إدانة جماعية أعربت عنها دول الخليج العربية كافة إزاء ما وصفتها إسرائيل بهجمات "دقيقة ومحددة" على إيران ليل الجمعة/السبت الماضي، وذلك ردا على الصواريخ التي كانت قد أطلقتها طهران على إسرائيل مطلع الشهر الحالي.
وكانت دول الخليج العربية الست قد اجتمعت في بياناتها الصادرة في هذا الصدد على نقاط عدة، من أبرزها "إدانة الهجوم العسكري الذي تعرضت له إيران، و"رفض انتهاك سيادة الدول ومخالفة القوانين والأعراف الدولية" و "رفض استمرار التصعيد في منطقة الشرق الأوسط، وتوسيع رقعة الصراع القائم".
"من حرب الظلال إلى الحرب المفتوحة"
وبينما اشتركت دول الخليج في لغة سياسية موحدة ومنحصرة في عبارات تجمع بين استنكار ورفض، اختلفت لهجة الإدانة في بياناتها، إذ جاءت البيانات السعودية والإماراتية -على سبيل المثال- أقل حدة عن غيرها من البيانات الخليجية؛ حيث لم يذكر اسم إسرائيل في بياني الدولتين، ما دفع للتساؤل عما يعنيه ذلك.
ويقول بعض المراقبين، من بينهم حسن منيمنة، الأستاذ في معهد الشرق الأوسط في واشنطن، لبي بي سي إن الموقف الخليجي الموحد هذا يشير إلى رغبة دول الخليج في ألا ينتقل الصراع طويل الأمد بين إيران وإسرائيل من ما يمكن أن يسمى "حرب الظلال" إلى "الحرب المفتوحة". فحرب الظلال، برأيه، محددة ومضبوطة، ومن مصلحة بلدان الخليج تفادي الأعمال الحربية أو صدامات أكثر شراسة.
ويضيف منيمنة أنه رغم أن حرب الظلال لا تصب إطلاقا في مصلحة الدول الخليجية، "إلا أنها تظل في إطار ضربة مقابل ضربة، أو ما يمكن أن نسميها حربا على نار خفيفة، بعكس الحرب المفتوحة. خاصةً وأن لغة التصريحات بين الطرفين تشير إلى أن أي اعتداء سيقابل برد فعل. وقد يؤدي هذا التصعيد إلى وضع يجعل الخليج هدفاً محتملاً، خصوصاً إذا تعرضت المنشآت النفطية لأضرار، وهو ما قد تلجأ إليه إيران تحديداً".
وبالنسبة إلى منيمنة أي مواجهة شاملة بين إسرائيل وإيران قد تؤثرعلى أمن وموارد الخليج، والممرات البحرية الاستراتيجية، وإمدادات النفط والغاز هناك. كما أن التبعات الناجمة عن استمرار هذه المواجهات ربما تشمل أضراراً كبيرة على دول الخليج من بينها الإضرار بالمنشآت الاقتصادية والأمريكية الموجودة في هذه الدول حال نفذت طهران ضربات عليها سواء عبر مؤسساتها العسكرية أو أذرعها في المنطقة.
وبالتالي، لا يرى منيمنة مفاجأة في الإدانة الخليجية الجماعية هذه.
وتعليقا على اختلاف لهجة الإدانة في البيانات الخليجية الصادرة عقب الضربة الإسرائيلية ضد إيران، يعزو منيمنة التفاوت هذا إلى موقف كل دولة خليجية إزاء إسرائيل. فبنظره، يبدو الموقف السعودي في حالة "امتعاض" من الهجمات الإسرائيلية ضد إيران. أما الموقف الإماراتي، فينم عن "الانسجام مع المصلحة الخليجية العامة"، لكنه في الوقت ذاته يشير إلى الرغبة الإماراتية في البقاء على الخطوط مفتوحة مع إسرائيل وعدم الرغبة في تعريض منشآتها للخطر.
ويشير منيمنة في هذا الصدد إلى خشية الإمارات من احتمالية استهداف إيران لخط الإمداد البري، الذي كشفت بعض التقارير الإسرائيلية النقاب عنه العام الماضي، وهو يهدف إلى نقل البضائع من الخليج عبر السعودية والأردن إلى إسرائيل مروراً بالبحر الأحمر.
