استقبل العراق عام 2015 بآمال علقت على حكومة حيدر العبادي، لتعالج الانتكاسات التي قادت إليها حكومة سلفه نوري المالكي، إلا أن الأزمة الاقتصادية والاحتجاجات الشعبية كبلت الحكومة الجديدة، وعلى الرغم من أن "التحالف الدولي" بقيادة الولايات المتحدة شكل أواخر عام 2014 إلا أن فاعليته وهجماته ظهرت في شكل واضح خلال عام 2015 ليمتد القصف الجوي اليومي من العراق الى سورية، فيما لم تسمح بغداد حتى نهاية العام لروسيا بتوجيه الضربات، لكنها سمحت بمرور الطائرات والصواريخ عبر أجوائها، بينما يفتح عام 2016 التساؤل حول شكل العراق بعد رحيل "داعش"، مع تتعدد السيناريوهات لاحتمالات تقسيم البلاد، أو إنشاء أقاليم فيديرالية أو كونفيدرالية فيها.
ظهرت قوة "التحالف" في شكل أكثر وضوحاً عند خطوط التماس الشمالية في العراق، حيث تتمركز قوات "البيشمركة" التي قررت منذ بداية توسع التنظيم باتجاه أربيل، الاستعانة بالأميركيين والتنسيق الكامل معهم، فمدوا جسوراً جوية لدعم أربيل بالأسلحة والخبرات والمستشارين، ومع أن "داعش" تمكن خلال عام 2015 من تنفيذ عمليات في الجبهات الشمالية والشرقية للموصل وكركوك، فإنه بدأ منذ منتصف العام بالتراجع أمام تقدم "البيشمركة" انتهى بتحرير معقل الإيزيديين في سنجار، في 13 تشرين الثاني/نوفمبر، ليعلن وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر أن قدرات القوات الكردية تضاعفت، وأنها باتت قادرة على صد هجمات التنظيم.
لكن تقييم "التحالف الدولي" كان مختلفاً تماماً في الجبهات الجنوبية، حيث تتمركز قوات الجيش العراقي وفصائل "الحشد الشعبي" التي لم تتوقف عن اتهام أميركا بمساعدة "داعش" وإلقاء الأسلحة إليه، وضرب الوحدات العراقية، ورفض مساعدة الحكومة، وكان الجفاء واضحا بين واشنطن وفصائل "الحشد" منذ بداية تشكيل هذا التنظيم على خلفية فتوى "الجهاد الكفائي" للمرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني في حزيران/يونيو 2014، ومن ثم ظهور التأثير الإيراني الحاسم في مسارات أبرز فصائله وتقديم زعيم فيلق القدس قاسم سليماني نفسه قائداً لهذه القوة، عبر صور وفيديوات في ساحات المعارك.
وبدت خيارات قادة "الحشد الشعبي" الأكثر قربا من طهران، منفصلة تماماً عن خيارات التحالف الدولي، وكانت التهديدات تتوالى مبطنة او معلنة، بين الطرفين، حتى أن واشنطن وجدت منذ بداية العام أن "الحشد" ومن خلفه إيران يخوض المعارك خارج رؤية التحالف، وبرزت نقطة التصلب الأساسية في المواقف بين الطرفين مع البدء بتحرير تكريت، عاصمة محافظة صلاح الدين، مع بداية العام 2015، وبدء المعارك الفعلية في نهاية شباط/فبراير حين تقدمت وحدات من الحشد مدعومة بقوات الجيش والشرطة باتجاه البلدات والقرى المحيطة بتكريت، لتتصاعد الأخبار والصور عن اعمال حرق وسلب، ارتكبت في المنازل والمنشآت، مع إعلان مجموعات مسلحة مثل "كتائب حزب الله" رفضها دخول المعارك إذا اشترك "التحالف الدولي" فيها.
وفي منتصف آذار/مارس، وعلى مشارف تكريت توقفت تلك القوات قرابة أسبوعين، وأعلن التحالف عدم إشراكه في العمليات. كانت التوقعات طوال الأسبوعين اللذين تبادلت فيهما القوات العراقية ومقاتلي "داعش" الهجمات تشير إلى أن دخول تكريت يتطلب وقتاً أطول، خصوصاً مع معلومات أوردها قادة "الحشد" و"الجيش" عن تفخيخ غير مسبوق لمداخل المدينة ومنازلها. لكن الولايات المتحدة أعلنت في 25 من الشهر نفسه استئناف قصف المدينة، بناء على طلب رئيس الوزراء حيدر العبادي، الذي بدا كأنه استثمر في شكل جيد عدم قدرة "الحشد الشعبي" على التقدم، من دون غطاء التحالف، ليعلن رسميا في 31 من آذار/مارس، من داخل تكريت تحرير المدينة بالكامل، ويمنح زخماً جديداً لدور الجيش والشرطة و "الغطاء الجوي الأميركي".
لكن الأنباء التي جاءت فور تحرير تكريت لم تكن سارة فأعمال الحرق والسلب تكررت، ووثقت في تسجيلات، واتهمت بارتكابها مجموعات "الحشد الشعبي"، الذي سارع بنفي تورطه فيها، واستمر في اتهام "التحالف الدولي" بدعم "داعش" ومحاولة الإضرار به. ومضى في عملياته حتى نجح مع الجيش في تحرير مدينة "بيجي" في 20 تشرين الأول/أكتوبر، حتى نهاية العام عندما قصف طيران التحالف من طريق الخطأ وحدات عسكرية وفصائل لـ "الحشد" قرب الفلوجة، فكانت تلك الحادثة بمثابة دليل على سعي واشنطن إلى منع الحشد من التمدد إلى أكثر من المساحة التي وصلها.
