جدّدت عملية اعتقال عبد الرحمن ميلاد، الشهير بــ”البيدجا” في مدينة الزاوية (غرب)، مطالب السياسيين في عموم ليبيا بضرورة لجم الميليشيات المسلحة بالعاصمة والتصدي لنفوذها، واعتقال جميع العناصر والقيادات المطلوبة دوليًا، سعيًا لإنهاء وجود التشكيلات المسلحة هناك. لكن عدة أصوات عبّرت عن شكوكها في قدرة حكومة “الوفاق”، التي يرأسها فائز السراج، على تصفية هذه الميليشيات أو اعتقال قادتها.
وتنشط في العاصمة طرابلس عشرات الميليشيات والكتائب، التي لعبت منذ إسقاط النظام السابق، دورًا في نشر الفوضى بالعاصمة، وترويع المواطنين، خاصة أنها تملك “ترسانة كبيرة من الأسلحة”، ومن بين هؤلاء القادة صلاح بادي، آمر ما يعرف بـ”لواء الصمود”، الذي ينتمي إلى مدينة مصراتة، والمطلوب دوليًا.
وتوقع جمال شلوف، رئيس مؤسسة “سليفيوم” للأبحاث والدراسات بليبيا، أن تعقب عملية اعتقال “البيدجا” توقيف شخصيات مطلوبة دوليًا، وذلك في إطار تنفيذ وزير داخلية حكومة “الوفاق”، فتحي باشاغا، لمخرجات مؤتمر برلين، وتحديدًا الملاحق الأمنية المتعلقة بتصفية الميليشيات المسلحة، ونزع سلاحها، وإعادة دمج من يتم تأهيلها، وتقديم العناصر الإرهابية والإجرامية للعدالة، لكنه استبعد أن تتمكن داخلية “الوفاق” من تحقيق ذلك، دون الحصول على دعم تسليحي خارجي، سواء من قبل “أفريكوم”، أو قوات أممية.
وقال شلوف، في تصريح لـ”الشرق الأوسط”، إن حكومة “الوفاق” وحدها “لا تستطيع السيطرة على الأمر، بالنظر بما تملكه الميليشيات من ترسانة سلاح متوسطة وثقيلة”، وبرهن على ذلك بما شهدته منطقة تاجوراء، شرق العاصمة طرابلس، قبل أسابيع قليلة، من اشتباكات عنيفة بالأسلحة الثقيلة والمتوسطة بين كتيبتي “الضمان” و”أسود تاجوراء”، وكلاهما من الكتائب التابعة لوزارة الدفاع بحكومة “الوفاق”.
وأضاف شلوف موضحًا: “يبدو أن ميليشيات الزاوية تلقت تهديدًا بتعرضها لضربات عسكرية حاسمة، وإدراج قيادتها على قائمة العقوبات الدولية، ما جعلها تتراجع عن التهديد بمحاولة تخليص (البيدجا) بالقوة من قبضة الأجهزة الأمنية”، لافتًا إلى أن ميليشيات الزاوية “بإمكانها تحقيق ذلك نظرًا لما تحوزه من أسلحة وعناصر، قد تمكنها من التغلب على ميليشيات طرابلس”.
ولم يستبعد شلوف إمكانية اعتقال هذه العناصر، “لكن على مراحل زمنية متباعدة حتى لا تكون المهمة شاقة، وأيضًا لامتصاص غضب أنصار هؤلاء المطلوبين والمعاقبين دوليًا، مثل أحمد الدباشي المعروف بـ(العمو)، والمدان بتشكيل ميليشيا للاتجار بالمهاجرين، وتعريضهم لظروف وحشية في البر والبحر، فضلًا عن علاقته الوثيقة بـ(تنظيم داعش). وهناك أيضًا إبراهيم تنتوش، القيادي بتنظيم (القاعدة)، وقيادات الجماعة الليبية المقاتلة، وتنظيم (أنصار الشريعة)، وكلهم يقعون ضمن لوائح الإرهاب والعقوبات الدولية”، لافتًا إلى غموض موقف حكومة “الوفاق” من صلاح بادي، المعاقب دوليًا بسبب عرقلته الاتفاق السياسي قبل ذلك بالقوة المسلحة.
