وصفت علياء غانم، والدة أسامة بن لادن، حياتها بأنها كانت صعبة للغاية، لأن نجلها كان بعيدًا جدًا عنها، وأنه فُقد بطريقة أو بأخرى، مؤكّدة أنه كان طفلًا جيدًا جدًا ويحبها كثيرًا، مشيرة إلى زوجها الثاني محمد العطاس الذي قام بتربية أبنائها الثلاثة، أنه قام بتربية أسامة منذ سن الثالثة، وكان طيبًا للغاية معه.
والدة أسامة بن لادن تتحدث للمرة الأولى عن نجلها:
وكانت غانم قد بدأت حديثها وهي تجلس على أريكة بزاوية غرفة واسعة، وترتدي ثوبًا منقوشًا بألوان زاهية، وحجابًا أحمر يغطي شعرها، وهناك صورة لابنها البكر تأخذ مكان الصدارة بين العائلات والأشياء الثمينة، وهي صورة له وهو مبتسم وملتحي يرتدي سترة عسكرية، ويظهر في صور أخرى في أرجاء الغرفة.
وتجمعت العائلة مع اثنين من أبنائها الناجين أحمد وحسن، في زاوية من القصر الذي يشاركونه الآن في جدة، المدينة السعودية التي كانت موطنًا لعشيرة بن لادن لأجيال، وهي لا تزال واحدة من أكثر العائلات ثراءً في المملكة، فقد بنت إمبراطوريتها الأسرة الحاكمة الكثير من المملكة العربية السعودية الحديثة، وهي منسجمة بعمق في تأسيس الدولة، ويعكس منزل بن لادن ثروته ونفوذه، وهناك درج لولبي كبير في وسطه يؤدي إلى غرف كهفية، ولقد جاء رمضان وذهب، وأطباق التمر والشوكولاتة التي تميز أيام العيد الذي يأتي بعده لمدة ثلاثة أيام لا تزال على الطاولات في جميع أنحاء المنزل.
ولسنوات، رفضت علياء غانم الحديث عن أسامة، كما كان حال عائلته الواسعة - طوال فترة حكمه التي امتدت على مدار عقدين كزعيم لتنظيم "القاعدة"، وهي الفترة التي شهدت الضربات على نيويورك وواشنطن العاصمة، وانتهت بعد أكثر من تسع سنوات مع موته في باكستان.
ووافقت القيادة السعودية الجديدة - التي قادها الوريث الطموح البالغ 32 عامًا للعرش، ولي العهد الأمير محمد بن سلمان - على طلب الصحافيين بالتحدث إلى الأسرة، "كواحدة من أكثر العائلات نفوذا في البلاد، لا تزال تحركاتهم واتصالاتهم تخضع لمراقبة دقيقة"، إن إرث أسامة هو بمثابة آفة خطيرة على المملكة كما هو الحال على أسرته، ويعتقد كبار المسؤولين أنه من خلال السماح لعائلة بن لادن بالتحدث عن قصته، يمكن أن يثبتوا أن منبوذًا - ليس عميلًا - كان مسؤولًا عن أحداث 11 سبتمبر/ايلول، ويزعم منتقدو المملكة العربية السعودية منذ فترة طويلة أن أسامة بن لادن يحظى بدعم الدولة، وأن عائلات عدد من ضحايا الحادي عشر من سبتمبر/ايلول قد رفعوا إجراءات قانونية "لم تكلل بالنجاح حتى الآن" ضد المملكة، وجاء خمسة عشر من الخاطفين التسعة عشر من المملكة العربية السعودية.
علياء غانم تصف أسامة بن لادن بالخجل والتفوق:
ولا عجب أن عائلة أسامة بن لادن حذرة في مفاوضاتها الأولية, إنهم غير متأكدين ما إذا كان فتح الجروح القديمة سيبرهن على أنه شافي أو ضار، لكن بعد أيام عدّة من النقاش، باتوا على استعداد للتحدث، وعندما نلتقي في يوم حار في أوائل يونيو / حزيران، تجلس علياء غانم بين إخوة أسامة غير الأشقاء، وتتذكر ابنها البكر كشخص خجول متفوق أكاديميًا، وقد أصبحت شخصيته قوية في العشرينات من عمره، كما تقول، أثناء دراسته للاقتصاد في جامعة الملك عبد العزيز بجدة، حيث كان متطرفًا أيضًا.