أما عن البحرين، فيقول منيمنة إنها قد تتضرر أيضا من تبعات التصعيد الإيراني الإسرائيلي وذلك نظراً لأنها حاضنة للـ"أسطول الخامس" وهو أسطول أمريكي تتركز منطقة نشاطه من البحر الأحمر إلى الخليج.
يقول منيمنة: "هذا التفاوت في لهجة الإدانة لا يعكس اختلافاً في الرؤى، بل يشير إلى توافق على ضرورة الاستقرار."
دبلوماسية إيرانية "ديناميكية"
الدكتور فواز جرجس أستاذ العلاقات الدولية في كلية لندن أشاد بالجولة الإقليمية الأخيرة التي بدأها وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي من السعودية قبل أسبوعين، وشملت كل من قطر والعراق ولبنان ومصر، قائلا إنها توضح مدى "التغير" الذي طرأ على الدبلوماسية الإيرانية منذ عقود، واصفا إياها بالأكثر "حيوية وديناميكية".
وكان عراقجي قد التقى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى جانب عدد من الوزراء السعوديين في إطار زيارته إلى الرياض في التاسع من أكتوبر تشرين الأول الجاري.
يقول جرجس: "هذه الزيارات المكوكية لوزير الخارجية الإيراني قبل الهجمات الإسرائيلية على إيران، أظهرت أن إيران بدأت تأخذ دول الجوار مأخذ الجد، فهي لم تكن زيارات استعراضية، بل كانت زيارات نجحت في أن تدخل في عمق العلاقات العربية".
وفي 2 من أكتوبر /تشرين الأول، كان وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، قد التقى الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، في العاصمة القطرية الدوحة، وأعرب بزشكيان للأمير فيصل عن "ارتياحه للعلاقات المتنامية بين إيران والسعودية"، مؤكداً "حرص إيران على توسيع التعاون مع السعودية في كافة المجالات"، وفقا لوكالة الأنباء الإيرانية الرسمية (إرنا). وفي اللقاء ذاته، قال بزشكيان إن بلاده تعتبر الدول الإسلامية، بما فيها السعودية "إخواننا" مؤكداً على "ضرورة نبذ الخلافات في الرأي".
يشير جرجس إلى أن مثل هذه الزيارات تعكس إمكانية تطبيع العلاقات بين إيران ودول الجوار، وإن كان ذلك يتطلب جهدًا أكبر من جانب إيران. ومع ذلك، يرى جرجس أن الإدانات الخليجية لاتزال تشير إلى رغبة دول الخليج في كبح توسع النفوذ الإيراني، مع تجنب اندلاع حرب مفتوحة بين إيران وإسرائيل. وقد تجلّى ذلك في دور دول الخليج المحوري في محاولة إقناع الولايات المتحدة بالضغط على إسرائيل لتجنب استهداف المنشآت النفطية أو الغازية في إيران.
وأشار جرجس إلى أن إسرائيل لم تستطع استخدام الأجواء الجوية لكل من الأردن أو السعودية أو البحرين أوالإمارات أثناء هجومها على إيران، إلا أنها استخدمت الأجواء العراقية.
وكانت الحكومة العراقية قد تقدمت رسميا بمذكرة احتجاج إلى الأمين العام للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، وذلك جراء ما وصفته بـ "خرق" إسرائيل للمجال الجوي العراقي، واستخدامه للهجوم على إيران.
ويعلّق جرجس هو أيضا على عدم ذكر اسم إسرائيل في إدانات السعودية والإمارات رغم وضوحها. ويعزو جرجس ذلك إلى تطبيع العلاقات بين الإمارات وإسرائيل في عام 2020، وإلى الأحاديث عن مفاوضات بين الرياض وإسرائيل في هذا السياق، حيث "لا ترغب السعودية في استعداء إسرائيل."
قد يهمك أيضــــاً:
مجلس التعاون لدول الخليج يتضامّن مع مصر ضد تصريحات نتنياهو بشأن محور فيلادلفيا
مجلس التعاون الخليجي يؤكد موقفه الثابت من مغربية الصحراء
أرسل تعليقك