القدس - ناصر الأسعد
لم يكن كشف الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن سلّم اولويات الادارة الامريكية والتي لخّصت بصفقة بين واشنطن والرياض، لانهاء الحرب في غزة، و اتفاق حول النووي الايراني ووحدة مصالح مع تركيا. وما سبقها من ضجة ثارت في جلسة المحكمة العليا، التي ناقشت اقالة رئيس الشباك، ما عكس الوضع الذي اصبحت عليه دولة اسرائيل تحت قيادة نتنياهو بأنها دولة هستيرية وخطيرة
و مع أن بنيامين نتنياهو في الواقع وصل الى البيت الابيض مرتدياً بدلة وربطة عنق، ولم تمر سلسلة الاهانات التي حصل عليها رئيس اوكرانيا فلودمير زيلينسكي قبل بضعة اسابيع.
لكن ما شاهده رئيس الحكومة الإسرائيلية في واشنطن لا يبدو بعيداً في جوهره عن المعاملة التي حصل عليها ضيف الرئيس الامبركي دونالد ترامب. لنقل نصف زيلينسكي. هذا في النهاية هو القاسم المشترك لكل زيارة في واشنطن: العرض هو لترامب. فهو كاتب السيناريو والمخرج والممثل الرئيسي، الضيوف هم فقط احصاء، وعلى ابعد تقدير هم لاعبون ثانويون.
قبل شهرين فرح المعجبون بنتنياهو بزيارته السابقة لدى ترامب. الرئيس لم يبخل بتقديم لفتة ودية لضيفه وبالغ في الابحار على اجنحة خياله بخطة لاخلاء قطاع غزة "بشكل طوعي" من سكانه، من اجل السماح بأن يصبح القطاع ريفيرا عقارية جذابة. في اللقاء اول أمس لم يكن هناك أي اثر للخطة باستثناء تصميم نتنياهو على طرحها للحظة. يبدو أن ترامب يوجد بالفعل في مكان آخر. فهو ينشغل بسياسته الجديدة المتعلقة بتعرفة الجمارك الجديدة التي تسبب قلق اقتصادي هائل في ارجاء العالم. ولكن حتى مع المواقف التي عبر عنها الرئيس بشأن التطورات في الشرق الاوسط فان رئيس الوزراء لم يتمكن من الشعور بالرضا.
نتنياهو تم استدعاءه الى الولايات المتحدة في اللحظة الاخيرة اثناء زيارته في هنغاريا. مشكوك فيه اذا كان اللقاء مع ترامب قد تم اعداده كما هو مطلوب. قبل اللقاء نشرت ابواقه التنبؤات: الرئيس سيعفي اسرائيل من رسوم الجمارك، أو على الاقل سيخفض نسبة الجمارك المفروضة عليها. وقد كان هناك من اعتقدوا أنه سيعطي الدعم لنتنياهو في الصراع المشترك بينهما ضد الدولة العميقة المتخيلة في دولتيهما، أو أنه سيعود الى تهديد ايران. لم يحدث أي شيء من ذلك.
وكان بإختصار ما طغى على السطح منها فقط بشرى ترامب للصحافيين حين أعلن
بحضور نتنياهو، عن استئناف المحادثات النووية مع ايران. كما أكثر من مدح صديقه رئيس تركيا رجب طيب اردوغان، الذي تواجه علاقاته مع اسرائيل توتراً متزايدا ازاء نشاطات الدولتين العسكرية في سوريا.
و عبّر ترامب عن الأمل في انتهاء الحرب في غزة في القريب وأكد على ضائقة المخطوفين الشديدة. وصدم نتانياهو برفضه امكانية اعطاء تسهيلات جمركية لاسرائيل، بل ذكّره بما لم يذكّره رئيس أميركي سابق و هو أن اسرائيل تحصل من الولايات المتّحدة على مساعدات امنية بمبلغ 7 مليارات دولار في السنة. عمليا، بالمناسبة، الرقم هو 3.8 مليار دولار، و أن الاتفاق بشأن هذه المساعدات سينتهي في العام 2028. وزادت من. شكوك كثيرين بإمكانية تواصل تدفّق هذه الأموال حتى بعد ذلك، مع الاخذ في الحسبان مواقف ترامب في قضية المساعدات الخارجية
وما توضحه دوائر واشنطن أنه تم استدعاء نتنياهو بشكل مستعجل الى واشنطن لتوفير ما يريده الرئيس ترامب من أجواء تتناسب مع التصريحات التي أدلى بها الرئيس حول سياسة الجمارك والموافقة بالصمت على بيان ترامب بشأن العودة الى مسار المفاوضات المباشرة مع ايران. هذه الامور كلها كانت مناقضة لمقاربة رئيس الحكومة نتانياهو التي بحسبها و منها الضغط العسكري الذي كان يعتقد أنه سينتزع تنازلات من النظام في طهران. حتى الآن ما زال يوجد خطر في أن يتبنى ترامب فيما بعد اتفاق معيب مع ايران وعرضه كصفقة قرن جديدة. هذا ما حدث تقريبا في قضية كوريا الشمالية في ولايته الاولى. فترامب بدأ بتهديد مباشر بهجوم عسكري وانتهى وهو عاشق للديكتاتور وتوقف عن التحدث عن الخطر النووي لبيونغ يانغ. مع ذلك، يجب عدم استبعاد احتمالية أن يعود ترامب الى سيناريو مهاجة اسرائيلية في المستقبل اذا فشلت المفاوضات مع ايران كليا.
