لم تمر أيام طوال على قبول السودان ضغوط الرئيس الأميركي السابق ترامب للتطبيع مع إسرائيل والذي تمت بصورة سريعة ومفاجئة، حتى قامت العديد من الأحزاب والقوى السياسية والمنظمات بالإعلان عن تشكيل تحالف ضد التطبيع أطلقوا عليه اسم"القوى الشعبية لمقاومة التطبيع".. فما هو تأثير هذا التحالف على قرارات الحكومة بشأن التطبيع؟
كان تجمع المهنيين السودانيين قد ندد نهاية أكتوبر/تشرين الماضي بما سماه "انفراد السلطة الانتقالية بالتطبيع مع إسرائيل"، معتبراً إياه "نهجا مفارقا لتفويضها بالحكم"، معتبرا أن "جوهر دولة الاحتلال الإسرائيلي يبقى في كونها نظاما عنصريا غاصبا وداعما للتطرف والتمييز."
وقال المحلل السياسي السوداني النور أحمد النور، إن:" التحالف السوداني الذي تشكل من 28 حزبا ومنظمة ضد التطبيع مع إسرائيل سيكون له تأثير سياسي وإعلامي أكثر من أنه سيوقف خطوات الحكومة نحو التطبيع."
وأضاف أن: "خطوات التطبيع نفسها بعد الانتخابات الأميركية ورحيل ترامب عن البيت الأبيض سوف تكون بطيئة، لأنها كانت مرتبطة بشخص الرئيس الأميركي لتحقيق مكاسب سياسية في الانتخابات، كما أن الأمر كان مرتبط برفع اسم السودان من قائمة الإرهاب وهو ما ينتظر أن يوافق عليه الكونجرس خلال الشهر القادم".
تراجع التطبيع
وأكد النور أن: "هناك تراجع سياسي وإعلامي في تلك الأيام فيما يتعلق بعملية التطبيع، لذا سيكون تأثير التحالف الجديد سياسيا وإعلاميا أكثر من كونه عملي، في نفس الوقت سيكون هناك تحالف آخر أو حاضنة سياسية مناصرة للحكومة بعد توقيع اتفاق السلام في جوبا وعودة الحركات المسلحة للبلاد يوم الأحد المقبل، تلك الحاضنة الجديدة هى التي ستكون حريصة على المضي قدما في خطوات التطبيع، إذا كان ذلك يحقق مصالح اقتصادية ودبلوماسية للسودان".
ورأى المحلل السياسي أن الأمور الكبرى التي تتعلق بالأمن القومي في البلاد يجب أن توكل إلى الشعب عن طريق تصويت البرلمان عليها، لأنه ليس من مهام الحكومة الانتقالية اتخاذ خطوات كبيرة، على سبيل المثال بعض الحركات المسلحة تطالب بعلمانية الدولة، لكن هذا الأمر ليس من مهمة تلك الحكومة ولكنها تتم في مؤتمر دستوري".
وحول تشكيلة المجلس التشريعي الذي نصت عليه الوثيقة الدستورية قال النور، إن: المجلس التشريعي القادم سيكون بالتعيين من القوى السياسية المختلفة، وربما يكون من شأنه المصادقة على ما أقدمت عليه الحكومة بشأن التطبيع، ونظرا لتركيبة المجلس المتوقعة، فلا أعتقد أنه سيكون هناك خلاف حول تلك الخطوة.
انحراف عن المسار
من جانبه، قال القيادي في جبهة المقاومة السودانية محمد صالح رزق الله، إن: "المتابع للأوضاع السياسية في البلاد يرى أن الثورة قد انحرفت عن طريقها وأهدافها، وأصبحت الأشياء تنفذ وفق برنامج الهبوط الناعم، كما نسميها عن طريق التأقلم مع رؤوس النظام السابق، الثورة سرقت تماما، وكان يجب أن تحقق الأولويات قبل أن تتحدث عن التطبيع مع إسرائيل أو غيرها من الملفات، لا يزال الشعب يبحث عن الجهة التي سوف يسير إليها".
وأضاف في اتصال هاتفي مع "سبوتنيك"، أن:"كل الشعارات ومطالب الثورة لم يتحقق منها أي شيء، وأصبحنا نشغل الشارع السوداني بقضايا هامشية غير حقيقية مثل، التطبيع مع إسرائيل أو رفع اسم السودان قائمة الإرهاب، في الوقت الذي لم نتحرك نحو القضايا الأساسية مثل توفير مستلزمات الحياة أو التحقيق فيمن ضحوا من أجل الوطن، كما أن هناك مجرمين مطلوبين للعدالة الدولية وما زالوا موجودين في الخرطوم".
الهبوط الناعم
وأضاف رزق الله: "كما جرى توقيع اتفاق محاصصة مع من يسمون أنفسهم حركات مسلحة في دارفور، وما هى إلا صفقات للحصول على المناصب وتوازن القوى بين العسكر وبين الفئة الجديدة بما يسمى الهبوط الناعم، وهو نظام موضوع منذ العام 2013 من قبل الدول الأوروبية وأميركا، يهدف إلى إرجاع السودان إلى أحضان المجتمع الغربي دون إثارة فوضى أو الضغط على الرأسمالية العالمية".
