مدريد - منيب سعادة
وقعت حكومة كاتالونيا مساء يوم أمس الأربعاء مرسومًا بالدعوة إلى استفتاء على تقرير المصير في الأول من شهر تشرين أول/أكتوبر في المنطقة الواقعة في شمال شرق إسبانيا، بحسب ما أعلن متحدث باسم الحكومة، ومن شأن المرسوم أن يثير أزمة خطيرة مع السلطات المركزية في مدريد، من كل أعضاء الحكومة لإظهار وحدتها في مواجهة الملاحقات القضائية التي يمكن أن يتعرّض لها أعضاؤها.
ودعت الحكومة التي يهيمن عليها دعاة الاستقلال لتنظيم الاستفتاء في الأول من تشرين أول/أكتوبر، بعد أن تبنّى البرلمان الإقليمي في كاتالونيا في وقت سابق، الاربعاء، قانونًا ينص على تنظيم استفتاء لتقرير المصير في هذه المنطقة، حيث أقرّ القانون بأنّ الشعب الكاتالوني "سيد قراره" وأنّ "سلطته فوق كل القواعد"، بغالبية 72 صوتًا وامتناع 11 عن التصويت، وانسحاب نواب المعارضة من القاعة، كي لا يشاركوا في التصويت باعتباره غير قانوني من وجهة نظرهم، وتركوا وراءهم أعلام كاتالونيا وإسبانيا جنبًا إلى جنب، وأنشد عقب التصويت، دعاة استقلال كاتالونيا في قاعة شبه فارغة النشيد الكاتالوني وسط التصفيق، إثر جلسة صاخبة استمرت نحو 11 ساعة حاولت خلالها المعارضة كبح جماح دعاة الاستقلال الذين يملكون الأغلبية في البرلمان منذ ايلول/سبتمبر 2015.
وكانت الحكومة الإسبانية طلبت من المحكمة الدستورية، الأربعاء، الغاء التصويت في البرلمان الكاتالوني على مشروع قانون يحدّد أسس الاستفتاء حول استقلال الإقليم عن إسبانيا، ويأتي توقيت المواجهة التي تلوح في الأفق بعد ثلاثة أسابيع من هجمات شنّها جهاديون أدّت إلى مقتل 16 شخصًا وجرح أكثر من 120 آخرين، في برشلونة عاصمة إقليم كاتالونيا، في منتجع بحري في بلدة كامبريلس الساحلية القريبة، وشهدت إسبانيا معها أسوء أزماتها السياسية خلال 40 عامًا.
وصرّحت نائب رئيس الحكومة سورايا ساينز دي سانتاماريا في مؤتمر صحافي، يوم أمس الأربعاء، بأنّ ما يحدث "هو انقلاب مناف للديمقراطية"، مضيفةً أنّ "من يقودون برلمان والحكومة كاتالونيا يقتربون أكثر من الأنظمة الدكتاتورية منهم من الديمقراطية" معلنةً أنّ الحكومة الإسبانية "طلبت من المحكمة الدستورية إعلان بطلان الإجراءات" التي وافق عليها البرلمان الكاتالوني، وقد أخذ رئيس إقليم كاتالونيا كارلس بويغديمونت على نائب رئيس الحكومة الإسبانية لجوءها إلى "التهديد والشتم لكافة الكاتالونيين الذين يريدون التصويت" في الاستفتاء.
ويريد دعاة الاستقلال استفتاء سكان المنطقة البالغ عددهم 7.5 ملايين نسمة، ما يعادل 16% من سكان اسبانيا، لتحديد ما إذا كان يجب أن تتحول إلى "دولة مستقلة بنظام جمهوري" ومغادرة المملكة الإسبانية بعد أربعين عامًا من استعادة الديمقراطية في البلاد، وفي حال فاز دعاة الاستقلال في الاستفتاء فإنّ هذه المنطقة التي تبلغ مساحتها مساحة بلجيكا وتمثل 10% من إجمالي الناتج الإسباني، ستسعى للانفصال عن مملكة إسبانيا دون توافق ثنائي، ونددت المعارضة في برلمان كاتالونيا بمناقشة مشروع قانون الاستفتاء "بشكل عاجل" دون إمكانية لجوء أمام الجهاز المكلّف مراقبة صحة القوانين قبل تبنيها.
