عشية لقاء مرتقب مع العاهل الأردني في البيت الأبيض، يُصر الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، على إقحام الأردن في مقترحه لإخضاع قطاع غزة لسيطرة الولايات المتحدة، وتهجير السكان الفلسطينيين إلى دول أخرى منها المملكة، وهو ما ترفضه عمّان.
ومن المقرر الثلاثاء 11 شباط / فبراير، أن يجتمع الرئيس الجمهوري مع ملك الأردن عبدالله الثاني في واشنطن.
وطرح ترامب خلال استقباله في البيت الأبيض، رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، فكرة غير مسبوقة تقضي بأن تسيطر الولايات المتحدة على قطاع غزة بهدف إعادة إعماره وتطويره اقتصادياً، بعد ترحيل سكان في القطاع إلى مصر والأردن ودول أخرى، وهو ما لاقى استنكاراً دولياً.
ودُمّر القطاع بفعل الحرب التي استمرت 15 شهراً، لكنها توقفت بموجب اتفاق لوقف إطلاق النار توسطت فيه الولايات المتحدة وقطر ومصر، ودخل حيز التنفيذ في 19 يناير/ كانون الثاني الماضي.
"تهديد وجودي"
وأطلق ترامب عقب توليه منصبه لولاية ثانية سلسلة تصريحات تخص قطاع غزة، قائلاً إنه يريد، عبر خطته، نقل الفلسطينيين إلى أماكن "أكثر أمناً" مثل الأردن ومصر، وتحويل قطاع غزة إلى "ريفييرا الشرق الأوسط" في إشارة إلى جعلها منتجعاً سياحياً.
وقال ترامب إن "الولايات المتحدة ستتسلّم من إسرائيل قطاع غزة بعد انتهاء القتال"، دون الحاجة لـ "جنود أميركيين" لتنفيذ الفكرة.
واعتبر عريب الرنتاوي، مدير مركز القدس للدراسات السياسية، مقترح ترامب، بنقل سكان من غزة إلى الأردن "تهديداً وجودياً" للمملكة، مضيفاً أن الفكرة تعني "تهديداً للأمن والاستقرار الأردني وللهوية الوطنية الأردنية وللكيان الأردني".
وأوضح الرنتاوي لبي بي سي، أن المقترح يعني "إغراق الأردن بمزيد من المهجرين قسراً من فلسطين وهو أمر لن يسهم في خلق السلام والاستقرار في فلسطين، بل سينقل الأزمة والصراع من كونه صراعاً فلسطينياً إسرائيلياً إلى صراع داخلي في الأردن" على حد وصفه.
وتستضيف المملكة الأردنية - أحد الحلفاء الرئيسيين للولايات المتحدة في الشرق الأوسط - نحو 2.3 مليون لاجئ فلسطيني مسجل لدى الأونروا، بحسب أرقام نشرتها دائرة الشؤون الفلسطينية في وزارة الخارجية الأردنية، فيما تشير تقديرات لوكالة رويترز إلى أن الفلسطينيين يشكلون أكثر من الأرقام الرسمية.
الرنتاوي قال إن الفكرة "هي وصفة للخراب"، وتشير إلى أن "الولايات المتحدة مستعدة للتضحية بمصالح أقرب حلفائها العرب، نظير الحفاظ على مصلحة اليمين الإسرائيلي".
وبالنسبة للأردن "هذا يشبه في الحقيقة المقامرة بأمن الأردن واستقلاله ومصالحه الحيوية. هذا تهديد وجودي للأردن"، وفق الرنتاوي.
لكن رئيس الشؤون السياسية في اللجنة اليهودية الأمريكية، جيسون إيزاكسون، رأى أن مقترح ترامب يتضمن "منطقاً معيناً"، قائلا: "إذا كنت رجلاً متخصصاً بالعقارات وتعرف كيف تعيد تطويرها، وإذا كنت تهدم مبانٍ كثيرة وتحاول تشييد أخرى جديدة، فيتعين عليك إبعاد الناس عن الطريق، لذا أتفهم هذا السبب ... لكن سكان القطاع لا يريدون بالضرورة المغادرة".
