يعيش الجنوب الليبي منذ فترة طويلة ظروفًا أمنية صعبة تتمثل في الانفلات الأمني، حيث كثرت حالات الخطف والإبتزاز، بخاصة مع إنتشار العصابات الأجنبية. وأعلن الجيش الليبي، في 15 كانون الثاني/ يناير الماضي، انطلاق عملية عسكرية لتطهير مناطق الجنوب من إرهابيي تنظيمي "داعش" و"القاعدة"، إلى جانب العصابات التشادية.
وتتجه قوات الجيش الليبي، إلى بسط سيطرتها على منطقة الجنوب بالكامل، ودحر عصابات المعارضة التشادية التي بات الخناق يضيق حولها على وقع الضربات التي تتلقاها من قبل الجيش الليبي وهو ما دفعها لمحاولة التراجع نحو تشاد أين وجدت نفسها في مرمى مقاتلات الطيران الفرنسي التي أعلنت الاثنين عن استهداف أرتال مسلحة قادمة من ليبيا. وقال الجيش الفرنسي في بيان لها "إن سلاح الجو الفرنسي قصف أهدافا في شمال تشاد الأحد، دعما لقوات من الجيش التشادي تحاول صد قافلة لمقاتلين لم تحدد هويتهم دخلت البلاد قادمة من ليبيا".
وأضاف البيان أن هذا التدخل جاء استجابة لطلب السلطات التشادية، وأتاح عرقلة هذا التقدم العدائي وتفريق الرتل" الذي كان "يتسلل إلى عمق الأراضي التشادية". ولم يحدد البيان من يقف وراء هذا التوغل، فيما رجحت وكالة رويترز للأنباء أن تكون هذه الضربات الجوية أول دعم رسمي من باريس للرئيس التشادي إدريس ديبي الذي يريد التصدي لحركة "مجلس القيادة العسكري لإنقاذ الجمهورية" المتمردة الجديدة التي تأسست في عام 2016 وتسعى للإطاحة به.
ويُذكر أن الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، زار تشاد في ديسمبر/كانون الأول الماضي، وشدد على الدعم الفرنسي للقوات الأفريقية وسط قلق دولي متنام حول الفوضى في ليبيا. كما التقى ماكرون قوات فرنسية متمركزة في منطقة الساحل ضمن عملية "بارخان"، أكبر عملية عسكرية خارجية لفرنسا.
واشتبكت الحركة التي تدَّعي أن لديها مقاتلين بالآلاف، مع القوات التشادية مرات عدة قرب الحدود الليبية، وفي أغسطس/آب الماضي شنّت هجمات على معسكر للجيش التشادي "معسكر60" الحدودي، وقالت وسائل إعلام محلية هناك إن إرهابيي المعارضة استخدموا الأراضي الليبية لتنفيذ هجماتهم.
ويأتي الاستهداف الفرنسي لفلول المعارضة التشادية الهاربة من ليبيا بعد ساعات فقط من إعلان الجيش الوطني الليبي أن سلاح الجو نفذ، ضربات جوية استهدفت مواقع مسلحي المعارضة التشادية في منطقة مرزق أقصى جنوب البلاد.
وأوضحت شعبة الإعلام الحربي بالجيش الليبي في بيان نشرته عبر صفحتها الرسمية على "الفيسبوك"، أن مقاتلات سلاح الجو استهدفت تجمعات للمعارضة التشادية خلال تواجدهم على الأراضي الليبية بضواحي منطقة مرزق.
وأضاف البيان، كانت الإصابة خلال الغارة التي تمت اليوم مباشرة ، وأثخنت في صفوف العدو المنتهك للسيادة الليبية وخلفت له خسائر كبيرة في الأرواح والعتاد. وعلى الرغم من أن البيانات العسكرية التي صدرت من جانب باريس والجيش الليبي لم تشر إلى تفاهم حول هذه الضربات الجوية المفاجئة، فإن البعض يرى أن هناك تنسيق بهدف القضاء على العصابات التي تهدد أمن دول المنطقة.
وأكد مصدر عسكري ليبي أنّ قصف القوات الجوية الفرنسية للمعارضة التشادية، على حدود ليبيا، جاء بناء على معلومات استخباراتية تفيد بتخطيط المتمردين التشاديين للقيام بعمليات إرهابية في جنوب ليبيا، وداخل الأراضي التشادية.
ونقل موقع "ارم نيوز"، عن المصدر العسكري أنّ القصف الجوي الفرنسي، يأتي في إطار الحرب ضد الإرهاب والقضاء على العصابات المتمرّدة ، مشيرًا إلى أن هذا القصف جاء بهدف دعم جهود الجيش الوطني الليبي، بقيادة المشير خليفة حفتر، من أجل تطهير الجنوب وبسط الأمن والاستقرار وفق تعبيره، مضيفا أنّ التدخل الفرنسي في جنوب ليبيا، يهدف أيضًا إلى مكافحة الهجرة غير الشرعية، التي تتم في غالبها، عبر الحدود التشادية الليبية.
وأضحت حدود ليبيا الجنوبية، التي تمتد على طول 4389 كيلومترا، وتتقاسمها مع السودان وتشاد والنيجر، هاجسا أمنيا ومعبرا مفتوحا للجماعات الإرهابية والعصابات الإجرامية، وشكلت عائقا أمام استعادة الأمن وتوجيه التنمية في مناطق الجنوب.
وكان العميد أحمد المسماري، الناطق باسم الجيش الوطني الليبي، أكد، في تصريحات الشهر الماضي، وجود ما وصفه بـ"تنسيق مباشر مع النيجر وتشاد لمواجهة العصابات وعناصر تنظيمي "القاعدة" و"داعش" الإرهابيين في الجنوب.
