انطلقت القمة الأطلسية، صباح اليوم، في العاصمة الليتوانية بحضور أربعين من رؤساء الدول والحكومات على وقع سلسلة من التطورات المعاكسة لرغبات الكرملين، كان آخرها الضوء الأخضر التركي لانضمام السويد إلى الحلف، في الوقت الذي كانت كييف تعلن أن قواتها تحاصر مدينة ياخموت التي كانت قد سقطت منذ أسابيع بيد جماعة «فاغنر» بعد معارك طويلة وضارية.
وبينما تضع مجموعة من الدول الوازنة عسكرياً في الحلف اللمسات الأخيرة على عدد من الاتفاقات الثنائية التي تضمن لأوكرانيا تدفق السلاح الغربي المتطور ليكون رادعاً ضد أي هجوم محتمل عليها في المستقبل، توعدت رئيسة مجلس الاتحاد الروسي فالنتينا ماتفيينكو، اليوم (الثلاثاء)، «برد مناسب» من موسكو في حال صدور أي قرارات عن القمة تشكّل تهديداً لروسيا. ونقلت وكالة «سبوتنيك» الروسية للأنباء عن ماتفيينكو قولها: «إذا كانت هناك قرارات في القمة تشكل تهديداً لروسيا، فموسكو ستكون لديها ردود مناسبة»، دون ذكر تفاصيل. وأشارت رئيسة مجلس الاتحاد، الغرفة العليا بالبرلمان الروسي، إلى أن قمة «الناتو»، «لن تجلب السلام لأوكرانيا أو أي أحد آخر».
وقال بيتر سيارتو، وزير خارجية المجر، اليوم (الثلاثاء)، إن البيان الختامي لقمة الحلف لا يتضمن جدولاً زمنياً محدداً لعملية انضمام أوكرانيا إلى الحلف العسكري. وأضاف الوزير في مقطع فيديو بُثَّ على صفحته على «فيسبوك»: «في هذا الجزء من البيان الختامي للقمة، لم يَرد ذكر موعد لانضمام أوكرانيا أو جدول زمني بتواريخ محددة».
وندد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الذي توجه إلى القمة بـ«تردد» و«ضعف» الحلف على صعيد انضمام كييف إليه، معتبراً أن هذا الأمر يشجّع «الإرهاب الروسي». وكتب زيلينسكي على «تويتر»: «يبدو أنه ليست هناك أي نية لمنح أوكرانيا دعوة إلى حلف شمال الأطلسي ولا لجعلها عضواً في الحلف»، مضيفاً أنه «من العبث» ألا تحصل بلاده على جدول زمني للانضمام، مؤكداً أن هذا يشجع موسكو «على مواصلة إرهابها» في أوكرانيا. وقال أيضاً: «التردد هو ضعف».
وتابع: «يبدو أنه ليست هناك نية لمنح أوكرانيا دعوة إلى حلف شمال الأطلسي، ولا لجعلها عضواً في الحلف». وعدَّ «عدم تحديد أي جدول زمني للدعوة أو لانضمام أوكرانيا إلى الحلف هو أمر غير مسبوق وعبثي»، محذّراً من أن ذلك «يعني أن ثمة نافذة ما زالت مفتوحة للمساومة على انضمام أوكرانيا إلى الحلف، في مفاوضات مع روسيا».
وطالب زيلينسكي الذي وصل إلى فيلنيوس اليوم ومن المقرر أن يلتقي الرئيس الأميركي جو بايدن يوم غد، قادة دول الحلف الـ31 بإشارة واضحة والتزامات حيال انضمام بلاده إلى «الناتو» مستقبلاً. وقال أمس: «أوكرانيا تستحق أن تكون عضواً في التحالف. ليس الآن لأننا في حالة حرب؛ لكننا بحاجة إلى إشارة واضحة، وهذه الإشارة ضرورية الآن».
وعلى الرغم من أن كثيراً من دول الحلف تؤيد انضمام أوكرانيا إلى صفوفه، فإن الأعضاء يقرّون باستحالة المضي في ذلك، ما لم تضع الحرب مع روسيا أوزارها؛ إذ إن ضمّ كييف إلى الحلف الآن يعني فتح المجال أمام نزاع شامل. وتنصّ قوانين الحلف على أن الاعتداء على أي من أعضائه هو اعتداء على جميعهم، ويستدعي بالتالي تدخلاً عسكرياً. وقال الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرغ، اليوم، إن قادة الدول الأعضاء سيوجّهون رسالة «واضحة وإيجابية» إلى أوكرانيا حول انضمامها. وأعلن البيت الأبيض، في وقت سابق اليوم، أن الحلف سيعرض مساراً يتيح في نهاية المطاف انضمام أوكرانيا إلى صفوفه؛ لكن من دون تحديد «جدول زمني» لذلك.
