يقضي جزء من أهالي الموصل في العراق، العيد في فرحة لأول مرة خارج قبضة تنظيم "داعش"، لكن جزء آخر ما يزال يعاني من جراء الحرب التي لم يتوقف مآسيها حتى في يوم العيد، وعدد من الأهالي محاصرين خارج مناطقهم التي يتواجد بها أطفالهم ولا يستطيعون العودة للبحث عنهم ويخشون موتهم تحت الأنقاض.
وأكد أحد النازحين "أن الفرح غاب هذه السنة عن عائلته مع قدوم العيد، بعد أن احترق بيته وكل ممتلكاته". وأعياد النازحين السابقة في مناطقهم باتت ذكرى تطايرت مع دخان السجائر، ولسان حالهم لايقوى إلا على انتظار أن تتحمل الجهات المعنية مسؤوليتها، وتنقذهم من وضعهم المزري.
وتساءلت مواطنة نازحة "اين نذهب؟ ليس لدينا مكان نتوجه اليه وليس لدينا عيد في هذه النكبة"، في حين عبّرت نازحة أخرى عن قلقها حيال بناتها من القصف المدفعي". "ولاعيد بلا وطن، ولا فرحة بدون تحرر"، هكذا هي كلماتهم وهكذا هي مشاعرهم، فالحزن خطف منهم فرحة استقبال العيد، وجعل من الابتسامة دموعا، وسط مناشدات الجهات المعنية بالإسراع في ايجاد حلول تسعفهم وتخرجهم من ازمتهم.
وعلى غير العادة أسهم التقصير الحكومي والأممي تجاه ملايين النازحين العراقيين في تحريك المجتمع العراقي، لمساعدتهم في بادرة إنسانية تتجاوز الطائفة والدين والعرق، وتؤكد على أصالة المجتمع العراقي.
*"أضحيتي للنازحين"
ومن خلال حملات شعبية انتشرت، وعادة ما تكون نواتها أو محركها الرئيسي، مواقع التواصل الاجتماعي والمقاهي والنوادي الشبابية المنتشرة في البلاد. وبرزت منذ أيام حملة "ملابسك قديمة بالنسبة لهم جديدة"، وتركز على جمع الملابس من العوائل وغسلها وكيها ثم تغليفها وتقديمها للنازحين في مخيمات النزوح، لمساعدتهم في الاحتفال بالعيد، فضلا عن جمع أموال وشراء ملابس جديدة لهم.
وتأتي هذه الحملة تزامنا مع حملة أخرى أطلقها إعلاميون وناشطون حملت وسم "أضحيتي للنازحين" لجمع لحوم الأضاحي، وتوزيعها على النازحين في المخيمات، مع دخول عيد الأضحى، في خطوة وصفوها بالمهمة، لإضفاء لمسة التكافل الاجتماعي وإشعارهم بالاهتمام.
وقال الناشط عمر المحمدي إن "هذه الحملة تأتي ضمن مساعي التكافل الاجتماعي وإشعار النازحين والفقراء بالاهتمام بهم، ورسم البسمة على شفاه أطفالهم مع دخول عيد الأضحى، في وقت يفتقرون فيه لأبسط مقومات العيش".
وأضاف المحمدي "هذه الحملة سبقتها حملات عديدة لإغاثة النازحين وتوزيع المساعدات الإنسانية لهم نظمها عدد من منظمات المجتمع المدني والمتبرعين الميسورين، وتتزامن مع حملة أخرى لتوزيع لحوم الأضاحي على النازحين في المخيمات". والنازحون من جانبهم يفتقرون للمال اللازم لشراء ملابس العيد لأطفالهم الذين تمزقت على أجسادهم ملابسهم القديمة، بسبب الفقر الشديد الذي يعانونه في مخيمات النزوح.