في المقابل، كان دور "التحالف الدولي" مرحباً به من الأطراف السنية، وتم زج بالآلاف من مقاتلي العشائر في معسكرات للتدريب على يد مستشارين أميركيين، وكانت ثقة هذه الأطراف أكبر بجهود واشنطن على تحرير الأراضي الواقعة تحت سلطة "داعش"، من ثقتها بـ "الحشد" والحكومة، خصوصا بعد توقيع الأخيرة في تشرين الأول/أكتوبر على الانضمام إلى حلف رباعي ضم إضافة إلى العراق إيران وروسيا وسورية، ورفضت الأوساط السنية هذا الحلف، وتحفظ عليه الأكراد وأيده الشيعة.
وشغلت أنباء "الحلف الرباعي" الرأي العام والأروقة السياسية المحلية والإقليمية والدولية، فتصاعدت المطالب من قيادات "الحشد الشعبي" ومن إيران على شكل ضغوط توجه إلى حكومة العبادي للقبول بتوجيه روسيا ضربات جوية في العراق، بعد أن بدأت موسكو فعليا في ذلك التاريخ بتوجيه ضربات جوية وصاروخية داخل الأراضي السورية، ومع إعلان المملكة العربية السعودية تشكيل "التحالف الإسلامي" نهاية عام 2015، تجدد الانقسام العراقي حول الموقف من التحالف الجديد الذي لم يكن أعلن خططه، وشككت فيه أطراف شيعية بارزة، فيما رحبت الأوساط السنية والكردية.
وفي صيف عام 2015 انطلقت من بغداد وعمت مدن العراق الجنوبية تظاهرات نظمها مدنيون وعلمانيون احتجاجاً على الفساد الحكومي، وللمطالبة بالدولة المدنية وإجراء الإصلاحات، وتزامنت تلك الاحتجاجات مع انخفاض حاد في أسعار النفط انعكس في شكل فادح على قدرة الدولة على الإيفاء بالتزاماتها، سواء على صعيد مرتبات الموظفين أو المشاريع الخدمية.
وخطا العبادي خطوتين كان يمكن أن تكونا حاسمتين في تاريخ حكومته وتاريخ العراق، أولاهما إعلان تأييده التظاهرات، حتى انه ظهر كأنه أول رئيس حكومة يقود احتجاجات ضد حكومته، والثاني إطلاقه حزمة من الإصلاحات المالية والإدارية والسياسية، أبرزها إقالة نواب رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية من مناصبهم، فوجد 6 من صقور المشهد السياسي أنفسهم خارج السلطة هم: إياد علاوي، ونوري المالكي، وأسامة النجيفي، وروز نوري شاويس، وبهاء الأعرجي، وصالح المطلك.
وكان التزامن بين الإصلاحات الحكومية وضرورات التقشف المالي مربكا، وتمت قراءته بطرق مختلفة من السلطة ومن المتظاهرين. ولم يحرص العبادي جيدا على الفصل بين الإجراءات الاضطرارية للتقشف، والاصلاحات السياسية، فوقع سريعاً في ما أطلق عليه "فخ الذئاب"، فالقوى السياسية التي سارعت تحت ضغط الاحتجاجات الشعبية إلى تأييد حزم الإصلاح، حتى تلك التي تضمنت خسارتها مناصب ووزارات ومواقع وامتيازات، استغلت أول مناسبة لمحاصرة العبادي الذي قرر خفض مرتبات الموظفين.
لعبة استثمار الشارع والاستثمار في مخاوفه وارتباكاته لم تتوقف، نمت وما زالت تنمو في العراق مع تراكم خبرات الأحزاب والقوى والشخصيات السياسية التي وجدت في تلكؤ العبادي فرصة نادرة، وسوء قراءة الأخير للمشهد الشعبي الغاضب، لتحويل مسار الإصلاحات بعيداً من ضرب أهم مفاصل الفساد في العراق متمثلاً بنظام التقاسم الحزبي للدولة.
وانتهى عام 2015 ومجموعات الشباب التي بدأت التظاهر السلمي، مستمرة في احتجاجاتها، وأضافت هذه المرة احتجاجاً جديداً ضد تمكن قوى سياسية من حشد تظاهرات لتأييد مواقفها. قوى يتاح لها كل التسهيلات الحكومية والأمنية، فيما تحاصر احتجاجات المدنيين ويتم تصفيتهم واعتقالهم والتضييق عليهم. ناهيك عن تلقيهم اتهامات من جهات دينية بالإلحاد والعمل بأجندات خارجية، ولم تستجب حكومة العبادي لمطالب المتظاهرين بمحاكمة المسؤولين الذين ظهر تورطهم في سقوط الموصل ومن ثم صلاح الدين والأنبار في يد "داعش"، وغابت الحقيقة في الأروقة القضائية التي نالت بدورها اتهامات شعبية بمجاملة السلطة وتحريف الوقائع .
وأثار دخول قوات تركية إلى معسكر قرب الموصل في كانون الأول/ديسمبر استياءً في الأوساط الشعبية والحكومية التي شنت حملة ضد تركيا وصولا إلى إعلان الأخيرة سحب قواتها من المناطق التي دخلتها، بعد تدخل الرئيس الأميركي باراك أوباما، لكنها ما زالت موجودة داخل أراضي إقليم كردستان في معسكرات تم تشييدها في وقت سابق.
أرسل تعليقك