حملت التصريحات التي أدلى بها رئيس الوزراء الجزائري عبد المجيد تبون, في أول نشاط رسمي له في البرلمان الجزائري خلال عرضه وثيقة مخطط طاقمه الحكومي سهرة الثلاثاء إلى الأربعاء، رسائل سياسية تؤكد تغول المال السياسي على السلطة في الجزائر والذي تحوّل في السنوات الأخيرة إلى رقم مهم في المعادلة السياسية، وأصبح رجال أعمال خلال فترة تولي عبد المالك سلال تسيير الجهاز التنفيذي وزراء مفوضين يستقبلون سفراء ومسؤولي الدولة الغربية ويتخذون قرارات جريئة.
وأشهر رئيس الوزراء الجزائري عبد المجيد تبون "سيف الحجاج" وأعلن "طلاقًا بائنًا" بين السلطة والمال، عندما قال إن السلطة الجزائرية ستسعى جاهدة إلى أخلقة الحياة العامة أكثر باعتماد قواعد جديدة لمحاربة استغلال النفوذ لتحقيق أطماع شخصية ومراجعة تأطير حالات التنافي في الهيئات المنتخبة, وحرص على لفت الانتباه إلى أن حكومته لن تسمح بمزج السلطة بالمال، في تلميح منه إلى رئيس منتدى رؤساء المؤسسات الجزائرية علي حداد الذي عرف بقربه من دائرة الرئاسة والمحيط المحسوب على وزير الصناعة والمناجم عبد السلام بوشوارب، وشكل رحيل عبد المالك سلال صدمة كبيرة لأصحاب المال الذين عشعشوا في المؤسسات الحكومية والهيئات الرسمية وحاولوا السيطرة على مفاصل الدولة الجزائرية, وظهر تحالف واضح للعيان بين الحكومة الجزائرية السابقة بقيادة عبد المالك سلال ورجال المال وهو ما دفع بالرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة إلى إجراء " تعديل هيكلي " أو " عملية جراحية عميقة " إن صح القول على الجهاز التنفيذي, ورفض تجديد الثقة في عبد المالك سلال, في محاولة منه لطي ملف تغول المال السياسي على السلطة الجزائرية, الذي أصبح حديث العام والخاص وأصبحت محل جدل في وسائل الإعلام الدولية والمحلية.
وأجمع متتبعون للمشهد السياسي في الجزائر على أن التصريحات التي أدلى بها رئيس الوزراء الجزائري عبد المجيد تبون, ليلية الثلاثاء إلى الأربعاء أمام 452 نائبًا في البرلمان الجزائر وفريقه الحكومة ووسائل الإعلام المحلية, حاول من خلالها طمأنة كبار رجال المال والأعمال على وضع حد لتغول رئيس منتدى رؤساء المؤسسات الجزائرية على حداد ومحاولة بسط سيطرته على جميع المشاريع الاستثمارية في البلاد, على رأسهم رجل الأعمال يسعد ربراب الذي يعتبر رمزًا من رموز النفوذ الإعلامي في الجزائر وعلى حداد, وظهر خلال واضح بين هذين الرجلين خلال فترة تولي عبد المالك سلال رئاسة الحكومة الجزائرية, وأصبحا محل جدل واسع لدى جل وسائل الإعلام باعتبارهما من أغنى وأقوى رجال الأعمال في الجزائر وأكثرهم شعبية في إفريقيا حسب تقرير نشرته مجلة " فوربيس " الأميركية, وتفوق ثورة على حداد حسب التقرير الثلاثة مليارات دولار, ويسعى في الظرف الراهن إلى توسيع ومضاعفة استثماراته, رغم الأزمة المالية الخانقة التي تمر بها البلاد جراء تهاوي أسعار النفط في الأسواق الدولية, ويقدر رقم أعماله في مجال البناء لحوالي 60 مليون يورو, بدعم من شريكه المصري رضا كونينف, ويمتلك أيضًا أسهم في شركات الإسمنت.
ورغم أن رئيس الوزراء الجزائري عبد المجيد تبون, أظهر اهتمامًا كبيرًا بظاهرة المال السياسي في خطابه أمام البرلمانيين, وقال إن طاقمه الحكومي لن يسمح إطلاقا بتزاوج المال بالسياسية، إلا أنه لم يقدم رؤية واضحة حول الأسلوب الذي ستنتهجه الحكومة الجزائرية للقضاء على الظاهرة, خاصة بعد بروز رقم مهم في البرلمان الجزائري خلال الانتخابات البرلمانية التي جرت يوم مايو / آيار الماضي, حيث نجح أكثر من 70 من كبار رجال المال والأعمال في الوصول إلى قبة البرلمان الجزائري, تحت تأثير المال السياسي الذي تم توظيفه بشكل غير مسبوق في العملة الانتخابية, وحذرت أحزاب المعارضة من تمدد المال وتسلله إلى هيئات مؤسسات الدولة الرسمية واستغلال النفوذ المالي والسياسي في السيطرة على كافة نواحي الحياة الاقتصادية عبر تعديل القوانين ذات الصلة بالأنشطة والقطاعات الاقتصادية وقوانين الموازنة.
وحذر المتتبعون للشأن السياسي والاقتصادي من تزاوج " السياسية والمال " أو ما يطلق عليها بـ " الشكارة " في الجزائر, بمعنى توظيف المال لشراء مراتب متقدمة في القوائم الانتخابي خاصة في الانتخابات النيابية.
وقال النائب عن حزب العمال اليساري رمضان تعزيبت في تصريحات سابقة لـ " العرب اليوم " من من التأثير السلبي لعالم المال على الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية, وسيلقى هذا الأمر بظلاله كثيرا على المواطن الجزائري مستقبلا, حيث ستكون الرقابة والتشريع بيد رجال الأعمال الذين سيسعون جاهدين إلى خصخصة مؤسسات الدولة الجزائرية, مستدلا بقانون الموازنة لعام 2016, الذي مهد لتحكم اللوبيات المالية على الاقتصاد الجزائري, فقانون الموازنة لعام 2016 و 2017, فرض رؤية جديدة على الجزائريين والتي تتمثل في ضرورة تأقلمهم مع النظام الاقتصادي الرأسمالي الذي تكون فيه الدولة بيد فئة قليلة من رجال الأعمال.
أرسل تعليقك