يمكن فقط تخيل كيف كان نتنياهو سيتصرف ازاء خطوات مشابهة من جانب اسلاف ترامب، باراك اوباما أو جو بايدن، لكن لا أحد يلعب مع ترامب.
وكان واضحاً للعيان رد فعل نتانياهو عندما اعلن المضيف عن استئناف المحادثات مع طهران عندما اضطر نتنياهو الى هز رأسه. بشأن الجمارك هو حتى وعد بالعمل من اجل تقليص العجز في الميزان التجاري في الدولتين - اقواله كانت مقنعة تقريبا مثل تعهد نظري بتقليص نفقات عائلة نتنياهو على حساب الدولة.
منذ استئناف نتنياهو للحرب في غزة في 18 آذار تولد الانطباع بأن عملية اسرائيل هناك تحصل على الدعم الامريكي الكامل. ولكن الجيش الاسرائيلي لم يرجع من اجل احتلال القطاع كما توقعوا في اليمين المتطرف، بل هو اكتفى باستعراض قوة محدود في هوامشها. اقوال ترامب أمس رسمت بصورة تقريبية سلم الاولويات الحالي للادارة الامريكية المناسب بالضبط لسياسة السعودية: صفقة كبيرة بين واشنطن والرياض (التي ربما تشمل ايضا التطبيع بين اسرائيل والسعودية) وانهاء الحرب في غزة واتفاق سيتفاخر بأنه حل لمشكلة النووي الايراني ووحدة مشتركة.
بقي أن نرى اذا كانت اقوال الرئيس ستتم ترجمتها الى سياسة عملياتية للدفع قدما بصفقة التبادل. المبعوث الامريكي ستيف ويتكوف ظهر مرة اخرى متفائل اثناء لقائه مع عائلات المخطوفين. فهو يعتقد أنه توجد احتمالية لتطبيق اقتراح مصر الذي يتحدث عن تحرير ثمانية مخطوفين في المرحلة الاولى، مقابل وقف لاطلاق نار لبضعة اسابيع، وخلال ذلك ستتم محاولة التوصل ايضا الى اتفاق نهائي على انهاء الحرب. ولكن ينتظر ويتكوف جدول زمني مكتظ بشكل خاص، حيث أنه تبين ايضا بأنه المبعوث عن ادارة المفاوضات المتجددة مع ايران. مع ذلك، ربما أنه بأثر رجعي سيتبين أنه في هذا الاسبوع تم تحقيق انعطافة في صفقة المخطوفين.
ويزيد من قلق نتانياهو النقاشات التي تجري في أروقة المحكمة العليا بشأن الالتماسات حول اقالة رونين بار من منصب رئيس الشباك، والتي يصفها البعض بأنها اكثر اهمية من اعمال السيرك المتعمدة التي قام بها في القاعة مؤيدو نتنياهو وعضوة الكنيست الغريبة من المقاعد الخلفية لليكود. قرار الحكومة اقالة بار من منصبه من خلال اجراء سريع هو تهديد مباشر للديمقراطية وخطوة تحضيرية للعملية الاكثر اهمية التي ينوي نتنياهو استكمالها وهي اقالة المستشارة القانونية للحكومة، المحامية غالي بهراف ميارا.
