يستمرُّ الوضع الإنساني في مدينة "جوبـا Juba "عاصمة جنوب السودان في التدهور، حسب ما يقول عمال الإغاثة، مع استمرار قصف المستشفيات، وقطع الإمدادات الغذائية، فضلاً عن لجوء عشرات الآلاف من السكان إلى الكنائس ونزوح الكثيرين. ويأتي ذلك في الوقت الذي يحتدم فيه الصراع بين القوات الحكومية والمعارضة لليوم الخامس على التوالي.
وسُمع دوي إنفجارات وإطلاق نار من الأسلحة الثقيلة في أنحاءَ متفرقة من عاصمة أصغر دولة في العالم يوم الإثنين، فيما دعت القوى المحلية والإقليمية و الدولية إلى التهدئة وسط مخاوف متزايدة من إندلاع الحرب الأهلية مجدداً.
ويعتقد بأن عدد القتلى يزيد عن 300 شخص، من بينهم عشرات المدنيين، على الرغم من أنه لا توجد الكثير من التفاصيل الواضحة والموثوقة بشأن أعداد الضحايا جراء القتال. وتعرض واحد من المستشفيات على الأقل للقصف، إلى جانب المخيمات التي توفر فيها الأمم المتحدة الحماية للسكان المشردين. وبدت الشوارع يوم الإثنين في جوبـا Juba مهجورة بإستثناء الأشخاص الفارين من الإشتباكات الجارية.
وكانت إشتباكات دامية استمرت لنحو 20 شهراً قبل التوصل في العام المضي إلى هدنة و إتفاق سلام ما بين القوات الموالية للرئيس سلفا كير، وأولئك الذين يتلقون أوامر من زعيم المتمردين السابق ريك مشار الذي يشغل حالياً منصب نائب الرئيس.
وأمر كلٌ من كير ومشار قواتهما بوقف إطلاق النار مساء يوم الإثنين، إلا أنه لم يتضح على الفور من الذي كان يقود القتال. مما يثير مخاوف من عدم إحكام السيطرة منذ فترةٍ طويلة سياسيًا وعسكريًا على قواتهما، في مؤشر بحسب ما ذكر المحللون الى دخول الصراع على السلطة في جنوب السودان مرحلة خطيرة. وأوضح أحمد سليمان، وهو خبير في شؤون شرق إفريقيا في مركز أبحاث" تشاتام هاوس" Chatham House في لندن، بأن هناك تصريحات صادرة من كير ومشار تدعو للتهدئة، ولكنه فيما يبدو بأنهما فقدا السيطرة على قوات كل منهما.
وأشار عمال الإغاثة في جوبـا إلى أن الوضع تدهور منذ نهاية الإسبوع، وشهدت أنحاء متفرقة من عاصمة جنوب السودان إطلاق نار عشوائي وقذائف هاون ثقيلة جدا. بينما لم يتضح بعد من المسؤول عن هذا الوضع الإنساني المتردي، الذي يصعب فيه الحصول على الغذاء حتى لسكان المناطق الحضرية.
وحسب ما قال مدير منظمات Tearfund غير الحكومية في البلاد فلورنس ماوندا، فإن حوالي نصف عدد السكان قد إضطروا إلى ترك منازلهم. وتكشف القائمة التي أعدتها السلطات الكنسية عن أن حوالي 15,000 شخص في المدينة قد إتخذوا حالياً من الكنائس أو المباني الدينية الأخرى مأوى لهم، بينما إنتقل آخرون إلي المخيمات التي تديرها الأمم المتحدة، مع فرار عدد آخر من السكان إلى المناطق الريفية المحيطة.