وأشار إيزاكسون إلى أن الولايات المتحدة "ستقوم بإزالة الألغام ورفع الأنقاض وتنسيق إعادة إعمار غزة ما يتطلب، وفقاً لصياغة الرئيس ترامب، إبعاد السكان الفلسطينيين، أي نحو 1.7 أو 1.8 مليون فلسطيني يعيشون هناك ويعانون من أوضاع مروعة حالياً بسبب الدمار الشديد الذي لحق بالبنية التحتية والمنازل، سواء بسبب الأضرار البالغة أو التدمير الكامل".
وأفاد تقييم للأمم المتحدة بأن 69 في المئة من مباني قطاع غزة متضررة أو مدمرة بالكامل بسبب الحرب.
وعبر ترامب عن ثقته في أن الأردن ومصر سيستضيفان سكاناً من غزة قائلاً إنهم "سيفعلون ذلك. نحن نفعل الكثير من أجلهم، وسيفعلون ذلك".
وشهدت محافظات أردنية عدة وقفات احتجاجية، رفضاً لـ"تهجير الفلسطينيين"، بينما ترفض المملكة الأردنية أن تكون "وطناً بديلاً للفلسطينيين".
كما لاقى مقترح ترامب استنكاراً دولياً، مع تحذير الأمم المتحدة من أيّ "تطهير عرقي"، ورفضته بشدّة حركة حماس والسلطة الفلسطينية.
وفي المقابل، وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في مقابلة مع قناة فوكس نيوز، فكرة ترامب بأنها "رائعة"، وقال إنه يجب "دراستها .... وتنفيذها"، مشيراً إلى أنّ المبادرة لا تعني بالضرورة أن الفلسطينيين سيغادرون القطاع بشكل دائم.
وقال وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس: "أوعزتُ للجيش بإعداد خطة تسمح لأيّ ساكن في غزة يرغب في المغادرة بالقيام بذلك، إلى أيّ بلد يرغب باستقباله".
في غضون ذلك، ينادي المجتمع الدولي بتطبيق حل الدولتين الذي ترفضه إسرائيل بشدة.
بحث "السلام العادل"
وكثّف العاهل الأردني اتصالاته الدبلوماسية لتأكيد موقف بلاده الرافض للمشروع الأمريكي، وذلك قبل لقائه ترامب في البيت الأبيض، بناء على دعوة من الأخير.
وأكد الملك عبدالله خلال استقباله رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس عقب إعلان ترامب، على "ضرورة وقف إجراءات الاستيطان ورفض أي محاولات لضم الأراضي وتهجير الفلسطينيين"، بحسب ما نقل بيان للديوان الملكي الأردني.
فيما أوضح وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، في 4 فبراير/ شباط الجاري، أن الملك عبد الله "يتطلع إلى لقاء الرئيس ترامب لبحث تعزيز شراكاتنا التاريخية مع الولايات المتحدة، وتحقيق الأمن والاستقرار والسلام العادل"، لافتاً النظر إلى أن ترامب "يريد تحقيق السلام ونحن شركاء له ولإدارته في هذا الجهد"، ومؤكداً أن العلاقات الأردنية الأمريكية "شراكة تاريخية قوية وصلبة".
وشكك، جوست هيلترمان، من مجموعة (كرايسس جروب) المعنية بمنع الصراعات، في قدرة الملك عبدالله على إقناع ترامب بالعدول عن تنفيذ مقترحه، وقال: "سيأمل الملك أن ترامب لن يتمكن من تنفيذ خطته الصادمة".
وأكد ترامب أن القادة العرب سيدعمون خطته، على الرغم من أنهم قالوا مسبقاً إنهم يعارضون أي ترحيل للفلسطينيين من غزة.
وقال ترامب "يمكنني أن أقول لكم إنني تحدثت مع زعماء دول في الشرق الأوسط وأعجبتهم الفكرة. ويقولون إنها ستجلب الاستقرار وما نحتاج إليه هو الاستقرار".
