يُقدر عدد الخلايا المتطرفة في تونس، بأكثر من 180 خلية منتشرة في أنحاء البلاد، وتضمّ كل خلية ما بين 3 و7 أشخاص، وتكوّنت بعد أن استقطبت شبابًا ينحدر من فئات اجتماعية هشة. ويبدو أن للمتشددين قدرة رهيبة على التغرير بالشباب، وغسل أدمغته، لتجعل منه حزاما ناسفًا قابلا للانفجار في أي لحظة.
وتقول السلطات الأمنية أنها منعت خلال عام 2015 أكثر من 15000 شاب وفتاة، من السفر إلى سوريا والالتحاق بـ"داعش"، بعضهم تمّ اعتقاله وبعضه تحت المراقبة، وهو ما يعكس استعداد الشباب التونسيين، لأن يكونوا متطرفين.
كما فككت الأجهزة الأمنية قرابة 70 خلية متشددة، كانت تنشط في الأحياء الشعبية والجهات الداخلية وتتكون من شباب وفتيات.
هذا وتتصدر تونس اليوم، قائمة البلدان المصدرة للمتطرفين حيث يبلغ عدد التونسيين المقاتلين في صفوف "داعش"، ما بين 6 و7 آلاف شخص، يتولى العشرات منهم مراكز قيادية.
وتعود علاقة الشباب التونسي بالتنظيمات المتطرفة إلى أواخر السبعينات وأوائل الثمانينات من القرن الماضي، حين سافر بعض العشرات إلى أفغانستان للقتال إلى جانب تنظيم "القاعدة"، ضد قوات الإتحاد السوفياتي آنذاك، وتزامن تلك الفترة مع بداية ظهور ما يعرف بـ"الصحوة الإسلامية".
غير أن هجرة الشباب التونسي من مجتمع متسامح ينبذ العنف ويحتكم إلى قيم الاعتدال التي يقوم عليها مذهب الإمام مالك بن أنس، إلى التنظيمات المتشددة، شهدت تحولا نوعيًا منذ خمس سنوات، لتتحول إلى أخطر الظواهر التي تفتك بالآلاف وتهدد استقرار المجتمع.
وقد ساعدت الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الهشة الجماعات المتطرفة، كثيرا على عمليات غسل الأدمغة وتجنيد الشباب في مجموعات، تتولى تسفيره إلى تركيا ومنها إلى سورية والعراق، للقتال في صفوف "جبهة النصرة" و"داعش".
وفي ظل أزمة خانقة تعصف بالبلاد، وألقت بتداعياتها على المجتمع لتقوض الحياة وتنشر البؤس واليأس، وجد الآلاف من الشباب في اللافتات التي ترفعها الجماعات المتشددة، ملجأ لتحقيق الذات، وبخاصة أنها تتخذ من الأحياء الشعبية والجهات المحرومة، أعشاشًا للتفريخ.
وكان قد أفادنا رئيس المرصد التونسي للشباب محمد الجويلي في هذا الخصوص، أن الشباب اليوم، يبحث عن ذاته المعنوية والإعتبارية ويبحث عن قوة الإعتراف التي لا يجدها في المؤسسات الاجتماعية. فهو يعاني من انسداد الآفاق وبالتالي يبحث عما يعوضه واقعه. وكان في السابق يختار الهجرة السرية أو المخدرات، فانضافت الى هذه الشبكات شبكة التطرف، التي وجد فيها الأموال والوعود بالجنة والجنس والتضامن وغيرها.
وقال الجويلي إن هذه التنظيمات وفّرت له الأمان والإحساس بالقيمة. وقدمت له إجابات لقضايا وتساؤلات وإنشغالات طالما طرحها، مؤكدًا أنه على عكس ما يروّج له، فإن أغلب المنتمين الى التيارات المتشددة هم من مستويات تعليمية متدنيّة، ويعانون من أوضاع اجتماعية متواضعة جدا. ولكن هذا لا يمنع وجود بعض الشبان ذات مستويات تعليمية عالية، ومن مستوى اجتماعي مرتفع.
وفيما يتعلق بالحلول، قال رئيس مرصد الشباب إنه من الضروري أن نتناول الاجابات التي توفرها تلك التنظيمات والشبكات ونقدم إجابات أكثر منها تنوعا وجودة. كما يجب أن نهتم بشبابنا ونمنحه إجابات باعتبار أنه كلما قدمنا له إجابات عن أسئلته وانشغالاته كلما منعنا التحاقه بالشبكات المتطرفة.
وقال إنه علينا أن نعترف بمكانة الشباب وأن نهتم بالخدمات الاساسية المقدمة له، وبخاصة في الأحياء الشعبية باعتبارها المحيط الذي يعيش فيه هؤلاء. وعلينا أن نصنع الأمل وأن نحسن التعليم ونعتني بالتشغيل وبمرافق الشباب وغيرها. كما علينا أن نعترف بقيمة شبابنا وبخاصة وأن عددًا كبيرًا منهم يشعر بالإهمال ويشعر أن الدولة غير مهتمة به.
هذا وتطالب الأحزاب السياسية والخبراء بضرورة وضع خطة إستراتيجية أمنية وعسكرية، ولكن أيضا اجتماعية وثقافية ودينية لمكافحة التطرف مكافحة شاملة، وتحصين الشباب ضد عمليات غسل الدماغ، التي تقوم بها الجماعات المتشددة، والزج به في أتون شبكات إرهاب دولية مستغلة حالة الإحباط، التي فتكت به جراء غياب أي حلول عملية لمشاكله.
ولا يخفي الأخصـائيـون الاجتماعيون والنفسيون أن الشباب التونسي يبقى مرشحا لمزيد من الهشاشة والإحباط واليأس، الأمر الذي يجعله أكثر قابلية للظواهر الخطيرة، وفي مقدمتها ركوب قوارب الموت والالتحاق بالجماعات المتطرفة، ما لم تبادر السلطات بتوفير العمل وتحسين مستوى المعيشة، وأيضا ما لم تبادر الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني إلى تأطيره وفق خطط وبرامج تزرع فيه ثقافة مدنية متينة، تحصن شخصيته وتفتح أمامه آفاقا جديدة وحقيقية لإثبات ذاته في المجتمع.
أرسل تعليقك