دمشق - جورج الشامي
قال مركز توثيق الانتهاكات في سورية أن سجن "عدرا" المركزي للنساء أصبح أشبه "بفرع أمني" آخر، لاسيما فيما يتعلق بالممارسات التي تتعرض لها المعتقلات من جهة، ونظرًا لسوء الأوضاع الصحية، وقلة الغذاء وسواها من جهة أخرى. ويقع هذا السجن في مدينة عدرا، التابعة لمحافظة ريف دمشق، وهو إلى جانب سجن الرجال من الناحية الجنوب شرقية، وقد شهد هذا السجن أحداثًا متسارعة خلال
الفترة الأخيرة، كان آخرها تنفيذ الإضراب المفتوح عن الطعام من قبل المعتقلات، قبل أسابيع، للمطالبة بتحسين ظروف الاعتقال، والإسراع في العرض على المحاكم.
وينقسم سجن عدرا للنساء إلى قسم جنائي، يختص بالتهم الجنائية المختلفة، وقسم سياسي، وهو ينقسم بدوره إلى جناحين، الأول هو جناح الإيداع، ويضم المعتقلات كافة اللواتي يتمّ تحويلهن من الأفرع الأمنية المختلفة، ويبلغ عدد المعتقلات فيه حوالي 140 معتقلة، وهذا العدد قابل للزيادة والنقصان، بحسب عدد المعتقلات اللواتي يتمّ تحويلهنّ يوميًا من الأفرع الأمنية، أو اللاتي يتم تحويلهن إلى جناح التوقيف، أما الجناحالثاني فهو جناح التوقيف، ويضمّ في الوقت الراهن أكثر من 40 معتقلة، وتنقل إليه المعتقلات اللواتي تمّ عرضهنّ على القضاء، والرقم في تزايد مستمر، نتيجة للعدد الكبير، الذي يتمّ تحويله إلى القضاء، من الأفرع والأجهزة الأمنية المختلفة.
ويضم القسم الجنائي أيضًا عددًا من المعتقلات السياسيات، كما أكدّ أحد المحامين، حيث قال أنه صادف أكثر من عشر حالات، لمعتقلات تم اعتقالهن من قبل الأفرع الأمنية، على خلفية المشاركة بنشاطات الثورة، أو على خلفيات سياسية، وتمّ إيداعهنّ في القسم الجنائي، ليتمّ لاحقًا تحويلهن للمحاكمات الجنائية، وبتهم جنائية بحتة، كالدعارة والسرقة والتعاطي.
وقالت إحدى المعتقلات، في حديث إلى "مركز توثيق الانتهاكات في سورية"، أنّه "بعد أن تمّ تحويلها من فرع سرية المداهمة 215، والتابع لشعبة المخابرات العسكرية، تفاجأت بإيداعها في قسم الإيداع الجنائي، مع العشرات من السجينات، اللواتي كانت التهم الموجّهة إليهن جنائية، وعلى رأسها الدعارة، علمًا أنها اعتقلت في آذار/مارس 2013، على خلفية النشاط الإعلامي والميداني الثوري".
وأجمعت كل من قابلهن مركز توثيق الانتهاكات في سورية من معتقلات على أنّ "سجن عدرا للنساء لا يختلف كثيرًا عن أي فرع أمني آخر"، بل أنّ العديد من المعتقلات أكدّن أنه تحوّل إلى فرع أمني بحت، لاسيما قسم "الإيداع"، بعد أنّ منع الضابط المسؤول عن السجن العميد فيصل العقلة، من محافظة دير الزور، جميع الميزات، التي تتمتع بها السجون المركزية عادة، فقد منع التلفاز والراديو، والثلاجة، وشراء الخضار واللحوم، بل حتى أنه منع صناعة الأعمال اليدوية، مثل صناعة "الخرز والصوف"، ومنع إجراء المكالمات الهاتفية للمعتقلات مع ذويهم بصورة مطلقة، ومنع الأهالي من إحضار الكتب للمعتقلات، أو أي نوع من أنواع الأطعمة.
وكانت عمليات التفتيش الاستفزازية، تتم بسبب أو دونه، وفي أبشع الأساليب، حيث كان يتم جلب العديد من السجينات من "قسم الدعارة"، ويأمرهن الضابط بتفتيش أغراض المعتقلات الشخصية كافة، وقد بدأت هذه الإجراءات في آب/أغسطس 2012.