وقال هيلترمان لبي بي سي، إن "اللقاء سيكون محرجاً للغاية بالنسبة للملك. عليه أن يجامل ترامب ليبقى في دائرة رضاه، لكن يجب أن يعارضه للحفاظ على الأردن"، وفق تعبيره.
ورأى أن ترامب "سيكون إما غير مدرك أو غير مبالٍ لمخاوف الملك، أو كليهما"، لكنه أوضح: "لن يغير أي من الزعيمين موقفه".
وأشار إلى أن الملك "قد يطرح" خلال اللقاء "شبح انهيار دول عربية إذا نفذ ترامب خططه للتطهير العرقي على أنها تتعارض مع المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط"، مضيفاً أنه "إذا كانت هناك طريقة واحدة قوية لتقويض حلفائك في المنطقة بشكل قاتل، فهذه هي الطريقة".
بينما يرى الرنتاوي أن الأردن سيبلغ الإدارة الأمريكية "بكل دبلوماسية أننا لا نستطيع أن نتحمل مثل هذا المشروع، ولن نقبل به".
وقال إن حديث الملك مع ترامب "سيكون ملؤه الحرص على العلاقة الأردنية الأمريكية، لكن من ضمن ضوابط وخطوط تراعي المصلحة العليا للأردن التي لا يمكن المقامرة بها أو المس بها تحت أي من الظروف".
وأضاف الرنتاوي أن الإدارة "تقامر بعلاقات استراتيجية مع الأردن"، موضحاً أن العلاقات الأردنية الأمريكية "لا تقتصر فقط على الجانب الفلسطيني والقضية الفلسطينية، الموضوع المحوري، في هذه العلاقات" لكن "العلاقات لها أبعاد أخرى تتصل بالتحالف الدولي ضد الإرهاب والأمن والتعاون".
ويعتبر الأردن جزءاً من تحالف تقوده الولايات المتحدة لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية منذ عام 2014، كما أنه من أكبر المتلقين للمساعدات الأمريكية مع حصوله سنوياً على نحو 1.45 مليار دولار من المساعدات العسكرية والاقتصادية.
ويتوقع أن يحصل الأردن على مدى 7 سنوات (خلال الفترة من 2023-2029) على 10 مليارات دولار من الولايات المتحدة ضمن اتفاقية وُقعت في عام 2022، بحسب وزارة التخطيط الأردنية.
لكن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب جمّد المساعدات الخارجية في 25 يناير/ كانون الثاني الماضي لمدة 90 يوماً باستثناء المساعدات المقدمة لإسرائيل ومصر.
وبالتزامن مع ذلك، أعلن الاتحاد الأوروبي تقديم حزمة من المساعدات المالية للأردن بقيمة 3 مليارات يورو للأعوام 2025-2027، وفق وزارة التخطيط الأردنية.
غير أن الرنتاوي يرى أن "الأمن والاستقرار والهوية والكيان لا تشترى بالمساعدات ...".
"سيَودّون مغادرة غزة"
ويصرّ ترامب على أن الفلسطينيين "سيَودّون بشدة" مغادرة القطاع المحاصر للعيش في أي مكان آخر إذا أتيحت لهم الفرصة، مضيفا: "أظن أنهم سيكونون سعداء للغاية" بذلك.
وقال إنه "إذا تمكنا من العثور على قطعة الأرض المناسبة، أو قطع عديدة من الأراضي، وبنينا عليها بعض المساكن الجميلة، فهناك الكثير من المال في المنطقة بالتأكيد، وأعتقد أن هذا سيكون أفضل بكثير من العودة إلى غزة التي لم تشهد سوى عقود طويلة من الموت".
وبينما رفضت عدة دول عربية المقترح الأمريكي، دعا وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو، الدول التي تنتقد اقتراح ترامب بشأن غزة، إلى أن تبادر إلى عرض اقتراحات لمساعدة القطاع المحاصر والمدمر.
قد يهمك ايضا
أرسل تعليقك