اقرأ أيضاً : خليفة حفتر يستعد لإطلاق عملية عسكرية لتحرير الجنوب الليبي
كما سبق أن زار القائد العام للجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر في أكتوبر الماضي تشاد، حيث التقى الرئيس إدريس ديبي تزامنا مع اشتباكات بين فصائل مسلحة محلية في الجنوب الليبي وعصابات المعارضة التشادية. ولم ترشح أي معلومات عن تفاصيل تلك الزيارة التي من المرجح أن تكون قد ناقشت الوضع الأمني جنوب البلاد.
وشن مسلحون من المعارضة التشادية في شهر ديسمبر / كانون الأول الماضي، هجومًا على معسكر للجيش الليبي جنوبي البلاد، مما أسفر عن سقوط قتلى وجرحى، وفقًا لما ذكرت مصادر ميدانية. ويقول مراقبون "إن المجموعات التشادية المعارضة تسعى لتحويل المنطقة في جنوب البلاد، نقطة انطلاق لهجماتها في الداخل التشادي".
ودأبت العصابات التشادية منذ سنوات على شن هجمات جنوبي ليبيا، في ظل الانفلات الأمني وعدم ضبط الحدود منذ عام 2011. وعقدت هذه العصابات تحالفات مع تنظيم القاعدة الإرهابي وجماعات تهريب البشر في الجنوب الليبي، وشاركت في الهجوم على الحقول والموانئ النفطية.
وتؤوي ليبيا كثيراً من الفصائل التشادية المتمردة التي تمارس الخطف والنهب والتهريب، وحذرت تقارير سابقة من أن مئات المقاتلين من تشاد وإقليم دارفور السوداني يؤججون الاضطرابات في ليبيا ويحاربون لحساب فصائل متناحرة ويسعون إلى تشكيل حركات تمرد ويمارسون قطع الطرق وتهريب السلاح. وتتهم السلطات الليبية المتمردين التشاديين بالقتال إلى جانب مجموعات إسلامية متطرفة وفي مقدمتها ما يسمّى بـ"سرايا الدفاع عن بنغازي".
وكان مكتب النائب العام في طرابلس قد أصدر في مطلع يناير الماضي أوامر بالقبض على عدد من قيادات المتمردين التشاديين كان من بينهم محمد حكيمي المتهم بالمشاركة في عدة هجمات ومعارك برفقة ميليشيا "سرايا الدفاع عن بنغازي" وبقايا قوات إبراهيم الجضران الذي أُدرج بدوره على ذات القائمة.
وأطلق الجيش الليبي منتصف يناير الماضي عملية عسكرية لتطهير الجنوب من الإرهابيين والعصابات التشادية المسلحة، ونجح خلال أسبوعين في السيطرة على مدينة سبها عاصمة إقليم فزان.
وأكد عميد بلدية سبها، حامد الخيالي، في تصريحات تلفزيونية أن المدينة تشهد حالياً ما وصفه بـ"استقرار كبير مع توافر جميع السلع بأسعار بدأت تنخفض تدريجياً"، كما أبدى تطلعه إلى أن يتم افتتاح مطار سبها قريباً.
وتتجه قوات الجيش الليبي إلى بسط سيطرتها على منطقة الجنوب بالكامل، وقال مسؤول عسكري إلى "الشرق الأوسط"، "إن مسألة فرض الجيش الوطني سيطرته على الجنوب مسألة وقت فقط"، لافتا إلى أن العملية العسكرية التي تنفذها قوات الجيش هناك تسير كما هو مخطط لها". وتوقع المصدر، الذي طلب عدم تعريفه، أن تكون هناك معارك قتالية في بعض المناطق خاصة معقل قبائل التبو وبعض المتطرفين.
وتحظى عمليات قوات الجيش الليبي بتاييد كبير في الأوساط الليبية، وبثت شعبة الجيش في وقت سابق لقاء مسجلاً لشيوخ وأعيان وحكماء ونشطاء 23 بلدية من بلديات المنطقة الغربية خلال زيارتهم "غرفة عمليات تطهير الجنوب"، مشيرة إلى أن "الوفد ثمّن جهود الجيش في تطهير شرق البلاد وجنوبها".
ويشتكي سكان منطقة الجنوب الليبي من تواجد مكثف للعصابات المسلحة التابعة للمعارضة التشادية، التي تسيطر على أهم المسالك الصحراوية وطرق التهريب، كما تمارس الخطف مقابل الفدية. ويرى مراقبون أن الخناق بدأ يشتد فعليًا على العصابات التشادية في ظل استهدافها من قبل الطيران الفرنسي من جهة تشاد والضربات التي تتلقاها على يد الجيش الليبي من جهة الأراضي الليبية.
وبعد سنوات من الفوضى والتهريب والهجمات الإرهابية على يد داعش والقاعدة والعصابات الأجنبية تلوح في الأفق بوادر تحرير الجنوب الليبي، وتمثل هذه المنطقة أهمية إستراتيجية كبيرة في المعركة التي يخوضها الجيش الليبي من أجل استعادة الأمن والاستقرار في كافة أنحاء البلاد وانهاء سنوات من الفوضى وغياب الدولة.
قد يهمك أيضاً :
احتجاجات تهز الجنوب الليبي لاسترجاع "الحقوق المشروعة"
تسابق بين حكومة "الوفاق" الشرعية وحكومة "الثني" في السيطرة على الجنوب الليبي
أرسل تعليقك