نجحت خلية الصقور الاستخبارية، في كشف واحدة من "أكبر خلايا" "داعش" خارج العراق، واعتقال أحد عناصرها، واستثمرت هذا النجاح لضبط باقي أعضاء الخلية في جورجيا وتركيا، بعملية استخبارية دولية أقرب ما تكون إلى قصص "الخيال البوليسية"، من خلال تخطيط دقيق وتنسيق مع الأمن الجورجي، وعناصر عراقية وعربية في أسطنبول، قبل أن توقع بـ"رأس الأفعى" بعد استدراجه إلى محافظة أربيل.
ونشرت وكالة إعلامية اعترافات المتهم حميد ناصر، بالانتماء لتنظيم (داعش) ضمن "خلية تبليسي" التي كانت مهمتها خلق فوضى في أوربا الشرقية وتفاصيلها في (الـ12 من تشرين الثاني 2016)، أطاحت بفضل جهود استخبارية عراقية عالية الدقة في أضلاع مجموعة العرب والأجانب وفككتها بالكامل، بانتظار ما تثمره التحقيقات مع أفرادها من عمليات استخبارية أخرى، تسهم بتعزيز الأمن في البلاد.
وبدأت الملاحقة بمفاتحة الجهات الرسمية ذات العلاقة في وزارة الخارجية، للتنسيق مع السفارة العراقية في جورجيا، ثم تحصيل موافقة قضائية لخطوات العمل التي كانت تسير وفق خطة تقضي بالحفاظ على ثقة المجموعة بالمعتقل حميد ناصر من خلال "خطوة جريئة" تتمثل بإعادته إلى جورجيا تحت إشراف فريق من خلية الصقور بعد تنسيق السفارة العراقية مع الأجهزة الأمنية الجورجية للإيقاع بالعقل المدبر للمجموعة في جورجيا "كارتلوس"، بحسب ما يكشفه مصدر استخباري مطلع.
وأفاد المصدر بأن "التغاضي عن فكرة اعتقال المجموعة الإرهابية الدولية لم يكن ممكنًا على الرغم من صعوبة التنفيذ حيث لم يكن أمام الخلية إلا أخذ المتهم، حميد ناصر، من جديد إلى جورجيا لأن غيابه يمكن أن يُعّرض المهمة كلها للفشل، فتمت تهيئة الوضع المثالي بموجب خطة محكمة واختصارها على مرافقته من قبل فريق يضم أربعة من أمهر ضباط الاستخبارات في خلية الصقور للمتهم، وبالتنسيق مع السفارة العراقية والأمن الجورجي".
واستهل ضباط جهاز الاستخبارات، فصول عملية الاعتقال الدولية بإعادة المتهم إلى محل سكنه في جورجيا واعادة دفع اجور السكن والخدمات كما كان يفعل عند العودة من الاجازة الاعتيادية، حيث كانت الخطة تعتمد على مبادرة العقل المدبر للمجموعة في جورجيا "كارتلوس" للتواصل مع المعتقل ناصر، وهو ما تم فعلاً حيث دفعه الفضول لمعرفة ما دار في لقاء ناصر مع "أبو عبد الله" الذي يعد "رأس أفعى المجموعة" في تركيا، إلى السؤال عن المعتقل والمبادرة إلى محل سكنه بعد يومين فقط من وصول الأخير.
وأكّد المصدر، أن "كارتلوس استهل لقاءه بناصر بالعتاب عن عدم الاتصال به خلال المدة التي تلت مغادرته لجورجيا، فكان عذر الأخير وعكة صحية"، مبيناً أن "كارتلوس تابع حديثه عن اللقاء بـ(أبي عبد الله) في تركيا، ورأيه بما طرحه عليه بشأن استطلاع ابخازيا بطريقة أكثر دقة وجدية، في حديث دام لنحو نصف ساعة ووثق من قبل فريق الصقور صوتاً وصورة، وأثمر عن اتفاق على اجتماع في اليوم التالي يضم العضوين الآخرين في المجموعة".