وتخضع النساء المعتقلات في سجن "عدرا" لعقوبات مختلفة، كأن توضع المعتقلة في المنفردة لفترات طويلة، أو أن يدخل عناصر السجن إلى المهجع، وينهالون بالضرب على النساء بالهراوات، ويشدونهن من شعرهن، أو يضربونهن على أقدامهم "الفلقة"، حيث قالت إحدى المعتقلات لمركز توثيق الانتهاكات في سورية "في إحدى المرات دخلت عناصر أمنية إلى قسم المهجع، وانهالت بالضرب على أكثر من 20 معتقلة بالهراوت، وتمّ أخذ إحداهنّ، حيث قاموا بنزع حجابها، وشدّها من شعرها، وأخذها إلى غرفة التعذيب، وهنالك قاموا بضربها على قدميها "الفلقة"، بقسوة بالغة، وبعد أنّ عادت لم تستطع السير على قدميها، لثلاثة أيام متتالية، حدث ذلك تحديداً في أيار/مايو الماضي"، وتتابع "وفي إحدى المرات أيضًا، وأثناء عملية التفتيش، كانت هنالك معتقلة تقوم بقراءة القرآن الكريم، ودخلوا بهمجية، بغية تفتيش المعتقلات، وحصلت مشادة كلامية بينهم وبين المعتقلة، فقاموا بالاعتداء عليها بالضرب، ودهسوا على القرآن بأقدامهم، وكانت هذه الحادثة تحديدًا في تموز/يوليو 2013، وقبل أيام قليلة من شهر رمضان المبارك".ووصفت إحدى المعتقلات ما يحدث في سجن عدرا للنساء "بالموت البطيء"، وذلك فيما يتعلق بطريقة التعامل مع المعتقلات المريضات في السجن، حيث أنّه لا يوجد في سجن عدرا للنساء أطباء مختصون لعلاج المعتقلات، رغم وجود نساء حوامل وأطفال صغار ونساء مسنات ونساء مريضات بأمراض خبيثة، وتقوم إدارة السجن بتبرير عدم وجود رعاية صحية للمعتقلات بأن الطريق إلى المستشفى خطر جدًا، بسبب الاشتباكات، وأنه يجب رفع برقية لجهة، لم تقم إدراة السجن بتسميتها، والموافقة عليها لنقل المريضة للعلاج، وقد شهد السجن حالات وفاة عدة، كان آخرها ما حدث مع إحدى السجينات، حيث كانت مريضة جدًا، وأصيبت بما يشبه "الجلطة"، أو "ضيق التنفس"، وتوفيت على أثرها مباشرة، وتقول إحدى السجينات، التي كانت موجودة يوم الحادث، لمركز توثيق الانتهاكات "لم تدرك السجينات الأخريات طبيعة المرض الحقيقي الذي كانت تعاني منه هدى (39 عامًا)، من محافظة حمص، فقد كانت تعاني ما يشبه "ضيقاً في التنفس" أو "الجلطة"، رغم أن باقي المعتقلات طلبوا من الحراس أخذها إلى العيادة الطبية، ولكنهم لم يستجيبوا لنداءاتهم، وتوفيت على إثرها مباشرة، وكان ذلك في الأسبوع الأول من شباط/فبراير 2013
وبحسب شهادة إحدى المعتقلات، في أيار/مايو 2013، قامت إحدى المعتقلات بمحاولة الانتحار، وذلك بقطعها "للشريان"، إحتجاجًا على عدم تأمين الحليب لطفلها، البالغ من العمر عشرة أشهر، حيث كانت قد أنجبته أثناء فترة اعتقالها في سجن حمص المركزي، ومن ثمّ قاموا بنقلها إلى سجن عدار، وفي حالة أخرى تمّ تسجيلها قبل أسابيع عدة، توفيت طفلة بعد ولادتها بثمانية أيام، في السجن نفسه، وذلك نتيجة سوء التغذية، وعدم توافر الحاضنات الخاصة بالمولودين الجدد.
وناشد مركز توثيق الانتهاكات في سورية جميع المنظمات الدولية، الحقوقية منها والإنسانية، وعلى رأسها اللجنة الدولية للصليب الأحمر، التدخل فورًا، بغية الإفراج عن جميع المعتقلات في سجون الحكومة السورية، والوقوف على الممارسات، التي تتعرض لها المعتقلات في سجن "عدرا" للنساء.
أرسل تعليقك