وأوضح أن: "أهداف الثورة لن تتحقق أبدا في ظل الظروف الحالية، لذا نعمل على جمع الصفوف للقيام بانتفاضة جديدة انتصارا لأهداف ومبادئ الثورة، حيث أن البرنامج الأوروبي الأميركي في السودان وإفريقيا بوجه عام لا يرتبط بالأشخاص، إنما بمؤسسات تلك الدولة، وعندما وضع برنامج الهبوط الناعم أشرف عليه الأوربيون والأميركان، وما يجري على الساحة هو إلهاء الناس حتى يتم القضاء نهائيا على الثورة، وبعدها يتم الاحتفال بالأمر الواقع، النظام السابق لا يزال موجودا ويسيطر على كل مفاصل الدولة، ما عدا الصف الأول".
ميثاق المقاومة
ويوم السبت الماضي، وقع 28 حزبا وتكتل ومنظمة سودانية، على ميثاق ما يسمى بـ"القوى الشعبية لمقاومة التطبيع" مع إسرائيل.
وجاء من أبرز الأحزاب الموقعة، حزب "المؤتمر الشعبي"، وحركة "الإصلاح الآن"، وحزب "منبر السلام العادل"، وتجمع "الشباب المستقلين"، جاء ذلك خلال مؤتمر صحفي في العاصمة الخرطوم.
كما تضمنت قائمة الموقعين على الميثاق "الاتحاد السوداني للعلماء والأئمة والدعاة"، و"جماعة الإخوان المسلمين"، وتجمع "أكاديمون ضد التطبيع"، ورابطة "إعلاميون ضد التطبيع".
وقال دفع الله تاج السر، ممثلاً عن "القوى الشعبية لمقاومة التطبيع"، خلال المؤتمر، إنه:"لا مصالح لنا في التطبيع مع الكيان الصهيوني المحتل الذي جاء لسرقة مواردنا".
ودعا تاج السر، كل القوى السياسية والتكتلات في البلاد إلى التوقيع على ميثاق رفض التطبيع.
وفي سياق متصل، أُعلِن عن إطلاق حملة شعبية لجمع مليون توقيع رفضاً للتطبيع بين السودان وإسرائيل.
من جانبه، قال القيادي في حزب "المؤتمر الشعبي"، طارق بابكر، خلال المؤتمر ذاته، إن "القضية (التطبيع) لها أبعاد سياسية واقتصادية واجتماعية، والحكومة تصورها أنها قضية قمح ووقود تأخذ منه القليل مقابل بيع القيم السودانية".
وأضاف بابكر، ممثلا عن الأحزاب السياسية المشاركة في "القوى الشعبية لمقاومة التطبيع": "دعوتنا لكل القوى السياسية الحرة في السودان أن ترفض التطبيع، لأنه سينصب علينا ديكتاتوراً لا يعترف بالحرية والديمقراطية".
وتابع: "نحن نقف مع فلسطين بكامل أراضيها وعاصمتها مدينة القدس ولا نعترف بتقسيمها شرقية وغربية".
ونص ميثاق تدشين "القوى الشعبية لمناهضة التطبيع" على أن "القضية الفلسطينية قضية عادلة لشعب احتلت أرضه وانتهكت مقدساته، وأن حقوق الشعب الفلسطيني ظلت محل إجماع الشعوب الحرة والشرائع الإنسانية كافة".
وأشار الميثاق، إلى أن "التطبيع مع إسرائيل يحقق نصرا معنويا وسياسيا لدولة محتلة ظالمة وخذلانا قاسيا لشعب مظلوم".
ووصف التطبيع بأنه "محض صفقة مذلة معزولة تمت في الظلام وجرى استدراج السودان لها رغم أنفه".
وفي 23 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أعلنت وزارة الخارجية السودانية الموافقة على تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وفق وكالة الأنباء السودانية الرسمية "سونا".
وفي اليوم ذاته، أبلغ الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الكونغرس، نيته رفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، والذي أدرج فيها عام 1993، لاستضافته آنذاك زعيم تنظيم القاعدة الإرهابي المحظور في روسيا، أسامة بن لادن.
وبذلك، أصبح السودان البلد العربي الخامس الذي يوافق على تطبيع علاقاته مع إسرائيل، بعد مصر (1979)، والأردن (1994)، والإمارات والبحرين (2020).
وعقب إعلان التطبيع، أعلنت قوى سياسية سودانية عدة، رفضها القاطع للتطبيع مع إسرائيل، من بينها أحزاب مشاركة في الائتلاف الحاكم.
وبدأت بالسودان في 21 أغسطس/آب 2019، مرحلة انتقالية تستمر 39 شهراً تنتهي بإجراء انتخابات أواخر 2022، ويتقاسم السلطة حالياً الجيش وائتلاف قوى إعلان الحرية والتغيير، قائد الاحتجاجات الشعبية.
قد يهمك أيضا:
ترامب يقيل وزير الدفاع مارك إسبر
نصف التبرعات لإعادة فرز الأصوات ستذهب لسداد ديون حملة ترامب
أرسل تعليقك