وتم الاجتماع الأخير للمجموعة فعلًا في اليوم التالي بحضور المتهم وكارتلوس ونايف العراقي، وعبد القادر الاذربيجاني، في مترو "تكنكل يونفيرستي" تحت أنظار رجال الاستخبارات العراقية والأمن الجورجي، ووثق أيضاً، حيث شهد الاتفاق على الذهاب إلى ابخازيا بعد اسبوع تحديداً، لينتهي الاجتماع بشكل مختلف هذه المرة حيث تفرق المجتمعون قبل أن يلتقوا سريعاً مجدداً لكن تحت قبضة خلية الصقور والأمن الجورجي، ليسلم نايف العراقي لخلية الصقور الاستخبارية، فيما بقي المعتقلين الآخرين بحوزة الأمن الجورجي.
وتكلل عمل الفريق في جورجيا بالنجاح بتلك العملية "النظيفة" حيث سحب المعتقلان العراقيان بهدوء عبر المطارات وأعيدا إلى بغداد، بعد الاتفاق مع الأمن الجورجي على انتظار أي اتصال من "أبي عبد الله" بكارتلوس وإبلاغ الاستخبارات العراقية بالتطورات، لكن أي اتصال من "رأس الافعى" لم يرد أبدًا خلال الشهرين اللاحقين.
دعت القيادات الاستخبارية العراقية في خلية الصقور إلى عقد اجتماع لاتخاذ موقف منه، خاصة وأن اعادة سيناريو جورجيا لم يكن ممكنًا لاحتمالية معرفة الهدف بما جرى هناك، اضافة إلى عدم تعاون السلطات التركية بالمرة في مثل تلك حالات. وأوضح المصدر، أن "القرار صدر بوضع خطة بديلة للإطاحة (ابي عبد الله)، وكانت الخطوة الأولى تحديد مكان الهدف في منطقة اقصراي، من خلال نشر أوصافه على بعض المصادر العربية الموثوقة في اسطنبول لمتابعته، حيث تلقت الخلية رسالة من أحد مصادرها العربية الخليجية تفيد بالتعرف على الهدف، مع طلب اذن للشروع بالمراقبة"، مشيراً إلى أن "المصدر تلقى الضوء الاخضر للعمل لما يحظى به من ثقة عالية اكتسبها خلال مدة عمله مع الخلية والتي تجاوزت العشر سنوات".
وتلقت خلية الصقور خلال الأسبوعين اللاحقين تفاصيل الهدف وتحركاته ومحل سكنه، لكن تلك المعلومات لم تكن كافية لإعداد خطة محكمة للاطاحة به، ليصدر القرار بإرسال "أمهر صقور المراقبة" إلى اسطنبول ليرافقوا المصدر في متابعة الهدف، حيث عاد الضابط بعد اقل من عشرة أيام وبجعبته تفاصيل وافية، أشارت إلى ما يتمتع به الهدف من حيطة وحذر أمنيين في جميع التحركات والتعاملات، وكشفت زيف ادعاءاته بامتلاكه منزل كبير غربي بغداد يتقاضى بدل ايجاره وراتباً تقاعدياً لقاء خدمته في وزارة الزراعة، حيث أكدت المتابعة والتدقيق أن هذا الشخص لم يكن موظفًا في وزارة الزراعة ولا يملك دارًا في بغداد كلها.
ودعت خلية الصقور إلى تشكيل فريق عمل "عالي المستوى" من ضباط وخبراء، وحددت ساعة الصفر وبدأت العملية بتحرك فريق العمل إلى اسطنبول بـ"سرية تامة" لاختراق الهدف، حيث تم استئجار شقتين إحداهما قريبة من سكناه والأخرى بمكان آخر للتمويه، كما يشير المصدر.
وكشف المصدر، أن "فريق العمل لم ينجح باختراق الهدف خلال محاولتين ما دفعه إلى تغيير الخطة بمساعدة المصدر الخليجي الذي يتقن اللغة التركية، مستعيناً بامرأة عراقية كبيرة في السن تطوعت للعمل مع الفريق بعد مفاتحتها دون تفاصيل دقيقة، لما تطلبته الخطة بوجود امرأة كبيرة السن".