وتشهد كاتالونيا تناميًا للمشاعر الانفصالية غذّتها الأزمة، بالإضافة إلى الشعور بسوء المعاملة من الدولة المركزية، واندلعت الأزمة عام 2010 مع إلغاء المحكمة الدستورية "وضع الحكم الذاتي في كاتالونيا" بطلب من رئيس الحكومة ماريانو راخوي، وكان قانون تبناه البرلمان الإسباني في 2006 نصّ على أنّ كاتالونيا "أمّة" داخل الدولة الإسبانية وعلى منحها سلطات موسعة، وبعد فوزهم في الانتخابات المحلية في أيلول/سبتمبر 2015، وعد دعاة الانفصال بقيادة الإقليم إلى الاستقلال، ومرّ عامان دون تطوّر يذكر في معسكر راخوي. ومع عرضه "الحوار" والاستثمارات فإنّه لم يغيّر موقفه من طلب تنظيم استفتاء وتعزيز صلاحيات سلطات الإقليم، وبدأ قسم من الرأي العام الإقليمي يشعر بالملل من هذا الجدل، حيث عبّر أكثر من 70% من الكاتالونيين عن رغبتهم في تنظيم استفتاء لتسوية الأمر.
ويُشار إلى أنّ الاتحاد الأوروبي يتابع الوضع مؤكّدًا بأنّه لن يعترف بدولة كاتالونيا، ووعدت الحكومة الإسبانية بأنّه لن يتم التصويت في الأول من تشرين الأول/أكتوبر دون أن تكشف خططها.
وتعدّ قضية انفصال كتالونيا "مثار جدل وخلاف كبير" منذ سنوات بين الإقليم ومدريد إذ أجهضت الأخيرة العديد من المحاولات من جانب الإقليم للانفصال، وكان أكثر من 80% ممن شاركوا في استفتاء رمزي عقد قبل نحو 3 أعوام، قد صوتوا لصالح الانفصال، علمًا بأن 2.3 مليون شخص من أصل 5.4 مليون لهم حق التصويت هم من شاركوا آنذاك، وفقًا لـ"ذا غارديان"، لكن الحكومة الكتالونية تصرّ على أنّ نتائج الاستفتاء المقرّر إجرائه في تشرين أول/أكتوبر المقبل ستكون ملزمة.
ويتمتع الإقليم بأوسع تدابير للحكم الذاتي بين أقاليم إسبانيا، ويأتي ترتيبه السابع من حيث المساحة التي تبلغ 32.1 ألف كلم، ويضم 946 بلدية موزعة على أربع مقاطعات هي برشلونة وغرندة ولاردة وطرغونة.
ويتحدّث سكان الإقليم لغة خاصة وثقافة تنفرد بها تجعلهم يشعرون بهوية مختلفة عن باقي أنحاء إسبانيا، ما غذى فكرة الاستقلال، فالكتالانية هي لغة كتالونيا وتسمى بالعربية اللغة القطلونية، وتعتبر اللغة الرسمية في الإقليم، وتتحدثها أيضًا مناطق عدة أخرى في إسبانيا، إضافة إلى البرانس الشرقية في فرنسا ومدينة ألغيرو الإيطالية، وتعد كتالونيا من أكثر المناطق المتطورة اقتصاديًا في إسبانيا وإحدى أهم المناطق الصناعية، حيث تقدّم نحو ثلث الإنتاج الصناعي الإسباني وتعدّ مدينة برشلونة أحد أهم الموانئ الإسبانية على البحر المتوسط، وإحدى أهم نقاط الاتصال مع العالم الخارجي عبر مطارها الدولي الحديث.
أرسل تعليقك