واشنطن - يوسف مكي
تُحاول الإدارة الأميركية تهيئة المشهد في جنوب سورية ليكون مناسبا مع الرغبة المعلنة للرئيس دونالد ترامب بانسحاب القوات الأميركية من البلاد قبل تشرين الأول/أكتوبر، وتحقيق انتصار داخلي في الانتخابات النصفية المقبلة عبر الإعلان النهائي عن إنجاز خارجي هو هزيمة تنظيم "داعش" في الشرق الأوسط.
ومن المرجح أن يناقش ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين الوضع الصعب في جنوب سورية، في قمة مقررة في السادس عشر من تموز/يوليو في هلسنكي، ووفقا لأقوال العديد من المحللين الأميركيين فإن اللقاء سيتضمن حديثا عن صفقة مزعومة مع النظام السوري تم بحثها مع بعض القادة العرب، وهذه الصفقة ستسمح لدمشق، بدعم من القوة الجوية الروسية، استعادة الأراضي على طول الحدود مع الأردن والعراق والكيان الإسرائيلي المحتل مقابل موافقة الأسد على إقامة منطقة منزوعة السلاح، تكون ممتدة على طول هذه الحدود، ومحظورة على أي قوات إيرانية. وباستثناء البيت الأبيض، لا تبدو واشنطن متحمسة لمناورة ترامب المزعومة بشأن جنوب سورية، بما في ذلك وكالة المخابرات المركزية ووزارة الدفاع. وبالنسبة إلى المحافظين الجدد والفصائل القوية في مجمع المراقبة الصناعية العسكرية فإن المطلب الذي لا يمكن التراجع عنه هو تنحي الأسد عن السلطة وأنه لا يمكن تداول أي صفقة تتضمن الحديث عن مستقبل له في حكم البلاد.
وفي الواقع، لا يوجد أي شيء يمكن التداول بشأنه في الوقت الحاضر، إذ لا يمكن تقديم المزيد من التنازلات لروسيا في سورية لأنها بالفعل اللاعب الرئيسي في تقرير ما يحدث في البلاد التي مزقتها الحرب. ووفقا لآراء العديد من المراقبين، فإن الدور الروسي لا يقتصر فقط على النفوذ العسكري المتزايد وإنما عبر تنسيقها أيضا مع إيران وتركيا.
ولا عجب في أن صفقة ترامب المزعومة تم رفضها من قبل الكرملين، لكن ترامب قد يعود للتحدث عنها بصياغة مختلفة تماما في حين سيتم الحديث أمام العالم بتصريحات لها علاقة بضرورة وحدة أراضي سورية، وهكذا ستعود الحرب المأساوية في سورية إلى النقطة التي بدأت منها قبل سبع سنوات ونصف السنة لكن مع انتشار الفقر والأمراض والمزيد من التعصب الديني.
وحدد المحلل إيليا ماغنير، بعض النقاط الشائكة التي تم الاتفاق عليها بالفعل من قبل واشنطن وموسكو وبالذات في ما يتعلق بالسماح لقوات الأسد في إعادة السيطرة على الجنوب، لكن ما لم يتم التفاوض عليه حتى الآن هو رقعة مهمة جدا تقع في محافظة القنيطرة على الحدود مع الأردن وبالقرب من مرتفعات الجولان التي تحتلها إسرائيل.
ومن المتوقع أن يتضاعف الهجوم الحالي إلى درعا مع هجوم إضافي بالقرب من القاعدة الأميركية في التنف على الحدود السورية العراقية. ووفقا لما قاله المحلل بيبي أوسكابور، فإن الاهتمام الأميركي منصب على هذه المنطقة، مشيرا إلى اهتمام إسرائيل الواضح باستمرار المشاكل هناك من أجل الحفاظ على وجود أمني. وقال محللون إن الولايات المتحدة لا يمكنها كسب المعركة في جنوب سورية وإنما يمكنها إطالة الوضع لبعض الوقت، إذ لا يتجاوز التواجد العسكري الأميركي في سورية أكثر من ألفين من القوات الخاصة المتشابكة مع وحدات حماية الشعب الكردية في الشمال الشرقي وشرق سورية بالقرب من الحدود التركية والعراقية، ولذلك جاء اهتمام الإدارة الأميركية بالتوصل إلى اتفاق مع الروس، وهذا ما قد يتمكن ترامب وبوتين من التفاوض عليه في هلسنكي.
وتتجه استنتاجات مراكز البحوث ومستودعات التفكير في الولايات المتحدة إلى القول أن الحرب الكارثية في سورية تقترب من نهاية دبلوماسية غير سعيدة تتضمن اتفاقا بين الولايات المتحدة وروسيا وإسرائيل على حفظ السلطة لبشار الأسد مقابل تعهدات روسية بتقييد النفوذ الإيراني، إذ أصبح هاجس القوة الإيرانية في سورية الهدف الرئيسي الأول لإدارة ترامب في سورية بفضل الضغط الإسرائيلي وجماعات اليمين بعد أن أصبح تنظيم "داعش" لا يمثل أي تهديد حقيقي.
أرسل تعليقك