وتلخصت الخطة بافتعال مشادة كلامية قرب الهدف بين سائق أجرة تركي ومستأجر عراقي ترافقه أم كبيرة السن، كان أبطالها المصدر الخليجي وأحد الضباط الأبطال في الاستخبارات العراقية والمرأة المتطوعة، لتبدأ فصولها حال الاقتراب من الهدف في إحدى الساحات العامة، بصراخ واتهامات صدرت من الشاب إلى الحكومة العراقية قائلاً : العتب كل العتب على الحكومة العراقية الي متيهتنا ومخليتنا نروح لتركيا وغير تركيا حتى نتعالج. وكانت تلك الكلمات كافية لإثارة حفيظة الهدف ودافعة به إلى التدخل بالقول: شنو الموضوع أغاتي اني عراقي خير شبيك وي أبو التكسي، ليجيبه رجل الاستخبارات بصوت مرتفع وأعصاب منهكة: هذا السائق يريد يغلبني ويأخذ أكثر من حقه، قبل أن يبادر الهدف بدفع أجرة السيارة بهدوء طالبًا من سائقها تقبل العذر كون المستأجر غريباً ومتوتراً.
وبقي الهدف مع رجل الخلية والسيدة وفاتحه بالسؤال مجددًا : خير اخويا شنو محتاج، ليبادره الضابط بالرد: والله اريد أسوي فحوصات لأمي ودخت من الصبح إلى حد الآن أريد أوصل لمستشفى لأمراض القلب تكون اسعارها معقولة وخدماتها جيدة، فما كان من الهدف الا أن تعهد باصطحابه إلى أحد المستشفيات المناسبة والتكفل بمصاريف اجراء الفحوصات الطبية، وهو ما حدث بالفعل بعد أن رافقهما إلى مستشفى "ميديبول ميجا" المتخصصة بالأمراض المزمنة وأمن لهم حجزاً لدى طبيب أخصائي يدعى "ارسلان اكچفين" ودفع أجرة الفحص.
وأشار المصدر، إلى أن "الهدف كان مهتمًا بالشاب ووالدته حيث نصحهما بتغيير محل سكنهما لارتفاع كلفته المالية بعد أن علم بسكنهما في فندق (سفير اسطنبول) في منطقة (آيا صوفيا)، إلى مكان انسب مالياً"، مؤكداً أن "ذلك هو ما جرى فعلاً بعد موافقة الضابط". ويوضح المصدر، أن "الهدف طلب من الشاب ووالدته الانتظار في المستشفى ريثما يؤمن لهما حجزا في فندق آخر، حيث خرج متبوعاً بفريق الاستخبارات العراقي إلى أن وصل إلى فندق (اوسمانهان هوتل) قرب منطقة آيا صوفيا، ودخل لتثبيت الحجز ثم رجع إلى المستشفى والتقى برجل الاستخبارات وأخبره بتأمين الحجز وطلب منه الغاء حجزه السابق والسكن في المحل الجديد".
وغادر "أبو عبد الله" المستشفى بعد أن فشل في الحصول على رقم الشاب العراقي الذي تعذر بعدم امتلاك خط هاتف تركي، لكنه لم يغادر أنظار "الصقور" العراقية التي تابعته حتى محل سكنه في اقصراي، ليتابع الفريق المكون من رجل الاستخبارات والسيدة الكبيرة الفحوصات ويتوجها لإلغاء الحجز السابق والسكن في المحل الجديد.
وبيّن المصدر، أن "الهدف كان دائم الحيطة والحذر حيث عاد إلى المستشفى المذكور بعد نحو أربع ساعات وتأكد من أن الشاب ووالدته قد اجريا الفحوصات فعلاً، حيث أكدت ادارة المستشفى اجراء تلك الفحوصات وتحديد موعد آخر لهما بعد يومين"، موضحًا أن "الهدف عاد إلى منزله بعد ذلك قبل أن يغادره مساء مرة أخرى متوجهاً هذه المرة إلى فندق (اوسمانهان هوتل)، والتقى بالشاب بعد أن توصل اليه عن طريق ادارة الفندق، وتبادلا أطراف الحديث بشأن الوضع في العراق، حيث بدأت مهمة رجل الاستخبارات الذي استعار اسم (أحمد)".
