أكدت المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة، أن الآلاف من النازحين العراقيين من مدينة الموصل لا يزالون يعانون من الصدمات النفسية الحادة والانهيار العصبي رغم مرور أسابيع على استعادة المدينة من تنظيم "داعش" ، وذلك بسبب ما تعرضوا له من عنف ومعاناة خلال 3 سنوات تحت سيطرة التنظيم. وأفادت المنظمة في بيان لها اليوم الثلاثاء، بأن غالبية المتضررين هم من الأطفال الذين يحتاجون لعلاج نفسي طويل الأمد، مبينة أنها قدمت منذ نوفمبر الماضي الدعم والعلاج النفسي والجلسات المتخصصة لنحو 24 ألف نازح من الموصل والمناطق المحيطة بها.
وقالت إنها "أنشأت خلال السنوات الثلاث الماضية 6 مراكز للعلاج النفسي في مخيمات النازحين ، إضافة إلى فرق متنقلة لعلاج المشردين خارج المخيمات ، إلى جانب تنظيم أنشطة علاجية نفسية واجتماعية وترفيهية وورش فنية ولغوية لدعم النازحين ، وجلسات العلاج الفردي للحالات العميقة والحادة".
هذا وفتحت منظمة "أطباء بلا حدود" عيادة في مخيم عامرية الفلوجة، حيث يعالج فريقٌ الإصابات الجسدية وفريقٌ آخر يتولى علاج الندبات النفسية. وقالت ميليسا روبيكون الأخصائية النفسة في أطباء بلا حدود ومديرة الصحة النفسية في مخيم عامرية الفلوجة: "على مدى سنوات عديدة عايش العراقيون أحداثاً مؤلمة. وعندما يحكون لنا قصصهم، غالباً ما يبدؤون من سنة 2003، فمن حينها مازالوا يعيشون في عنف ونزاعات مستمرة.
وشهد الكثيرون منهم موت أفراد من أسرهم بطرق عنيفة وعاشوا في خوف دائم على حياتهم، وبقوا عالقين في منازلهم بدون ما يكفي من طعام، غير قادرين على إسكات جوع وبكاء أطفالهم . يبدو الوضع وكأنه كابوس لا ينتهي. فبالرغم من أنه يفترض أن يكونوا في مأمن حال وصولهم إلى مخيمات النازحين إلا أن مصيرهم يبقى مبهَماً، والحياة في المخيمات صعبة إذ يقاسي فيها الناس البرد والحر، إضافة إلى عدم وجود عمل وعدم إمكانية العودة إلى بيوتهم، وكثيرون لم يبقَ لديهم بيوت حيث تدمرت خلال المعارك.
الطفل رسول الذي يبلغ من العمر ثمانية أعوام، هو في الأصل من الفلوجة ويعيش الآن في مخيم عامرية الفلوجة مع أهله. قبل أسبوع من الآن تعرض لإصابة خطرة لكنها شائعة. ويقول رسول: "كان أبي يملأ المدفأة بالوقود لكن النار امتدت إلى خارجها. كنت ألعب بالقرب منها وأحرق اللهب كلا ساقيَّ". وبعد أن أمضى ثمانية أيام في المستشفى، يرغب رسول في المغادرة.
ويقول: إن "تنظيف الجرح وتبديل الضماد مؤلم جداً. والجو هنا ممل وأريد العودة إلى البيت". لم ير رسول منزله الحقيقي منذ نحو عام، فعندما تصاعدت حدة القتال في الفلوجة، اضطروا إلى الخروج. وتقول والدته بشرى: "تركنا كل شيء هناك، ولا أعرف ماذا حل ببيتنا وبأغراضنا فالعودة إلى حيِّنا غير ممكنة، وأعتقد أن الجيش هناك يقوم بتنظيفه من المتفجرات".
وتشتت أسرة بشرى بفعل النزاع، "قُتل عمي وابن عمي في الحرب. وأخواتي وإخوتي مع أسرهم موزَّعون في مخيمات مختلفة، بعضهم قرب بغداد وبعضهم في كردستان، كنا نلتقي ونرى بعضنا كثيراً أما الآن فبالكاد أستطيع الاتصال بهم". العنف والنزوح والفِراق هي بعض من المسببات العديدة التي تؤدي إلى مشاكل في الصحة النفسية، حسب الأخصائية النفسية في أطباء بلا حدود، ميليسا روبيكون. "يُؤثر الوضع على الجميع، لكن بطرق مختلفة. فالمرضى الذكور يشتكون من الشعور بعدم الفائدة وعدم الأهمية، ويزعجهم أنهم غير قادرين على تأمين معيشة عائلاتهم وأحياناً يعبرون عن توترهم النفسي من خلال التصرف بعدوانية".
أما النساء فأكثر ما يؤثر فيهن هو تمزق النسيج الاجتماعي بسبب سنوات الحرب الطويلة، حسب ميليسا، بينما يشكل النزوح مشقة خاصة للنساء. "النساء اللاتي يعشن هنا بدون أزواجهن يصبحن معزولات جداً إذ لا يمكنهن السير في المخيم وحدهن". أما الأطفال واليافعون فيعتبرون فئة هشة بشكل خاص، كما تقول الأخصائية النفسية. إذ يمكن للأذى النفسي أن يترك أثراً كبيراً على تطورهم على المدى الطويل وعلى أدائهم ، ما يتسبب أحياناً مشاكل ذات صلة بالعواطف القوية أو صعوبات في التعلم أو سلوكيات تشكل خطراً على صحتهم.
وأضاف: قد يدوم الأثر لسنوات عديدة، لأن الأطفال واليافعين لا يستطيعون طلب المساعدة بأنفسهم، فنحاول أن نصل إليهم من خلال موظفينا المجتمعيين الذين يزورون المدارس والأماكن التي يذهب إليها الأطفال في المخيمات. نعمل أيضاً مع الأهالي لتعزيز وعيهم بأعراض الأذى النفسي لدى الأطفال".
تعتبر عيادة أطباء بلا حدود في مخيم عامرية الفلوجة واحدة من المرافق الصحية القليلة في محافظة الأنبار التي تقدم المشورة والعلاج النفسي لحالات الصحة النفسية المتوسطة والشديدة، إضافة إلى أنشطتها الطبية. إن احتياجات الناس للرعاية الصحية النفسية هائلة، مع ذلك هناك إهمال لمحافظة الأنبار مع تركيز معظم الاهتمام حالياً على الموصل. لكن سكان الأنبار عانوا في السنوات الأخيرة كما سكان الموصل من العنف الشديد، ما ترك الآلاف من الناس يعانون من ندبات جسدية ونفسية.
وتقول ميليسا: "تبدو الحاجة إلى دعم الصحة النفسية واضحة عندما أرى أعداد المرضى وحِدَّة حالاتهم. إلا أن هنالك الكثير من التحديات بما في ذلك وصمة العار التي تلحق بالمرض النفسي. كثيرون ممن يمكن أن يستفيدوا من العلاج لا يأتون خوفاً مما قد يظنه المجتمع بهم. هنالك أيضاً نقص في الأطباء النفسيين والأخصائيين النفسيين في العراق، لذلك نستثمر الكثير من الجهد في تدريب كوادرنا العراقية المحلية، ومنهم من يكون لديه حالة نفسية يحتاج إلى التعامل معها، فهم من نفس المنطقة وقد مرَّوا بأمور مماثلة للتي مر بها المرضى".
أرسل تعليقك