حاجات النازحين لم توفرها الحكومة ولا المنظمات الأممية :
يقول حميد الجميلي (49 عاماً): "لم نعد نفرح بقدوم العيد، ونحن نعيش وسط المخيمات في حياة بدائية جداً بلا ماء ولا كهرباء ولا وسائل اتصال بالعالم الخارجي، وفوق ذلك ننظر إلى أطفالنا قبل قدوم العيد بملابسهم البالية بحزن شديد، ونحن لا نقدر على شيء".
ويتابع الجميلي "لولا المنظمات الإنسانية والناشطون المدنيون وبعض المتبرعين لهلكنا خلال العامين الماضيين في مخيمات النزوح من الجوع والعطش، فالحكومة أهملتنا ولم توفر لنا أبسط مستلزمات العيش الإنساني".
والناشط والإعلامي عمر الدليمي أوضح من جانبه أن "النازحين قبيل عيد الأضحى يمرون بظروف قاسية تستدعي وقفة تضامنية من قبل الجميع، وما هذه الحملات إلا رسالة إلى الحكومة العراقية والأمم المتحدة عن حجم المعاناة القاسية في مخيمات النزوح". وأشار الدليمي إلى جولات ميدانية مستمرة يقوم بها مع العديد من الناشطين "نتفقد عبرها أحوال النازحين في المخيمات. وتأتي حملة جمع الملابس من الميسورين وتوزيعها على النازحين والفقراء كخطوة مهمة في ظرف عصيب تمر به البلاد".
وتزامنت حملة جمع الملابس مع حملة أخرى حملت وسم "أضحيتي للنازحين". إذ لم يذق النازحون طعم اللحم منذ نحو عامين، في وقت اعتمدوا فيه على بعض الطعام المقدم من المنظمات الإنسانية وبعض المتبرعين الميسورين. في حين اقتات أغلبهم خلال العامين الماضيين على الحشائش والأعشاب المنتشرة حول المخيمات في المناطق الصحراوية.
ومدير منظمة رحمة الإنسانية حسن العاني بين أن "الحملات الشبابية بين آونة وأخرى أثبتت فاعليتها الكبيرة للتخفيف من معاناتهم في المخيمات، وإيصال صوتهم إلى العالم، لكشف حقيقة ما يجري لهم من مأساة إنسانية كبيرة".
ويرى العاني أن "على الأمم المتحدة أن تأخذ دورها الحقيقي، وتخرج عن صمتها أمام معاناة النازحين، وكذلك الحال بالنسبة للحكومة العراقية التي لم تقدم شيئاً لهم. ووقعت الكثير من الوفيات بين النازحين بسبب الجوع والعطش والمرض خلال العامين الماضيين، وهذا يدلل على الإهمال الحكومي الواضح لملف النازحين".
السياسيون بعيدون عن الشعب:
يرى التاجر جميل البياتي أن القوى السياسية في العراق لا تعبأ بمثل هذه المناسبة الا بالقدر الذي يتعلق بمصالحها، ودليله على ذلك أن اغلب السياسيين يقضون اجازاتهم الخاصة بطريقة تدل على الترف بالسفر إلى خارج العراق، أو الترفع عن الشعب عبر حفلات وولائم خاصة تثير انتقاد الشارع العراقي. وأضاف "لم يعد المواطن العراقي يشعر بأن السياسي قريب منه، لا سيما في أيام العطل والأعياد، فهو يسمع ويرى عبر وسائل الإعلام سلوكيات الترف والمتعة التي توفرت لأولئك السياسيين من أموال الشعب".
وتابع هيثم الجنابي، وهو صاحب مخبز "ليس من سياسي عراقي يقترب من الشعب وينزل إلى ساحاته الا في زمن الانتخابات". ويرى عمار صاحب أن الشعب العراقي يهنّئ بعضه البعض في عيد الأضحى لكنه لا يهنّئ السياسيين. يتابع: "لدينا طبقة سياسية مترفعة ولها عيدها الخاص الذي تقضيه خارج العراق أو في حفلات خاصة وبين مقربين ومحضيين أثروا على حساب الشعب". ويدعو المدرس نعيم عبد الساسة العراقيين إلى استغلال مناسبة العيد للتصالح مع الشعب.
أرسل تعليقك