أعدم تنظيم داعش المدنيين بسبب "الشعوذة "وإهانة الذات الإلهية" في أحدث المعاقل داخل ليبيـا ، حيثا استغلت الجماعة حالة الفوضي العارمة التي تجتاح البلاد جراء الحرب الأهلية ونجحت في السيطرة علي ما يزيد عن 120 ميل من ساحل البحر الأبيض المتوسط يقع أغلبها حول مدينة سرت Sirte حينما استولى المتشددون علي السلطة العام الماضي.
وتحول مسقط رأس الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي إلى مسرح للقمع وتنفيذ الأعمال الوحشية التي تمارسها الجماعة المتطرفة في سورية والعراق، وتترك الجثث معلقة أو " مصلوبة " في الشوارع أمام المواطنين، ووجدت إحدي التقارير الصادرة عن منظمة هيومن رايتس ووتش "HRW" بأن ما لا يقل عن 49 شخصًا قد جري إعدامهم منذ شباط / فبراير لعام 2015 بما فيهم المعارضين السياسيين والمدنيين، مع قطع رؤوس الأسرى أو إطلاق النار عليهم.
وفي مقابلة أجريت من قبل المنظمة مع إحدي السيدات والبالغة من العمر 30 عامًا، فقد أجهشت في البكاء بينما تكشف عن كيفية محاصرة عائلتها تحت حكم تنظيم داعش. وقالت أحلام بأن الحياة في مدينة سرت أصبحت لا تحتمل والجميع بشعر بالخوف في ظل قتل أناس أبرياء.وأضافت أحلام بأنه لا توجد محال للبقالة وخلت المستشفيات من الأطباء والممرضات، فضلاً عن عدم وجود أدوية وإنتشار العملاء السريين في كافة الشوارع. فأغلب سكان المدينة لاذوا بالفرار وتركوها، إلا أنها وعائلتها لا يزالوا محاصرين ولا يملكون ما يكفي من المال للهرب، وتعتبر المدينة أكبر معاقل تنظيم داعش خارج العراق وسورية، حيث يسيطر المسلحين علي الميناء والقاعدة الجوية ومحطة الطاقة الرئيسية إضافةً إلي محطة الإذاعة جنبًا إلى جنب مع كافة مكاتب الحكومة المحلية والموارد المالية.
وبدأ تقدم الجماعة المتطرفة في تشرين الأول / اكتوبر من عام 2014. ومنذ ذلك الوقت سيطر الجهاديين علي مساحاتٍ كبيرة من شمال ليبيـا، وهو ما دفع الولايات المتحدة إلى تنفيذ غاراتٍ جوية، مع قيام بريطانيـا بنشر قوات من العمليات الخاصة في ظل إستمرار حالة الفوضي عقب الإطاحة بالزعيم القذافي في عام 2011 من قبل حلف شمال الأطلسي.
ووصف ما يزيد عن 40 شخصًا من سكان المدينة خلال المقابلة التي أجريت معهم كيف يتم قطع الرؤوس أمام العامة وتدلي الجثث بملابسهم البرتقالية، وكذلك خطف مقاتلين ملثمين للمواطنين من داخل منازلهم في الليل، كما أسس تنظيم داعش أيضًا " شرطة الأخلاق " التي تجوب الشوارع في دوريات بمساعدة المخبرين لتهديد وتغريم وجلد هؤلاء الأشخاص الذين يخالفون تطبيق الشريعة الإسلامية.
وعوقب الرجال علي قيامهم بالتدخين و الإستماع إلي الموسيقي، إضافة إلي الفشل في ضمان إرتداء أقاربهم من النساء للأغطية السوداء الفضفاضة التي جعل المسلحين إرتدائها إلزامي، ويدعو الجهاديين السكان من أجل مشاهدة تنفيذ عمليات الإعدام في الساحة المركزية عبر مكبرات الصوت سواء بقطع رؤوس السجناء بالسيف أو إطلاق النار عليهم.
