يفصل نحو 1 كلم فقط جهاز مكافحة التطرف العراقي عن جامع النوري في المدينة القديمة في أيمن الموصل، فيما تدور ومنذ أسابيع معارك عنيفة في "حي الشفاء" الذي استعادت القوات العراقية نحو ثلث مساحته، بينما بدأت بشن هجوم قبل يومين على المدينة القديمة، وهما آخر معاقل التنظيم في المدينة بعد أكثر من سبعة أشهر من المعارك العنيفة. يأتي هذا في وقت يعاود تنظيم "داعش" المتطرف هيكلة عناصره شمال المحافظة، بعد ان عملت القوات الامنية وقطعات الحشد الشعبي على تفكيك خلاياه خلال تحرير ناحية جرف النصر عام 2014.
وكشف مصدر أمني في محافظة بابل في حديث صحفي ، ان "تنظيم داعش يحاول اعادة ترتيب اوراقه في "كتائب محمد الفاتح"، و"عمر الفاروق"، و"ابراهيم الادهم" و"الفتح المبين" التابعة الى ما يعرف بولاية الجنوب"، مشيراً الى ان "مناطق جبلة والشاخات والخربانة ومويلحة تشكل حواضن مهمة لعناصر التنظيم". وأضاف المصدر ان "نجاح القوات الامنية في تفكيك ولايات الانبار ونينوى ودجلة دفع بقيادات التنظيم المتطرف الى التفكير بإعادة هيكلة ولايتي الجنوب والجزيرة لتنفيذ عمليات ارهابية في المناطق التي تشهد استقرارا امنيا".
ولفت المصدر الى ان "الاجهزة المعلوماتية في المحافظة تحاول اجهاض المشاريع المتطرفة عبر متابعة هذه الخلايا التي يتركز عملها في الوقت الحالي على توزيع الرواتب الشهرية او ما يعرف بالكفالات المالية، فضلا عن عمليات استطلاعية في محيط المناطق التي يتنقلون في محيطها". واشار الى "وجود تعاون متذبذب من قبل شيوخ العشائر والمصادر المعتمدة من قبل مفارز استخبارات وتحقيقات المحافظة وذلك لتحجيم عمل هذه الخلايا ومتابعة خططها واهدافها ومن ثم اعتقالها في الوقت الذي تجده الاجهزة الامنية مناسباً".
وفي الموصل حيث تدور اشتباكات عنيفة، لاتزال القوات العراقية تواجه صعوبات في عملية اقتحام المجمع الطبي في حي الشفاء في الساحل الأيمن للموصل. وقال مصدر أمني ،اليوم الاثنين، وهو أحد القادة الميدانيين للقوات التي تقف على مشارف المجمع للصحفيين: "لازلنا نجد صعوبة في اقتحام المجمع الطبي في حي الشفاء بسبب القنص من داخل المستشفى الجمهوري صوب القوات المقتحمة من جهة الزنجلي غرب المجمع الطبي". وأضاف أن "قوات التدخل السريع الآتية من حي النجار شمال المجمع الطبي لا تزال تسيطر على مستشفى بن سينا". ولفت المصدر إلى أن "قطعات الشرطة الاتحادية في الفرقة الخامسة تطهر مبنى مديرية المعلومات والإطفاء في منطقة رأس الجادة غربي الموصل والتي سبق وأن سيطرت عليها امس".
وأعلن مصدر مطلع ان "قوات الجهاز تواصل تقدمها في عمق شارع الفاروق بالمنطقة القديمة وتوغلت نحو 250 متر حتى الان". واضاف المصدر ان "القوات اصبحت تبعد نحو 1 كلم عن المنارة الحدباء الاثرية وجامع النوري في المدينة القديمة بايمن الموصل". وكشف الضابط عن ان "قائد المهام الخاصة الثانية معن السعدي هو وفرقته سيتولون تحرير المنارة والجامع".
وقال صحفيون من "رويترز" قرب خط المواجهة، إن كثافة القتال تراجعت عن يوم الأحد عندما أعلنت القوات العراقية بدء الهجوم على المدينة القديمة. ويدافع مقاتلو تنظيم "داعش" عن معقلهم المتبقي في المدينة القديمة في الموصل ويتحركون خلسة عبر أزقة خلفية ضيقة ويتنقلون من منزل إلى آخر عن طريق فتحات في الجدران مع تقدم الجيش العراقي المدعوم من الولايات المتحدة ببطء.
وأكد الفريق عبد الغني الأسدي قائد قوات جهاز مكافحة الإرهاب التي تقود الهجوم أن "هذا هو الفصل الأخير" في الحملة لاستعادة الموصل. وقال الفريق الركن سامي العارضي قائد قوات النخبة الثانية في قوات مكافحة الإرهاب التي تقود القتال شمال المدينة القديمة إن المتشددين يتحركون من منزل إلى آخر عبر فتحات في الجدران لتجنب المراقبة الجوية. وأضاف للتلفزيون العراقي أن القتال الآن يدور من منزل لآخر داخل أزقة خلفية ضيقة ووصف المهمة بأنها ليست سهلة.
وتشير تقديرات الجيش العراقي إلى أن عدد مقاتلي التنظيم المتشدد لا يزيد عن 300 انخفاضا من نحو ستة آلاف مقاتل في المدينة عندما بدأت حملة الموصل يوم 17 أكتوبر تشرين الأول. وهناك أكثر من مئة ألف مدني محاصرون في أزقة المدينة الضيقة دون ما يكفي من الغذاء والمياه والرعاية الصحية.
وحذرت منظمة "أنقذوا الأطفال" في بيان من أن "ما يقدر بخمسين ألف طفل في خطر داهم مع دخول القتال في الموصل ما يحتمل أن تكون أكثر مراحله فتكا حتى الآن". وكانت الحكومة العراقية تأمل في البداية أن تستعيد الموصل بنهاية 2016 لكن الحملة استغرقت وقتا أطول مع تعزيز المتشددين مواقعهم بين المدنيين في محاولة للرد على القوات الحكومية. ويستخدم تنظيم داعش السيارات والدراجات النارية الملغومة والشراك الخداعية ونيران القناصة والمورتر لمواجهة القوات العراقية.
وقتل مئات المدنيين قرب خطوط القتال الأمامية في الأسابيع الثلاثة الماضية بينما كانوا يفرون من المدينة القديمة إذ لم تتمكن القوات العراقية من تأمين ممرات خروج لهم. وقالت الأمم المتحدة يوم الجمعة إن قناصة من داعش يطلقون النار على عائلات تحاول الفرار سيرا على الأقدام أو بالقوارب عبر نهر دجلة ضمن تكتيك للإبقاء على المدنيين كدروع بشرية. وتقول منظمات إغاثة إن قرابة 850 ألفا، وهو ما يزيد على ثلث سكان الموصل قبل الحرب، فروا من المدينة ويعيشون في مخيمات للنازحين أو لدى أصدقاء أو أقارب لهم.
أرسل تعليقك