وتعود بداية إندلاع المعارك في جوبـا Juba إلى مقتل خمسة جنود من القوات الحكومية عند نقطة تفتيش يوم الخميس الماضي، فضلاً عن الإشتباك الذي وقع يوم الجمعة بين وحدة من قوات النخبة التابعة لسيلفا كير وأفراد من الحرس الخاص لمشار خلال لقاء الزعيمين لعقد مباحثات. ويبدو أن القتال قد تصاعد بشكل سريع، مع إنتشار الدبابات والمدفعية ومروحيات الهليكوبتر الحربية. كما كشفت الإشتباكات في عاصمة جنوب السودان عن حجم الإنقسامات العرقية، حيث أن أنصار كير إلى حد كبير من الدينكا Dinka ، بينما أتباع مشار معظمهم من قبيلة النوير Nuer.
ويسعى الدبلوماسيون جاهدين إلى إنقاذ إتفاق السلام الذي تم التوصل إليه العام الماضي على خلفية العنف والقتال الذي إندلع في كانون الأول / ديسمبر من عام 2013 وراح ضحيته عشرات الآلاف من السكان فضلاً عن تشريد أكثر من 2 مليون شخص.
وأبلغت الولايات المتحدة مواطنيها بأنه سوف يتم إجلاء جميع موظفيها الذين لا يعد بقاؤهم ضرورياً في جنوب السودان التي نالت إستقلالها من جارتها الشمالية السودان بعد إستفتاء أُجري في عام 2011 بدعم من واشنطن، في حين أغلقت السفارة الكندية أبوابها تماماً وفقاً للرسالة التي أرسلتها إلى مواطنيها، بينما تخطط الهند لإجلاء مواطنيها بحسب تغريدة على موقع التواصل الإجتماعي "تويتر" دوَّنها وزير الشؤون الخارجية. فيما بقي المطار الرئيسي في جوبـا مغلقاً حتى مساء يوم الإثنين.
وحث الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون مجلس الأمن يوم الإثنين على فرض حظر للأسلحة جنوب السودان، إلى جانب فرض عقوبات على الزعماء والقادة الذين يعيقون تنفيذ إتفاق السلام، فضلاً عن تقوية بعثة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة.
وشدد بيان صادر عن منظمة أطباء بلا حدود ( MSF ) المسؤولة عن المساعدات الإنسانية والطبية على أن أي تصاعد في القتال الذي ينتشر في أنحاء متفرقة من البلاد سوف تصاحبه عواقب وخيمة، وخاصةً للفئات الأكثر ضعفاً. فهناك ما يقرب من نصف تعداد سكان جنوب السودان البالغ 11 مليون شخص مهددون بالمجاعة.، بينما وصل التضخم إلى 300 بالمائة، وتتجه البلد نحو الإفلاس.
وذكرت المتحدثة الرسمية باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية ماتيلدا مويو بأن آلاف النازحين نتيجة الصراع الدائر في جوبـا قد لجأوا إلى قاعدتين للأمم المتحدة إحداها واقعة في ضاحية تعد معقلاً للمقاتلين الموالين لمشار. وقد لقي ثمانية ممن هم في القاعدة التابعة للأمم المتحدة مصرعهم وأصيب 67 آخرين وفقاً لتقرير الوضع الداخلي الذي تم تداوله في ما بين المنظمات الإنسانية و إطلعت عليه "الأسوشيتد برس". وإلى جانب عدم القدرة على توصيل المياة الى عشرات الآلاف ممن يحتمون داخل هذه القاعدة، فقد كانت هناك تقارير تفيد بتعرض إحدى العيادات للقصف وربما الإستهداف.
وواجهت بعثة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في جنوب السودان الإتهامات مراراً بالفشل في حماية المدنيين، وعلى الأخص خلال هجوم شباط / فبرايرعلى قاعدة في شمال مدينة ملكال Malakal والذي أسفر عن مقتل 30 شخصاً على الأقل. فيما لقي إثنان من التابعية الصينية ضمن قوات حفظ السلام مصرعهما في القاعدة التابعة للأمم المتحدة مساء يوم الأحد وفقاً لوسائل الإعلام الرسمية الصينية.
أرسل تعليقك