بغداد – نجلاء الطائي
أكّد رئيس لجنة النزاهة العراقية حسن الياسري، أنّ مهمته في محاربة الفساد في بلاده هي بمثابة "إفراغ مياه البحر بملعقة"، مما يعطي فكرة عن حجم الفساد المتفشي في العراق وتبدو مهمة الياسري، وهو الأستاذ السابق للقانون، والتي بدأت قبل سنتين شبه مستحيلة، فالمسؤول الذي كان في زيارة إلى لندن لمحاولة إقناع محاوريه البريطانيين بالإفراج عن أموال هربها وزيران سابقان عادة ما يواجه الكثير من المصاعب رغم تأكيده أنه تم الكشف عن عدد من الوزراء الفاسدين وتقديمهم إلى العدالة، فالوزيرين السابقين عبد الفلاح السوداني وزياد القطان يحملان جوازات سفر بريطانية تحميهما، ومثل هذين الشخصين وخلال السنوات الماضية تمكن عدد آخر من الوزراء من "النجاة"، من بينهم وزير الدفاع السابق حازم الشعلان، ووزير الكهرباء السابق أيهم السامرائي، الذين فرا ومعهم مليارات الدولارات، فساد وصفه رجل أعمال فرنسي مقرب من بغداد بأنه "ليس مجرد آفة بل نظام حكم"، فالعراق يعد واحدا من أكثر الدول فسادا في العالم، فهو يحتل المرتبة الـ166 من أصل 176 دولة بحسب تصنيف وضعته منظمة الشفافية الدولية.
وكشف الصحافي جورج مالبرينوت من خلال هذا التحقيق الصادر الأربعاء عن حجم الفساد المتغلغل في الدولة العراقية عبر شهادات وأرقام، وخلال السنوات الـ13 التي أعقبت الإطاحة بنظام صدام حسين وبينما قدمت عائدات النفط للخزينة أكثر من 800 مليار دولار من الإيرادات كلف الفساد خزينة الدولة 312 مليار دولار، بحسب مركز إنجاح للتنمية الاقتصادية.
وتعتبر قائمة المشتبه بهم مثيرة للدهشة بحسب الياسري، فـ"ربع أعضاء الحكومة تلاحقهم تهم فساد، وليس هذا إلا غيض من فيض، فلجنة النزاهة حظرت سفر أربعمئة شخص، من بينهم وزراء ونواب ووزراء سابقون ومديرون عامون ومحافظون"، وبحسب الياسري، فإن بعض الوزراء يكونون أسرع من الإجراءات التي تلاحقهم ويتمكنون من الفرار.
ويقول عضو البرلمان عن البصرة سليم الشوقي إن "نواب الوزراء غالبا ما يكونون أكثر فسادا.. لديهم نفوذ أكبر من الوزراء لأنهم معينون لانتمائهم السياسي، وهم يعملون لأحزابهم وليس للدولة"، ويتغذى الفساد في العراق من "إدارة متضخمة"، فبغداد لديها أكثر من أربعمئة نائب وزير لدعم 27 وزيرا، إضافة إلى 27 مفوضا برتبة وزير، وفي 2016 دفع ضغط الشارع حكومة العبادي إلى إلغاء عدد قليل من الوزارات والاستعانة بتكنوقراط مع تخفيض الرواتب والبدلات.
وكشفت النائب عن نينوى أمل البياتي أنّه "في السابق كان النائب يحصل على 10 آلاف دولار شهريا مع بدلات لدفع مرتبات ثلاثين مساعدا، خاصة الحراس الشخصيين"، أما الآن فيتلقى أربعة آلاف دولار ولا يمكنه توظيف إلا 16 مساعدا، مشيرة إلى أنّ نقص موارد الدولة بسبب انخفاض أسعار النفط ولد رغبة حقيقية في البرلمان من أجل مكافحة الفساد.
وبحسب التحقيق، فإن الياسري الذي قدم استقالته للعبادي السنة الماضية يجد نفسه وحيدا في حربه على الفساد، فالغربيون الذين يدينون الفساد في العراق هم منافقون بعض الشيء بحسب الياسري، و"إذا رفضوا تفعيل إجراء رد الأموال فقد تكون لديهم مصالح في غسل تلك الأموال القذرة"، وأضاف أنّه عندما سألت السفير البريطاني لماذا لم ترد بلاده الأموال إلينا أجاب بأن لندن لا تثق في العدالة العراقية، معربا عن أسفه لعدم تعاون الولايات المتحدة على الإطلاق، ويقول أحد النواب إن معظم المسؤولين العراقيين كانوا يقيمون قبل عام 2003 في لندن والولايات المتحدة، وهم من أصحاب جوازات السفر المزدوجة.
وبيّن رجل الأعمال الفرنسي "إن العراقيين الذين استقروا في دبي استقروا مجددا في إسطنبول لشراء شركات متخصصة في تحويل العملة وتجارة الذهب"، وقبل 8 أشهر من الانتخابات البرلمانية العراقية الحاسمة لمستقبل العبادي يبدو الأخير ملتزما بحرب لا ترحم ضد الفساد تماما مثل مكافحة الإرهاب، إذ يبدو أنه مصمم على محاربة المستغلين الذين يطلق عليهم "الحيتان"، معركة طموحة قد تكون قادرة على جمع شظايا الفسيفساء العراقية.
أرسل تعليقك