ورغم الارتياح الذي بدا على لأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ، الثلاثاء، عشيّة القمة عندما أعلن أن رفع الفيتو التركي على انضمام السويد سيعزز وحدة الصف بين الدول الأعضاء في هذه المرحلة الحساسة، ما زالت المواقف على تباعد بشأن صيغة الدعم الأطلسي لأوكرانيا ومداه الزمني، والرسالة التي من المنتظر أن تصدر غداً في ختام القمة.
وقال ستولتنبرغ، الثلاثاء، إن قادة القمة سيوجّهون رسالة «واضحة» و«إيجابية» إلى أوكرانيا حول انضمامها إلى الحلف. وأوضح ستولتنبرغ في اليوم الأول من قمة زعماء الدول الـ31 في هذا التكتل العسكري: «سنوجّه رسالة واضحة، رسالة إيجابية حول المسار الذي سنمضي فيه. سيُنشر نص البيان للجمهور في الساعات المقبلة».
وقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، اليوم (الثلاثاء)، إن بلاده تتخذ الإجراءات «المناسبة» في الوقت المناسب رداً على احتمال انضمام السويد وأوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي. وفي كلمته التي تتزامن مع اليوم الأول من قمة الحلف في فيلنيوس، قال لافروف إن روسيا ستحمي «مصالحها الأمنية المشروعة». ولم يُدلِ لافروف بمزيد من التفاصيل.
كانت فيلنيوس قد تحوّلت منذ أيام إلى قلعة منيعة شارك في تحصينها عدد من الدول الأعضاء، مثل ألمانيا التي نشرت في محيط المطار بطاريات لصواريخ باتريوت موجَّهة نحو روسيا وبيلاروسيا، وفرنسا التي نصبت مدافع «سيزار» بعيدة المدى حول العاصمة، وبريطانيا وإسبانيا وبولندا التي أرسلت طائرات مقاتلة ودفاعات ضد المسيّرات، فضلاً عن عدة فرق من القوات المجوقلة المتخصصة في مكافحة الأخطار الكيميائية والبيولوجية والنووية.
في غضون ذلك تقود الولايات المتحدة جهوداً تشارك فيها فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة لتوقيع اتفاقات ثنائية، أو جماعية، مع أوكرانيا، تضمن لها الاستمرار في الحصول على الدعم الحربي، يمكن إبرامها على هامش القمة، على أن يتمّ توسيعها لاحقاً لتشمل مجموعة الدول الصناعية السبع.
الانطباع السائد بين خبراء الوفود المشاركة في القمة ليس فحسب أن أوكرانيا ليست جاهزة للانضمام إلى الحلف الأطلسي، كما قال صراحةً الرئيس الأميركي جو بايدن عشية سفره إلى أوروبا نهاية الأسبوع الماضي، وأن انضمامها في هذا الوقت بالذات سيكون بمثابة إعلان للحرب من الحلف الأطلسي على روسيا... بل إن هذا الانضمام، أو طبيعة العلاقة بين الحلف وأوكرانيا في المستقبل، رهنٌ بالصيغة التي ستستقر عليها نهاية الحرب والمفاوضات التي من المفترض أن تؤدي إليها. وقد بات من الواضح أيضاً أن زيلينسكي قد استوعب هذا الوضع عندما صرّح مؤخراً خلال اجتماعه برئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، بقوله: «نريد من القمة رسالة واضحة بأن لأوكرانيا الحق في أن تكون عضواً في الحلف الأطلسي بعد الحرب»، ما يدلّ على أنه أصبح مكتفياً بوعد يذهب أبعد من بيان الترحيب الذي صدر عن قمة بوخارست في عام 2008، وتعهدات تضمن له استمرار تدفق المساعدات الحربية من الحلفاء.
الأمين العام للحلف شدّد من جهته على أن الرسالة التي يجب أن تصدر عن هذه القمة يجب أن تعكس وحدة الصف الأطلسي، وأن الدعم لأوكرانيا لا يحمل تاريخ صلاحية. ويقول ستولتنبرغ إن الظروف الاستثنائية تقتضي جرأة في القرارات، وإنه يجب عدم إعطاء موسكو فرصة الرهان على نفاد صبر الغرب.
الولايات المتحدة وألمانيا تقودان مجموعة من الدول التي لا تحبّذ تضمين البيان الختامي تعهدات محددة جداً بالنسبة إلى الضمانات التي ستعطى لأوكرانيا، وتفضّل التركيز على المساعدات الفورية. أما المملكة المتحدة، التي انضمّت إليها فرنسا مؤخراً بعد التحول الذي طرأ على موقف إيمانويل ماكرون، فهي تدفع باتجاه تمهيد الطريق أمام انضمام أوكرانيا، فيما تضغط دول البلطيق وبعض الدول الشرقية لتضمين البيان وعداً صريحاً بالانضمام وفقاً لجدول زمني واضح، وتشدد على أن دخول أوكرانيا إلى الحلف في أقرب فرصة، الآن أو عند التوصل إلى وقف لإطلاق النار، سيكون مكسباً للجميع بعد المقاومة الباسلة التي أبدتها القوات الأوكرانية في وجه الغزو الروسي.
قد يهمك أيضــــــــــــــــًا :
أرسل تعليقك