لأن هذه ليست المرة الاولى فانه من الافضل عدم التساذج. معظم المشاغبين في القاعة وفي الاروقة لم يأتوا الى المحكمة فقط بمبادرة منهم. ومثلما في قضية الاقتحام العنيف لقاعدة سديه تيمان فان هذا مفهوم مادي للنشاطات المتشعبة للسم في الشبكات الاجتماعية وبواسطة مبعوثيها في وسائل الاعلام. الهدف هو تخويف القضاة، وايضا من تجرأوا على اتخاذ موقف، مثل رئيس الشباك السابق يورام كوهين الذي ارفق تصريح مشفوع بالقسم بالالتماس حول افعال نتنياهو في السابق عندما حاول تجنيد الشباك للقيام بخطوات غير ديمقراطية.
الجانب المكمل لما شوهد في المحكمة العليا يوجد في الانقضاض على الناجية من الأسر، المراقبة ليري الباغ، التي تجرأت على القول في مقابلة مع كيرن نويباخ في "كان" بأن نتنياهو هو المسؤول عما حدث لها ولآلاف آخرين، الذين تضرروا بسبب مذبحة 7 اكتوبر. نتنياهو عند عودته من الولايات المتحدة يمكنه أن يشاهد الافلام من المحكمة بدرجة من الرضا. في صراعه الذي لا هوادة فيه ضد مؤسسات الدولة، المجتمع الاسرائيلي تحول بالضبط الى ما اراده، مجتمع هستيري وخطير. مؤيدوه الذين تجولوا في اروقة المحكمة وهم يشتمون ويهددون ذكروا قليلا برجال ترامب عندما تحدى الرئيس الكونغرس في 6 كانون الثاني 2021 في محاولة لتخريب العملية الديمقراطية بعد هزيمته امام جو بايدن.
النصوص الصارخة والعنيفة والتآمرية تسمع في كل ارجاء الشبكة، وتخترق من هناك ايضا الى الكنيست ووسائل الاعلام التقليدية. هذا لا يختلف كثيرا عما يتعرض له احيانا رجال الحراسة، مرؤوسي بار، لولي العهد في ميامي. بار تم التأشير عليه منذ فترة بشكل سيء من قبل العائلة. اولا، هو كان تعيين لرئيس الحكومة السابق نفتالي بينيت. ثانيا، هو لم يخرج عن اطواره لمواصلة الاهتمام بحماية العائلة عندما كان نتنياهو رئيس المعارضة. ثالثا، بعد عودة نتنياهو الى الحكم تجرأ بار على التذمر امامه من المعاملة السيئة التي يحصل عليها رجاله.
بعد ذلك تطورت قائمة الاتهامات. بار لم يوفر لنتنياهو التوصية بالاعفاء الذي طلبه الاخير، بذرائع أمنية، من حضور الجلسات في محاكمته اثناء الحرب. وهو حتى تجرأ على التحقيق في القضية القطرية التي تورط فيها على الاقل اثنين من مستشاري رئيس الحكومة. هذا ليس "فقدان ثقة" ببار الذي ازعج نتنياهو وذكره فجأة بالحاجة الى اقالة رئيس الشباك، تقريبا بعد سنة ونصف على المذبحة. حيث أن نتنياهو نفسه مسؤول بدرجة لا تقل عن ذلك عن الفشل. هو يعمل على اقالة رئيس الشباك (قبل ذلك اقالة رئيس الاركان هرتسي هليفي)، لأنه بهذه الطريقة يمكنه ازاحة المسؤولية عن الاخفاقات عن نفسه.
في جلسة أمس اضاف ممثل الحكومة المحامي تسيون امير ادعاء آخر لا اساس له من الصحة الى القائمة. فقد اتهم بار بأنه لم يعمل "ضد التهرب". هكذا فانه بصورة صريحة أكد ادعاء رئيس الجهاز بأن نتنياهو حاول الضغط عليه للقيام بخطوات غير ديمقراطية، مثلما شهد على ذلك كوهين ونداف ارغمان. أما إقال بار فقد اصبحت أمر حاسماً بالنسبة لنتنياهو على خلفية فتح تحقيق في القضية القطرية. بقي أن نرى ما الذي سيحدث في التحقيق. ونحن نأمل أن يواصل بار توجيهه بنجاح. ولكن ما يحدث الآن في المحكمة العليا توجد له اهمية كبيرة من اجل الابقاء على الديمقراطية الاسرائيلية
قد يهمك أيضــــــــــــــــًا :
الرياض تستبق لقاء نتانياهو بالرئيس ترامب الذي وصف ب "الهام" لتؤكد أن لا سلام من دون دولة فلسطينية
ترمب ونتنياهو يناقشان هجرة الغزيين والتوصل لاتفاق جديد لإعادة الرهائن والرئيس الأميركي يستبعد إلغاء الرسوم الجمركية
أرسل تعليقك