وأضافت علياء: "لقد غيره الناس في الجامعة، وأصبح رجلًا مختلفًا، وواحد من الرجال الذين التقى بهم هناك كان عبد الله عزام، عضو جماعة الإخوان المسلمين الذي تم نفيه في وقت لاحق من المملكة العربية السعودية وأصبح المرشد الروحي لأسامة بن لادن، و"لقد كان طفلًا جيدًا إلى أن التقى ببعض الأشخاص الذين غسلوا دماغه في أوائل العشرينات من عمره، حصلوا على المال لقضيتهم، كنت أقول له دائمًا أن يبتعد عنهم، ولم يعترف لي أبدًا بما كان يفعله، لأنه كان يحبني كثيرًا".
وفي أوائل الثمانينيات، سافر أسامة إلى أفغانستان لمحاربة الاحتلال الروسي، وقال حسن "كل من كان قابله في الأيام الأولى يحترمه، في البداية، كنا فخورين به، حتى الحكومة السعودية كانت تعامله بطريقة نبيلة ومحترمة، ثم ظهر أسامة المجاهد "، ثم تبع صمت طويل غير مريح، بينما يواجه حسن صعوبة من أجل تفسير التحول من المتعصب إلى الجهادي العالمي، قائلًا "أنا فخور به جدا بمعنى أنه كان أخي الأكبر، لقد علمني الكثير، لكنني لا أعتقد أنني فخور به كرجل، وصل إلى النجومية على المسرح العالمي، وكان كل ذلك من أجل لا شيء ".
وكانت علياء تستمع باهتمام، وأصبحت أكثر حيوية عندما تعود المحادثة إلى سنوات تكوين أسامة، لقد كان مستقيماً جدًا وجيد جدا في المدرسة، كان حقا يحب الدراسة، ولقد أنفق كل أمواله في أفغانستان - كان يتموه تحت ستار الأعمال التجارية العائلية، ولم يخطر ببالي أبدًا أنه سينضم للأعمال الجهادية، وعندما علمت شعرت بالاستياء من الأمر".
وتابعت العائلة "أنهم رأوا أسامة آخر مرة في أفغانستان في عام 1999، وهو العام الذي زاروه فيه مرتين في قاعدته خارج مدينة قندهار مباشرة"، وتقول علياء "لقد كان مكانًا بالقرب من المطار حيث تم القبض عليهم من الروس، وكان سعيدًا جدًا لاستقبالنا، وكنا نراه كل يوم هناك، لقد ذبح لنا ذبيحة، وأعد لنا وليمة، ودعا الجميع. "
طفولة والدة أسامة بن لادن:
وتبدأ علياء غانم بالاسترخاء وتتحدث عن طفولتها في مدينة اللاذقية الساحلية السورية، حيث نشأت في عائلة من العلويين، وهي فرع من الإسلام الشيعي، كما أن المطبخ السوري يتفوق على السعودي، وكذلك الطقس في منطقة البحر الأبيض المتوسط ، حيث كان هواء الصيف الدافئ والمبلل يتناقض بشدة مع حرارة جدة في يونيو/حزيران، انتقلت علياء غانم إلى المملكة العربية السعودية في منتصف الخمسينات، وولد أسامة في الرياض في عام 1957، وتم طلاقها من والده بعد ذلك بثلاث سنوات، وتزوجت من العطاس، الذي كان آنذاك مسؤولا في إمبراطورية بن لادن الوليدة، في أوائل الستينيات، أنجب والد أسامة 54 طفلًا من 11 زوجة على الأقل.