وبادر "أبو عبد الله" "أحمد" بسؤال عن منطقة سكناه فكانت الاجابة تناسب ما كان يطمح اليه الهدف، حيث بيّن له بـأنه يسكن حي الجامعة، غربي بغداد، وأنه أحد خريجي كلية العلوم السياسية وعاطل عن العمل منذ اربع سنوات، لتتوإلى بعد ذلك اسئلة الهدف عن طريقة تدبير المعيشة وعدد افراد الاسرة، ليتلقى اجابات زادت من ثقته بالشاب وأسرته، حيث بيّن "أحمد"، أن "اسرته تتكون من أم وأخت متزوجة من ضابط سابق ويسكنون داراً يمتلكونها ويعتاشون من راتب تقاعدي للأم، بعد وفاة الأب منذ زمن بعيد". واستمر فريق الاستخبارات العراقي بمراقبة "ابي عبد الله" بعد انتهاء اللقاه حيث اكتشف أن الأخير كان قد عيّن أحد عناصره لمراقبة الشاب "أحمد"، الذي قام بجولة في الأسواق لمدة خمس ساعات قبل أن يعود إلى الفندق في ساعة متأخرة من الليل.
ويروي المصدر، أن "(ابا عبد الله) كان قد ذهب إلى الفندق الذي يسكنه (أحمد) في اليوم الثالث وانتظره صباحاً ورافقه إلى المستشفى، لتسلم نتائج الفحوصات، حيث حددت ادارة المستشفى موعداً لـ(أحمد ووالدته) بعد شهرين"، مشيراً إلى أن "الهدف استمر بالاحسان إلى (أحمد) وبادر بدفع أجرة سيارة الاجرة ورافقه إلى مكتب الخطوط الجوية التركية لحجز موعد للعودة إلى بغداد، حيث حدد المكتب موعداً بعد يومين".
وكانت فصول عمل "أحمد ووالدته" في أسطنبول على وشك أن تنتهي بعد أن حققت نجاحًا باهرًا، حيث بادر "أبو عبد الله" إلى الكشف عن رقم هاتفه طالبًا من أحمد التواصل بعد العودة إلى بغداد، في حين أن عمل بقية أفراد الفريق الاستخباراتي العراقي في أسطنبول كان متواصلًا بمراقبة ومتابعة دقيقتين للهدف أين ما حل وارتحل.
ولم يتأخر اتصال "أحمد" بالهدف سوى أسبوع واحد بعد العودة إلى بغداد حيث بادر بمواصلته عبر تطبيق الـ"فايبر" بالشكر على مواقفه في اسطنبول، لتبدأ بينهما محادثات ترحيبية يومية تطورت إلى أدعية دينية وصور لأحاديث نبوية، قبل أن يطلب "ابو عبد الله" تغير وسيلة الاتصال إلى "تويتر" بحجة اغلاق الـ"فايبر" في بعض الاحيان.
ويقول المصدر، إن "الحوارات الدينية بين الجانبين اصبحت أكثر عمقاً حيث كان (أحمد) على اطلاع بالمسائل الشرعية وتحت إشراف خلية الصقور"، لافتاً إلى أن "(ابا عبد الله) سأل ذات مرة عن رأي (أحمد) حول الشيعة، فكان رد الأخير حازماً ومقنعاً، وساهم بعد شهرين من تبادل الأحاديث بإقناع الهدف بتطرف (أحمد) الديني". ومع اقتراب موعد العودة إلى اسطنبول لإجراء الفحوصات الطبية كلف "أحمد" الهدف بتأمين حجز فندقي في ذات المكان السابق ثم توجه برفقة السيدة إلى هناك مباشرةً قبل الموعد بيوم واحد، لكن "ابا عبد الله" أو أحداً من عناصره لم يظهروا على مدار الايام الثلاثة اللاحقة، مما دفع إلى خطة بديلة من خلال التجوال "أحمد ووالدته" في مجمعات اسطنبول التجارية، حيث أتت تلك الخطة ثمارها سريعاً بعد أن ظهر الهدف فجأة خلال تناولهما الطعام في أحد تلك المجمعات.