ومن بين هؤلاء القتلي كان أمجد بن ساسي البالغ من العمر 23 عامًا، والذي حكم عليه بالإعدام بتهمة " إهانة الذات الإلهية " خلال نزاعه مع أحد الجيران، علي الرغم من ذكر أقاربه بأن تعرضه للاضطهاد كان لولائه السابق إلي جماعة محلية من المقاتلين المحاربين لداعش والتي تتوافق مع فجر ليبيـا، وكشف أحد أقاربه بأن القاضي أراد من أمجد التوبة عن معارضة تنظيم داعش، إلا أنه وجه السباب إلي القاضي وبصق في وجهه، ليقوم المسلحين من الجماعة بإعدامه بعدها بيومين أمام العامة.
وواجه جميع الأشخاص الداعمين لمقاومة التنظيم القتل بما فيهم الإمام المحلي الذي اغتيل في آذار / مارس من عام 2015، مع قمع الانتفاضة التي إندلعت جراء الأعمال الوحشية التي يقوم بها التنظيم. كما تعرض للذبح ما لا يقل عن رجلين بتهمة " الشعوذة " في تشرين الأول /أكتوبر، في حين كان العملاء السريين المزعومين والمسؤولين المحليين والمعارضين السياسيين من بين هؤلاء القتلي أيضًا.
وجعل تنظيم داعش حضور الخمس صلوات يومياً إجباري، بينما تحول مجمع واغادوغو Ouagadougouللمؤتمرات الذي تم بناؤه لإستضافة قمم عموم إفريقيـا إبان حكم القذافي إلي موقعاً لمحاضرات الشريعة، مع إجبار الشباب من الرجال وكذلك الصبية على حضور التعليم الديني، وببلوغ الفتيات العاشرة من العمر، يتم إجبارهن علي إرتداء العباءة السوداء بالكامل وإتباع القواعد التي تنص على أنهم لا يستطيعون مغادرة المنزل من دون محرم.
وتفرض جماعة داعش ضرائب باهظة علي التجار والمزارعين، مع تشديد الرقابة علي المصارف المالية و الإتصالات، وإدارة التنظيم لمراكز إتصال، وفي الوقت نفسه خلت مستشفي مدينة سرت الرئيسية إلي حد كبير من الأطباء الذين لاذوا بالفرار.وأشار باحثون من منظمة هيومن رايتس ووتش لحقوق الإنسان بأن تنظيم داعش فشل في توفير الضروريات الأساسية للسكان المحليين، وقام بتحويل الغذاء والدواء والوقود والنقد إلى حوالي 1800 من مقاتليها وعناصر الشرطة والموظفين لديها. وقالت المنظمة بأن جرائم الحرب من قبل المتشددين وانتهاكات حقوق الإنسان في الأراضي ليبيا ربما ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية، حيث يتسبب تنظيم داعش في المعاناة حتي للمسلمين الذين يتبعون أحكامه بحسب ما تقول ليتا تايلورالباحثة البارزة في مكافحة التطرف.
ودعت منظمة هيومن رايتس ووتش جميع الأطراف في ليبيـا إلي حماية المدنيين وملاحقة تنظيم داعش وغيرها من الجماعات المسؤولة عن إرتكاب أعمالاً وحشية، كما تحث المحكمة الجنائية الدولية، ومجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة وكذلك مجلس الأمن إلي إجراء تحقيق.وتسعي بريطانيـا والولايات المتحدة و إيطاليـا إضافةً إلي فرنسـا وفق ما أشارت التقارير إلي شن حملة من الغارات الجوية ضد تنظيم داعش في ليبيـا، إلا أن النشطاء حذروا من عواقب الفشل في التحرك، فقد لاذ بالفرار ما يزيد عن ثلثي سكان مدينة سرت البالغ تعدادهم 80,000 شخص بحسب تقرير صادر من هيومن رايتس ووتش، ولكن يبقي المستقبل غامض في الوقت الذي تناضل فيه حكومة الوحدة الوطنية المدعومة دولياً للسيطرة على ليبيا من مجموعة الميليشيات المتصارعة.
وقال علي وهو الرجل الذي هرب من تنظيم داعش في مدينة سرت بأن التفاؤل كان يسود وقت سقوط نظام حكم القذافي وتسلم الثوار المدينة في تشرين الأول / اكتوبر عام 2011، إلا أن التفاؤل تلاشي مع إندلاع الفوضي وتسلل تنظيم داعش حتي نجحوا في إحكام قبضتهم علي المدينة وأصبح هناك شعور كما لو أن اللعنة أصابت الجميع.
أرسل تعليقك