في عامودا شمال شرقي سورية، اتخذت الشرطة العسكرية الروسية مقرًا لها في مبنى مؤلف من طابقين على الطريق السريعة الواصلة بينها وبين مدينة الحسكة، ستعمل على مراقبة انتشار حرس الحدود السوريين على طول الشريط الحدودي، وانسحاب "قوات سورية الديمقراطية" العربية - الكردية إلى عمق 30 كلم جنوبًا، والتزام تركيا والفصائل السورية المسلحة الموالية بعدم خرق الاتفاقيات الدولية المتعددة في هذه المنطقة المتشابكة.
تختلج سكان عامودا مشاعر متباينة. منهم من يخشى التهديدات التركية بعد تنفيذها هجومًا على مدينتي رأس العين وتل أبيض منتصف أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، فيما يشكك آخرون بجدية الدور الروسي لحماية المنطقة.
وقال سوزدار (42 سنة) الذي يمتلك متجرًا لبيع الستائر والأقمشة في شارع الفاتورة وسط البلدة، مرحبًا بانتشار الشرطة الروسية: "انتشار الروس وقوات النظام إذا كان لوقف العدوان التركي هو أمر جيد، أي تحرك يوقف هذه التهديدات، ويحمي المنطقة ويبعد شبح الحرب سيخدم سكانها المدنيين".
لكن جاره الخياط صالح شكّك بجدية روسيا، وذكر مثالًا ما حدث في مدينة عفرين ربيع العام الفائت، وقال: "في معركة عفرين، تخلت روسيا عن الأكراد لأنها توصلت لاتفاق مع تركيا على حساب الشعب السوري، في حال قايضت مناطق ثانية ستكون على حساب عامودا وبلدات الجزيرة وعين العرب (كوباني)".
كان قائد "قوات سورية الديمقراطية" مظلوم عبدي، تحدث عن اجتماعه بقائد القوات الروسية العاملة في سورية ألكسندر تشايكو، والاتفاق على نشر الشرطة الروسية في كل من بلدتي عامودا وتل تمر بالحسكة، وعين عيسى بالرقة، وكتب على حسابه بموقع "تويتر" أن هدف الاتفاق "من أجل أمن واستقرار المنطقة".
ويرى طلعت يونس الرئيس المشارك للمجلس التنفيذي لإقليم الجزيرة، أحد هياكل الحكم المحلية في "الإدارة الذاتية لشمال وشرق" سورية، بأن الاتفاق مع الجانب الروسي "عسكري بحت"، وقال: "لا يشمل الحكم المدني ومستقبل الإدارة الذاتية، فمؤسسات وهيئات الإدارة تتابع عملها وموظفيها على رأس عملهم، ولم تتطرق النقاشات إلى هذه القضايا"، وعن انتشار القوات النظامية أكد أنها بتفاهم ورعاية روسية، منوهًا: "نطلع أن تلعب روسيا بدورها كضامن وراعية لإنهاء الأزمة السورية وإيجاد حل سياسي، والقيام بدورها وواجبها لوضع حد للاعتداءات التركية ومنع احتلال المزيد من الأراضي".
وعبر الشاب سيامند عن قلقه حيال انتشار القوات النظامية في عامودا. وقال: "شاركت في المظاهرات المناهضة للنظام، والكثير مثلي يخشون من عودته، روسيا تعمل على إعادة كامل سورية لقبضة الأسد".
أما سوزانا (27 سنة) وهي طالبة جامعية تدرس في جامعة الفرات بالحسكة، فنقلت أن كثيرًا من سكان البلدة مطلوبون ويخشون حتى العبور من المربعات الأمنية للنظام بمدينتي الحسكة والقامشلي: "إما لخدمة الجيش أو أنهم ملاحقون لنشاطهم المعارض، الجميع يخشى من الاعتقال والملاحقة الأمنية"، وتساءلت مستغربة: "ماذا سيكون مصير هؤلاء، حياتنا انقلبت رأسًا على عقب منذ شهرين؟!".
وعامودا التي تبعد عن مدينة رأس العين 80 كيلو مترًا من جهة الشرق تأثرت بداعيات معركة رأس العين بالحسكة وتل أبيض بالرقة، فالكثير من سكانها يخشون أن تندلع العمليات القتالية، وتنسحب روسيا والقوات الموالية للأسد لترك الأكراد مواجهة مصيرهم، كما فعلت في مدينة عفرين بريف حلب الشمالي. وعبر محمد سعيد، الذي يمتلك محلًا في الشارع الرئيسي، عن دهشته لتسارع الأحداث وتقلبات المشهد الميداني وتشابك المصالح الدولية، وتعقدها في منطقته، وقال: "لا أحد يعلم ماذا يحدث وأين مصلحتنا، نشاهد دوريات متعددة، لكن هذا لا يعني إبعاد شبح الحرب، لا نعلم ما هو مصيرنا".
ورغم تسيير الشرطة العسكرية الروسية دوريات مشتركة مع تركيا لمراقبة التزام الأطراف المتعددة بالاتفاقيات، تقول جميلة البالغة من العمر 45 سنة إن التحدي الحقيقي هو حماية أمن المنطقة، ومنع تهجير سكانها الأصليين. وأضافت: "بعد هجوم رأس العين وتل أبيض، معظم الناس هاجروا لخارج سورية، هؤلاء لن يعودوا بأي حال من الأحوال، للأسف قسم من سكان عامودا سافروا أيضًا خوفًا من الحرب".
قد يهمك أيضًا
رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو يبقي علي باباجان نائبًا له في الحكومة الجديدة
أردوغان يدعو للتعاون بين تركيا وقطر في تشوية الخريطة السكانية للمنطقة
أرسل تعليقك