وألمح المصدر، إلى أن "(أبا عبد الله) سأل عن موعد عودة (أحمد) إلى بغداد والذي كان مقرراً أن يتم بعد يومين، وطلب تأجيله ليومين آخرين وترتيب موعد للقاء خلال تلك المدة"، مبيناً أن "اللقاء تم قرب الفندق بعد ثلاثة أيام حيث تجول الاثنان في شارع الاستقلال وبدأ الهدف بتجاذب أطراف الحديث بسؤال عن سبب عدم زواج (أحمد) حتى الآن، حيث تعذر الأخير بالعوز المادي". ولم تستمر أحاديث "ابي عبد الله" الجانبية طويلاً بعد أن نجح "أحمد" بذكاء استخباري بإقناعه بالانتماء لعدد من الفصائل الارهابية خلال اعوام 2005، 2006، 2007 ثم تركها بعد وفاة والده، ما دفع الهدف إلى مفاتحته بالانتماء إلى تنظيم (داعش) في سبيل تغيير وضعه المادي وقدم له مبلغ 500 دولار كوسيلة اقناع، وأكد له أن التنظيم يمتلك خططاً بديلة في حال خرجت الأمور عن السيطرة في نينوى والأنبار.
وأضاف المصدر، أن "(ابا عبد الله) استخدم اسلوب الترغيب بالأموال تارة وبالدين اخرى لإقناع (أحمد) الذي أوهم الهدف بتردده بالانتماء للتنظيم، حتى ابدى له الموافقة أخيراً"، موضحاً أن "اللقاء انتهى عند هذا الحد بعد الاتفاق على التواصل مجدداً بعد العودة إلى بغداد عبر موقع التواصل الاجتماعي (تويتر) وعبر حسابات جديدة".
وتصاعدت وتيرة عمل "أحمد" بعد عودته إلى بغداد حيث كلفه الهدف ابتداءً برصد نقاط تفتيش داخلية وخارجية وتصويرها، فتم ذلك بالتنسيق مع الجهات المختصة من خلال نصب نقاط أمنية فرعية في أماكن متفرقة وتصويرها بشكل غير دقيق من أماكن بعيدة، وارسلت تلك المقاطع إلى الهدف ليطمئن أكثر.
وذكر المصدر، أن "(أبا عبد الله) كان فرحاً بتلك المقاطع وطلب من (أحمد) رصد ثكنات عسكرية، لكن الاخير تعذر عن ذلك متذرعاً بضعف امكاناته عن مثل تلك العمليات"، مؤكداً أن "الهدف طلب من (أحمد) تغيير اسلوب العمل من خلال كسب أعضاء جُدد بشكل خيطي، على أن تكون طريقة الاختيار دقيقة جداً، وحمّلهُ مسؤولية الاختيار".
وافق "أحمد" على العمل الجديد، وابلغ الهدف بالعثور على ضالته بعد ثلاثة اسابيع وأرسل له التفاصيل كاملة بطلب من الأخير بعد أن اختار فريق العمل اسماً معروفاً لدى (داعش) كان قد اعتقل سابقاً مع ضمان عدم علم التنظيم باعتقاله، فحاز على ثقة الهدف بعد نحو اسبوعين وطلب صورة له فتم له ما أراد من خلال صورة "سيلفي" جمعت "أحمد" بالمعتقل بعد تغيير ملابسه. وتصاعدت حماسة "أبي عبد الله" وطلب من خليته "الخيطية" تنفيذ عمليات مراقبة لمنتسبين لأجهزة الأمن تمهيداً لاغتيالهم، ليتلقى ردود أفعال خائفة وحذرة، خطط لها مسبقاً لمراعاة جانب الحيطة والذكاء الذي يتمتع به الهدف، الذي مارس ضغوطه على "أحمد" لإقناعه بالفكرة.
وقال المصدر، أن "(أحمد) وافق على الفكرة لكنه وضع شروطاً أولها توفير عجلة للتنقل وتأمين سلاح وهويات مزورة، وهو ما يحتاج إلى أموال لا يمتلكها، فتعهد الهدف بتوفير تلك الأموال"، مشيراً إلى أن "(أحمد) تلقى بعد ثلاثة أيام رسالة من (أبي عبد الله) عبر تويتر تؤكد تحويل مبلغ 16 الف دولار عبر أحد مكاتب الصيرفة، مشترطاً أن يرسل له صورة عقد للسيارة التي سيتم شراؤها وقطعة السلاح والهويات المزورة".