والدة أسامة غانم تنكر تنفيذ نجلها لأحداث أيلول:
ويواصل الأخوة غير الأشقاء لأسامة المحادثة، قائلين "من المهم، أن نتذكر أن الأم نادرًا ما تكون شاهدًا موضوعيًا"، وأضاف أحمد "لقد مرت 17 سنة الآن (منذ 11/9) ولا تزال تنكر أن يكون أسامة قد فعل هذا"، "لقد أحببته كثيرا ورفضت إلقاء اللوم عليه، بدلا من ذلك، تلوم من حوله، إنها تعرف فقط الجانب الطفولي الجيد به، الجانب الذي رأيناه جميعًا، ولم تتعرف أبدًا على الجانب الجهاد، و"لقد صُدمت وأذهلت"، كما يقول الآن عن التقارير المبكرة من نيويورك، ولقد كان شعورًا غريبًا جدًا, عرفنا منذ البداية أنه كان أسامة، خلال الـ 48 ساعة الأولى، من الأصغر إلى الأكبر سناً فينا، شعرنا جميعاً بالخجل منه، كنا نعلم أننا جميعًا سنواجه عواقب رهيبة ووخيمة، وعائلتنا في الخارج عادت جميعًا إلى السعودية، ولقد كانوا مشتتين في سورية ولبنان ومصر وأوروبا، وفي السعودية، كان هناك حظر على السفر، لقد حاولوا قدر استطاعتهم للحفاظ على سيطرتهم على العائلة".
وكشفت العائلة أن السلطات استجوبتهم جميعًا، ومنعتهم من مغادرة البلاد لبعض الوقت، وبعد قرابة عقدين من الزمان، تستطيع عائلة بن لادن التحرك بحرية نسبيًا داخل المملكة وخارجها.
وجاءت سنوات تكوين بن لادن في جدة في السبعينيات حرة نسبيا، قبل الثورة الإيرانية عام 1979، التي كانت تهدف إلى تصدير الحماس الشيعي إلى العالم العربي السني، ومنذ ذلك الحين، فرض حكام المملكة العربية السعودية تفسيرات صارمة للإسلام السني - وهو أسلوب تم ممارسته على نطاق واسع في شبه الجزيرة العربية منذ القرن الثامن عشر، وهو عصر رجل الدين محمد بن عبد الوهاب، وفي عام 1744، عقد عبد الوهاب اتفاقا مع الحاكم آنذاك محمد بن سعود، مما سمح لعائلته بتسيير شؤون الدولة بينما حدد رجال الدين المتشددون الشخصية الوطنية.
والمملكة الحديثة، التي أُعلن عنها في عام 1932، تركت كلا الجانبين - رجال الدين والحكام - أكثر قوة من أن يأخذوا الجانب الآخر، وحبس الدولة ومواطنيها في مجتمع محدد بآراء محافظة: الفصل الصارم بين رجال ونساء بدون محرم؛ وعدم التسامح مع الأديان الأخرى؛ والالتزام التام بالتعاليم العقائدية، كلها مختومة من قبل آل سعود.
ويعتقد الكثيرون أن هذا التحالف ساهم بشكل مباشر في صعود الإرهاب العالمي، والنظرة العالمية لتنظيم "القاعدة" - وجهة نظره في "داعش" - شكّلت إلى حد كبير من قبل الكتب الدينية الوهابية، واتهم رجال الدين السعوديون على نطاق واسع بتشجيع حركة جهادية نمت طوال التسعينات، مع وجود أسامة بن لادن في وسطها.
وفي عام 2018، تريد القيادة السعودية الجديدة رسم خط تحت هذا العصر وإدخال ما يسميه بن سلمان "الإسلام المعتدل"، وهذا ما يراه ضروريًا لبقاء دولة يعيش فيها عدد كبير من السكان الشباب الذين لا يهدأ لهم بال والذين يشعرون بالسخط في أغلب الأحيان، على مدى أربعة عقود تقريبًا، من الوصول إلى وسائل الترفيه أو الحياة الاجتماعية أو الحريات الفردية، ويعتقد الحكام السعوديون الجدّد أن مثل هذه المعايير الاجتماعية الصارمة، التي يطبقها رجال الدين، يمكن أن تثبت أنها علف للمتطرفين الذين يستغلون مشاعر الإحباط.
أرسل تعليقك