سلطة التوقيف والانتقال منه. وأوضحت السنهوري أيضاً أن تكوين المفوضيات سيترك لمجلس الوزراء، وكذلك العمل على محاسبة فترة حكم الرئيس المعزول عمر البشير في إساءة استخدام السلطة، والفساد المالي والإدارة، وتصفية رموزه والدولة العميقة التي صنعها. وأضافت أن المجلس السيادي سيتولى إعادة هيكلة الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، باعتبارها سلطات خاصة بالعسكريين، وقللت السنهوري من السلطة الممنوحة للمجلس السيادي بقولها إن أغلب أعضائه من المدنيين ولا يملك فيه العسكريون أغلبية، بمواجهة المخاوف بهيمنة العسكريين على السلطة. وقالت إن وزيري الدفاع والداخلية سيتم اختيارهما من قبل الأعضاء العسكريين في المجلس السيادي، ليتبعا بعد ذلك الجهاز التنفيذي، وإن الوثيقة الدستورية اشترطت ألاّ يكون من بين أعضاء مجلس السيادة أعضاء من مزدوجي الجنسية.
وطالب المبعوث الإثيوبي للسودان محمود درير أمس، برفع اسم السودان من القائمة الأميركية للدول الراعية للإرهاب، وقال بحسب «سكاي نيوز عربية» إن الاتفاق سيساهم في إحلال السلام. وقال درير إن الاتحاد الأفريقي والمجتمع الدولي يدعمان الاتفاق السوداني، ما يستدعي حذف اسمه من قائمة وزارة الخارجية الأميركية للدول الراعية للإرهاب، لكونه تأسيسا لدولة جديدة في السودان. وأوضح أن الاتحاد الأفريقي سيعيد السودان إلى عضويته، ويرفع التجميد الذي فرضه عليه عقب استيلاء المجلس العسكري الانتقالي على مقاليد السلطة في البلاد. وكانت مفوضية الاتحاد الأفريقي قد أعلنت في يونيو (حزيران) الماضي تعليق عضوية السودان، مشترطة عدم رفع التعليق قبل نقل السلطة إلى حكومة مدنية، وذلك على خلفية التصعيد بين المعارضة والمجلس العسكري ومأساة فض الاعتصام التي أدت إلى وقوع مئات الضحايا.
ورحبت جامعة الدول العربية، بالإعلان عن توصل المجلس العسكري الانتقالي في السودان وقوى الحرية والتغيير، إلى اتفاق حول نص الوثيقة الدستورية الحاكمة خلال الفترة الانتقالية، تمهيداً لتوقيعه بالأحرف الأولى خلال اليومين المقبلين. واعتبر مصدر مسؤول بالأمانة العامة للجامعة العربية، في بيان، أمس، أن هذا التوافق على الوثيقة من شأنه أن يطلق، بعد التوقيع عليه، مرحلة جديدة ومهمة تتواكب مع تنفيذ ما يتطلع إليه الشعب السوداني من حكم مدني ديمقراطي، وتحقيق السلام الشامل في ربوع البلاد. وجددت الجامعة العربية التزامها بالوقوف «بكل قوة إلى جانب الجهات السودانية الانتقالية المتوافق عليها لتحقيق تطلعات الشعب في السلام والديمقراطية والاستقرار والتنمية الشاملة»، «وهو ما سينعكس من دون شك على دعم جهود السلام والاستقرار في الوطن العربي».
قد يهمك أيضًا
المجلس العسكري السوداني يُؤكّد أنّ الوثيقة الدستورية "جيّدة"
توقّعات باتفاق يحدّد المرحلة الانتقالية في السودان بين الحركات المسلحة و"إعلان الحرية"
أرسل تعليقك