وتابع، أن "الفريق الاستخباري استعان بإحدى السيارات الحكومية ذات لوحات تسجيل مدنية ومسدس (كلوك) وهوية مزورة لمنتسب بشرطة الطاقة، وارسل تلك الصور إلى الهدف، الذي سأل عن مصدر التزوير حيث زوّد باسم مزور يعمل لصالح تنظيم (داعش) اعتقل سابقاً وقتلت مجموعته في الانبار"، مؤكداً أن "الهدف كشف عن ارتباطه بمجاميع اخرى حينما أبلغ (أحمد) أن مصدر التزوير قد قتل سابقاً في الانبار، فأقنعه الاخير بوجود المصدر على قيد الحياة وطمأنه بامكانية أن يتواصل معه شخصياً ما حدا بالهدف إلى غض النظر عن الموضوع مباشرة". بعد أن قدم الهدف المبلغ المالي اللازم لخليته الجديدة داخل العاصمة طالبهم بعملية اغتيال سريعة ومصورة، فتم الترتيب لعملية اغتيال "وهمية" هدفها أحد منتسبي شرطة حماية المنشآت يسكن منطقة الزعفرانية ويسلك طريق السعدون ثم المسرح الوطني ثم ساحة عقبة ثم طريق معسكر الرشيد الذي اختير مكاناً للتنفيذ، بعد أن أرسلت تفاصيل العملية إلى "أبي عبد الله".
و أردف، أن "فريقًا من الخبراء قد أعد للعملية باحترافية عالية وباستخدام الاطلاقات الصوتية وتم تصوير عملية الاستطلاع ثم عملية التنفيذ في المكان المحدد، ثم ارسل المقطع المصور إلى الهدف"، مبيناً أن "الهدف طالب بتصوير مكان عمل المنتسب بعد أن يعلن مقتله فتم تصوير لافتة النعي التي تم ترتيبها مسبقاً في مكان عمل المنتسب وقرب منزله". تلك العملية لم تكن الوحيدة حيث نفذت خلية "أحمد" الوهمية عمليتين اضافيتين بذات الاسلوب إحداهما في جانب الكرخ، بطلب من "أبي عبد الله"، الذي اطمأن بعد تلك العمليات لإخلاص "أحمد" وخليته، ليفاتحه بتهيئة مضافة لتنفيذ عمليات "نوعية" وأرسل مبلغ عشرة آلاف دولار، حيث بادر الفريق إلى استئجار منزل صغير في منطقة الدورة، قبل أن يطلب الهدف بعدها بأسابيع قليلة شراء أسلحة متوسطة مشترطاً أن تكون جديدة.
ولفت المصدر، إلى أن "(أحمد) رفض ذلك الا أن (أبا عبد الله) هدده باستعمال التصوير ضده فيما لو لم ينفذ، فطلب الأول فرصة للتفكير والترتيب، قبل أن يرسل الأخير بعد يومين تحديداً رسالة اعتذر عن سوء حديثه، حيث جرى الاتفاق بعد ذلك على فتح مضافات في جانبي الكرخ والرصافة وتجهيزها بالسلاح، فيما لم يبد (أحمد) اعتراضاً على المبدأ ولكنه أبدى مخاوف من العملية". "أبو عبد الله" طمأن تلك المخاوف قائلاً : لا تخاف الجماعة ملتهين بالموصل، دون أن يعلم أنه سيشهد لحظة هزيمة تنظيمه المجرم في الموصل وهو بقبضة أجهزة الأمن العراقي، ليجري الاتفاق على لقاء جديد في اسطنبول، رتبت له خلية الصقور شهد اتفاقاً على تهيئة خمس مضافات في بغداد وشراء أسلحة وملابس عسكرية وترتيب هويات مزورة.