وسلّط الباحث الضوء على ما تبديه الولايات المتحدة والبعثة الأممية من حرص على استمرار تدفق النفط، بعد تعطله لنحو 9 أشهر، ما يجعل ملف تصفية المطلوبين دوليًا أمرًا هامًا في الوقت الراهن؛ خصوصًا بعد تردد أنباء عن أن “البيدجا”، الذي يحظى بدعم تركي، كان معترضًا على اتفاق عودة إنتاج النفط.
وتوالت التصريحات الدولية المرحبة باعتقال “البيدجا”؛ حيث اعتبرت البعثة الأممية لدى ليبيا، والسفارتان الأميركية والفرنسية هناك أن توقيفه “عمل مهم في مجال مكافحة جريمة الاتجار بالبشر”، التي يرى مراقبون أن ليبيا قد تحولت إلى ممر رئيسي لها.
في السياق ذاته، رأى عضو مجلس النواب الليبي، علي التكبالي، أن حكومة السراج “ستعجز عن المساس بأي عنصر ميليشياوي آخر من القيادات المطلوبة دوليًا، أو من قيادات الميليشيات بشكل عام”، وأرجع ذلك إلى ما تملكه هذه القيادات من ترسانة أسلحة، وعلاقات ونفوذ وموالين كثر بحكم المصالح، “كما أنها تملك أيضًا وثائق تدين قيادات حكومة الوفاق كافة بتهم مختلفة، ما بين فساد وسرقات كبرى، والقبض عليهم قد يهدد بتسريب هذه الوثائق للإعلام”.
وقال التكبالي: “حتى الآن لم تصدر حكومة الوفاق أي تصريح يتعلق بتسليم البيدجا للإنتربول، وربما يكون هناك وعد أعطي لميليشيات الزاوية بعدم تسليمه نهائيًا، ولذا انسحبوا من العاصمة”.
ويعتبر التكبالي، عضو لجنة الدفاع والأمن القومي، أن اعتقال “البيدجا” جاء في “إطار تصفية الحسابات الداخلية، وتحديدًا بعد أن وجّه الأخير اتهامات لقيادات في مؤسسة النفط بسرقته وتهريبه”.
بدوره، قال المحلل السياسي الليبي عبد الله الكبير، المقرب من حكومة “الوفاق” لـ”الشرق الأوسط”، إن ميليشيات الزاوية التي تظاهرت فور اعتقال “البيدجا” دخلت العاصمة بسهولة، نظرًا للتقارب الجغرافي، واقتصر الأمر على إطلاق أعيرة نارية في الهواء، دون اشتباكات مع أي طرف، لافتًا إلى أنهم التزموا بالتعليمات التي أصدرها لهم وزير الدفاع صلاح النمروش ابن مدينتهم، بالعودة إلى مقارهم.
واستبعد الكبير بدرجة كبيرة “ما يطرحه البعض من إمكانية انقلاب التشكيلات العسكرية بالغرب على (الوفاق) تخوفًا من تصفيتها”. لكنه قال إن باقي الشخصيات المطلوبة “لا تملك أنصارًا ومؤيدين كثرًا مقارنة بـ(البيدجا)، وربما تحترس من الآن، وتحاول الاختباء داخل الصحراء الليبية الواسعة، أو الهروب إلى دول الجنوب الأفريقي”.
قد يهمك أيضا:
ميليشيات الحوثي تُجدد هجماتها على المناطق المحررة في "الحديدة" اليمنية
إصابة سعودي وتضرر عدة منازل في هجوم لطائرة حوثية
أرسل تعليقك