عاشت العاصمة الجزائرية أمس السبت، توتًرا حادًا بسبب مشادات جسدية بين مئات المتظاهرين وقوات الأمن، التي لجأت للقوة لمنعهم من تنظيم احتجاج، أرادوه تكملة للحراك الأسبوعي، الذي يجري كل يوم جمعة. وطالب ناشطون ومناضلو حقوق الإنسان من السلطات اتخاذ "إجراءات رادعة ضد أعمال عنف"، كان ضحيتها صحافيون ومتظاهرون أول من أمس خلال احتجازهم في مراكز الشرطة بالعاصمة وخارجها.
وأعلن الصحافي كمال درارني، المتحدث باسم "فريق الصحافيين المتحدين"، عن اعتقال الناشط سمير بلعربي، الذي غادر السجن منذ فترة قصيرة، بعد أن قضى خمسة أشهر تحت طائلة تهمة "إضعاف معنويات الجيش". وقد أعلن الصحافي نفسه في وقت لاحق أن الشرطة اقتادته إلى مراكزها. كما أعلن درارني قبل أسابيع قليلة أن عناصر من المخابرات أمروه بالتوقف عن بث صور المظاهرات، "وإلا سيكون مصيرك السجن".
وكان بلعربي وسط المتظاهرين في مدينة الجزائر العاصمة، وتداول أصدقاؤه على منصات التواصل الاجتماعي صور رجال أمن يحملونه خارج المظاهرة. وكان تعرض للاعتقال لمدة ساعات، بعد أسبوع من خروجه من السجن. وانتشرت بقوة صور فيديو عديدة، تظهر خشونة في تعامل رجال قوات الأمن مع المتظاهرين. وبدا من خلال تصرفاتهم أنهم تلقوا أوامر صارمة بعدم السماح بالمظاهرة تحت أي ظرف.
ونشرت السلطات منذ الصباح العشرات من عناصر مكافحة قوات الشغب داخل أهم الشوارع، وخاصة في شارعي "ديدوش مراد" و"فكتور هيجو"، بعد أن بلغها أن متظاهري حراك الجمعة يعتزمون تنظيم احتجاج في اليوم الموالي للتنديد بـ"الدولة العسكرية"، والمطالبة بـ"الدولة المدنية". وشهدت بعض الأزقة بالشوارع الكبيرة كرا وفرا وملاحقات للمتظاهرين، ممن حاولوا الإفلات من هراوات رجال الشرطة.
وجرى اعتقال ناشطين بارزين بالحراك، عرفوا خلال كل أيام الأسبوع بدعوات تكثيف الاحتجاج، وتصميم شعارات ولافتات ترفع في الاحتجاجات، التي باتت السلطات منزعجة منها للغاية. وفي العادة يدوم احتجاز المتظاهرين بمراكز الشرطة إلى بداية الليل ليطلق سراحهم بعد أن تتلاشى المظاهرة.
وكتب عبد الغني بادي، "محامي مساجين الحراك"، بحسابه بفيسبوك: إن "تعذيب طابو (سياسي يقبع في السجن منذ 5 أشهر) وتعذيب حساني (شرطي تم فصله بسبب مساندته المتظاهرين)، وتعذيب دواجي (ناشط مسجون)، وقمع المواطنين وسحلهم وسبهم، وشتمهم وضربهم بالهراوات واعتقالهم، كلها انتهاكات لا يجب السكوت عنها، ويجب تقديم الشكاوى والبلاغات في أقرب وقت ممكن، وعلى وزير الداخلية ووزير العدل تحمل مسؤولياتهما". مضيفا أن محاربة التعذيب والمعاملة القاسية "هي معركتنا الأساسية ضد حكم التسلط، ولا يمكن أن نخطو خطوة واحدة ونحن نعيش تغول البوليس السياسي، بذهنية ستينات القرن الماضي".
وأثار محامون وأعضاء بـ"الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان"، موضوع "تغوّل البوليس السياسي وضرورة تفكيكه"، وهو جدل قديم مستمر منذ تأسيس المخابرات الجزائرية أيام الاستعمار الفرنسي.
من جهته قال ناصر جابي، الأستاذ الجامعي المختص في علم الاجتماع، إن "حالات الإهانة والضرب والاعتداء الجسدي، وغيرها من أشكال سوء المعاملة، التي بدأ الحديث عنها تتواتر منذ تصريحات كريم طابو في المحكمة، لا يجب السكوت عنها ولا بد أن تتحول إلى قضية رأي عام، ومساءلة لمؤسسات الدولة التي يفترض أنها حامية لها". في إشارة إلى تصريحات مثيرة للمناضل السياسي طابو يوم محاكمته الاثنين الماضي، جاء فيها أن الفترة التي قضاها في الاحتجاز الإداري الأمني، اتسمت بالضرب والعنف، ودعا وزير العدل إلى فتح تحقيق في القضية.
وكان كمال شيخي، تاجر اللحوم المسجون في "قضية 7 ملايين طن كوكايين"، قد اشتكى هو أيضا من "التعذيب" أثناء محاكمته الأسبوع الماضي، وذلك خلال فترة التحقيق معه بمقر الدرك، حسب تصريحاته.
ولم يصدر عن أي جهة أمنية أو سياسية حكومية رد فعل بشأن الاتهامات بالتعذيب، وبارتكاب تجاوزات في ميدان حقوق الإنسان. وكان الرئيس عبد المجيد تبون قد تعهد بـ"محاربة كل الممارسات المشينة، التي سادت في العهد القديم". في إشارة إلى فترة حكم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة التي دامت 20 سنة.
قد يهمك ايضـــًا :
الرئيس الجزائري يؤدي اليمين الدستورية ويعد بـ5 وعود لتحسين مستوى المعيشة
عبد المجيد تبون: إنتهى لقب “الفخامة” في وصف رئيس الجمهورية
أرسل تعليقك