ويقول المصدر، أن "لقاءً ثانيًا جمع (أحمد) بالهدف في أحد المطاعم خلال تلك السفرة، حيث قدم الهدف مبلغ 30 الف دولار كدفعة أولى لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه سابقاً، متعهداً بتوفير مبلغ مماثل حال رجوع (أحمد) إلى بغداد"، مشيراً إلى أن "أحمد رفض تلك الفكرة مؤكداً أن ذلك سيعرضه للخطر ولم يستجب للضغوطات التي مارسها الهدف بحسب مارسمه الفريق من خطة لاستدراج الأخير". ورفض "أحمد" تبعه صمت طويل بعد أن غادر الاثنان صالة المطعم وتجولا في أحد شوارع المدينة التركية، قبل أن يقطعه "أبو عبد الله" بطرح فكرة انتظرها الفريق طويلاً لتتويج جهودهم المضنية. و"راح أجازف ولازم انت هم تجازف وياي" بتلك الكلمات بدأ "أبو عبد الله" طرح فكرته على رجل الاستخبارات الشاب "أحمد"، والتي كانت تقضي بلقاء يجمعهما في اربيل ليتسلم الاخير المبالغ المالية ويعود إلى بغداد براً، راقت الفكرة لـ"أحمد" وأبدى الموافقة، قبل أن يعود أدراجه إلى بغداد بانتظار موعد أربيل المرتقب.
ويؤكد المصدر، أن "(أحمد) تلقى رسالة من الهدف بعد نحو اسبوعين من عودته إلى بغداد تؤكد تواجد الاخير في اربيل وتدعوه إلى موافاته سريعاً، دون تحديد مكان للقاء حيث أكد الهدف أنه هو من سيلتقي (أحمد) حين وصوله إلى هناك"، لافتاً إلى أن "الفريق الاستخباري تحرك سريعاً إلى اربيل وبشكل فردي بعد أن وصل (أحمد) وحجز في أحد فنادق عينكاوا". ثلاثة ايام مرت دون جديد أو اتصال، كان خلالها "أحمد" يتجول صباحاً ومساءً في مجمعات أربيل التجارية، على أمل كشف موقع الهدف تحت أنظار الفريق، لكن دون جدوى. اليوم الرابع أقبل حاملاً رسالة من الهدف أبلغت "أحمد" بموعد لقاء في أحد المجمعات التجارية المعروفة، حيث جرى بين الطرفين لقاء سريع لم يدم أكثر من "خمس دقائق" أبلغ خلاله "أحمد" بإيداع مبلغ 60 الف دولار باسمه عند أحد مكاتب الصيرفة كأمانات.
ويقول المصدر، إن "الفريق بادر فور نهاية اللقاء بمتابعة (ابي عبد الله)، حيث مثلت تلك اللحظات تجسيداً لعمل جسيم دام لأكثر من ستة أشهر أما أن تتكلل بالنجاح أو تذهب ادراج الرياح"، مؤكداً أن "العناية الالهية قادت الهدف إلى مرآب السيارات بدل المطار حيث كان يروم التوجه إلى محافظة دهوك".
ويضيف المصدر، أن "الفريق عمل بسرعة ودقة عاليتين وجهز سيارة أجرة تحمل لوحات اقليم كردستان وأوقفها خارج المرآب"، مشيراً إلى أن "أحد ضباط الخلية ممن يجيد اللغة الكردية توجه إلى الهدف وأبلغه بوجود سيارة تروم الانطلاق إلى دهوك وتحتاج مسافراً واحداً بعد أن سمعه يبحث عن سيارة أجرة فرافقه (أبو عبد الله) سريعاً دون أن تسعفه حيطته وحذره". خطوات "أبو عبد الله" السريعة باتجاه السيارة مثل اللحظات الأخيرة التي انقضت فيها صقور الاستخبارات العراقية على "رأس الأفعى"، حيث ما أن غادرت السيارة نقطة تفتيش أربيل، حتى تم تخدير الهدف، ونقله إلى مركبات حكومية تابعة لاستخبارات كركوك كانت بانتظار الفريق، ليفيق على صوت يقول: أنت موقوف بأمر قضائي عراقي وفق المادة الرابعة من قانون مكافحة الاٍرهاب.
وختم المصدر، أنّ "الفريق واجه المعتقل بالأدلة القاطعة وبالمتهم حميد ناصر، الموقوف مسبقًا حيث تعرف عليه وشهد بتكليفه باستطلاع مدينة ابخازيا بشكل دقيق لتنفيذ هجمات إرهابية فيها"، مؤكدًا أن "بقية المعلومات ما تزال طي السرية لارتباطها بإرهابيين خطرين ما يزالون قيد المتابعة والمراقبة".
أرسل تعليقك