لم تفض المشاورات التي انطلقت، لتشكيل الحكومة في فرنسا إلى أي نتائج في ظل تشبث الرئيس إيمانويل ماكرون بضرورة تغيير مرشح "الجبهة الشعبية" اليسارية الجديدة الحائزة على الأغلبية في الانتخابات البرلمانية، فيما ذكرت مصادر فرنسية حضرت الاجتماعات، أنه من المحتمل أن يتم تحديد هوية رئيس الوزراء الجديد، الثلاثاء المقبل.
ومن المرتقب أن تستمر المشاورات الرئاسية حتى الاثنين المقبل، باستضافة ممثلي حزب "التجمع الوطني" اليميني المتطرف، قبل أن تختتم بمقابلة بين رئيسي مجلسي النواب والشيوخ، وفق ما نقلته صحيفة "لوموند".
وقدمت الجبهة الشعبية الجديدة مرشحتها لمنصب رئيس الوزراء، لوسي كاستيتس، وهي موظفة في الخدمة المدنية، والمرشحة الوحيدة المعلن عنها رسمياً للمنصب.
لكن ماكرون لا يأخذ بعين الاعتبار ترشيح كاستيتس، وذلك لأن الأحزاب اليمينية وحزب "التجمع الوطني" يهددان بسحب الثقة من الحكومة، إذ قادتها "الجبهة الشعبية الجديدة"، والتي من المرتقب أن تضم أيضاً وزراء من حزب "فرنسا الأبية" اليساري الراديكالي، وفق الصحيفة.
وتداولت مصادر فرنسية أسماء أخرى، إذ يهتم ماكرون بشكل خاص بالملفات الشخصية لكل من كزافييه برتراند (الوزير السابق في حكومة نيكولا ساركوزي)، وفاليري بيكريس (المرشحة الرئاسية السابقة في انتخابات 2022) وبرنارد كازينوف (رئيس الوزراء السابق في حكومة فرنسوا هولاند).
واتهم زعيم حزب "فرنسا الأبية"، جان لوك ميلانشون، الجمعة، ماكرون بأنه "رجل سلطوي ومستبد، يهين كل الشعب الفرنسي"، في حين أنه لم يعين بعد رئيساً للوزراء، بعد أكثر من شهر من استقالة جابرييل أتال.
وتابع في خطابه أمام أنصاره في شمال فرنسا: "لقد أصبح ماكرون رئيساً للوزراء، إنه يجمع الوزراء دون رئيس الوزراء، هذا ليس موجوداً في الدستور"، متهماً إياه بعدم احترام "نتيجة الاقتراع العام".
وحذر ميلانشون من أنه "طالما استمرت هذه الجمعية الوطنية (البرلمان)، ستكون لوسي كاستيتس هي المرشحة لمنصب رئيس وزراء الجبهة الشعبية الجديدة".
الجمهوريون لن يشاركوا في "ائتلاف حكومي"
من جهة أخرى، شدد لوران فوكييز زعيم الجمهوريين، أن حزبه لن يشارك في "أي ائتلاف حكومي"، وأنهم "سيعرقلون محاولة فرنسا الأبية" لتشكيل الحكومة الجديدة.
وواصل التأكيد على أنه سيقدم "فوراً" التماساً بحجب الثقة في حال تعيين وزراء من حزب "فرنسا الأبية"، معتبراً أنهم "يشكلون خطراً على قيم الجمهورية".
وتابع فوكييز خلال تصريحات بعد لقائه ماكرون الجمعة: "نواب اليمين الجمهوري لا يعتزمون أن يكونوا معارضين منهجيين، تحتاج بلادنا إلى الاستمرار في المضي قدماً. إذا كانت هناك قوانين إيجابية، فمن الواضح أننا سنكون قادرين على اعتمادها".
وأكد ماكرون، خلال مشاورات مع الكتلة المركزية، الجمعة، أنه يبحث عن "حل مؤسسي مستقر" بهدف تشكيل "حكومة مستقرة وآمنة"، حسبما قال المشاركون في حفل غداء الإليزيه لوكالة "فرانس برس".
كما أكد أعضاء جمهوريون أنهم سيفرضون رقابة على الحكومة إذا تم تعيين وزراء من "فرنسا الأبية".
كما تساءل ماكرون خلال جلسات المشاورات، حسبما نقلها بعض أعضاء "الجبهة الشعبية الجديدة"، عن إمكانية ضم تيارات سياسية أخرى إلى الحكومة حال ترأستها الجبهة الشعبية، وهل ستستخدم المادة 49.3 من الدستور، والتي تتيح للحكومة المصادقة على القوانين دون تصويت النواب؟ أو حتى "هل أنتم مستعدون لتوسيع أغلبيتكم؟".
وفي مواجهة التهديد بالرقابة من قوى اليمين واليمين المتطرف وحتى المعسكر الرئاسي في حالة وجود وزراء متمردين في المستقبل، فضل ماكرون طرح السؤال مباشرة على الجبهة الشعبية الجديدة. وتساءل ساكن الإليزيه: "هل هناك متمردون في الحكومة؟"، أجابت مرشحة الجبهة لوسي كاستيتس: "نعم".
هدف واحد لماكرون
ووفقاً لبعض محاوريه، بدا أن ماكرون يسترشد بهدف واحد، وهو ضمان الاستقرار المؤسسي في المستقبل. وهكذا تحدث عن "وضع غير مسبوق"، حسبما قال أحد المشاركين لقناة BFMTV.
"لم يعترف قط بأن هناك حاجة إلى حكومة يسارية. ولم يعط أي مؤشر على التحول إلى اليسار أو اليمين في الحكومة المقبلة. لكنه قال إنه يجب أن يكون هناك تغيير، لأنه كان هناك تغيير في نتائج الانتخابات"، وفق عضو في الجبهة الشعبية الجديدة.
وأضاف أحد المشاركين في الاجتماع مع ماكرون: "قال رئيس الجمهورية في النهاية: لقد كنت واضحاً جداً، سأواصل مشاوراتي، وكأن شيئاً لم يفرض عليه، وكأنه سيعقد صفقته".
وأوضح أحد الأعضاء الحاضرين أن ماكرون أشار ببساطة إلى أنه في عام 2022 لم تكن حكومته تتمتع بالأغلبية وأنها لم تخضع للرقابة.
الموقف الدولي
ونقلت "لوموند" أنه ثم تم التطرق إلى 6 أو 7 أسئلة على الجانب الدولي. وعلى وجه الخصوص أوروبا وأوكرانيا والشرق الأوسط أو حتى كورسيكا وكاليدونيا الجديدة.
وفضلت مرشحة الجبهة الشعبية لوسي كاستيتس عدم التوسع في هذه المواضيع، حسبما ذكر أحد الحاضرين لصحيفة "لوبوان". وعوضاً ذلك أشارت إلى رغبة حزب "فرنسا الأبية" في تطبيق برنامجه مع السعي إلى التوصل إلى حلول وسط.
وبحسب أحد الحاضرين، أكدت كاستيس أن اتحاد اليسار كتب إلى القوى السياسية الأخرى ويريد أن تتحدث فرنسا بصوت واحد دولياً. وفيما يتعلق بهذه النقطة الأخيرة، يوضح التحالف أنه قدم ضمانات.
وذكر ماكرون، بحسب الأعضاء الحاضرين في هذا الاجتماع، أنه من المحتمل أن يتم إعلان رئيس الوزراء، الثلاثاء.
أرسل تعليقك