نواكشوط- الشيخ بكاي
عصفت الخلافات والانقسامات بـ "جماعة النصرة"، التي سيطرت على الشارع الموريتاني، على مدى الشهور الأخيرة، في التظاهرات الأسبوعية، وحولت "الفيسبوك" إلى ميدان معركة طاحنة، ووزعت تهم الكفر والإلحاد على كل من لم يطالبوا معها بإعدام المدون الموريتاني محمد الشيخ ولد امخيطير الذي سب النبي.
واستطاع هذا التيار العريض أن يجذب آلاف الموريتانيين تحت شعار " نصرة رسول الله". ومع إصدار المحكمة العليا الموريتانية قرار الأسبوع الماضي، بإعادة ملف مخيطير المدان بالردة إلى محكمة الاستئناف، واعتقاد البعض أن إعادة الملف بداية لتكييف التهمة زندقة وبالتالي الإعدام، بدأت دعوات إلى وقف التظاهر، واتهامات متبادلة بين أطراف في التيار العريض، الذي شكل في أنظار البعض قلقًا أمنيًا، مخافة أن يكون سلفيون عنيفون يركبونه.
وظهرت ثلاث مجموعات تبادلت التهم عبر القنوات المحلية ووسائل الإعلام الأخرى، ووسائل التواصل الاجتماعي. والمجموعة الأولى بقيادة الشاعر عبد الله ولد بونا، الذي انفصل وشكل مجموعة مستقلة على "الوتساب"، عارض فيها توقيف التظاهر، وشن هجومًا عنيفًا على شركائه السابقين، متهمًا إياهم بالسقوط في أيادي الأمن والتقاعس. ودعت هذه الجماعة إلى تظاهرة الجمعة حضرها أنصارها.
ومن أبرز قادة إحدى المجموعتين الأخريين محيي الدين ولد ابوه، وهو رجل أعمال وقريب لرجل أعمال نافذ، والشيخ علي الرضى وهو شيخ نافذ له أتباع. وهناك مجموعة أخرى ينتمي إليها المحامي سيدي المختار، الذي لقبوه بـ "محامي الجناب النبوي"، وكان كثير الخروج على القنوات الفضائية، ومتحدثًا مفوهًا في الندوات والتظاهرات.
وطفت الخلافات على السطح حينما شن المحامي سيدي المختار هجومًا لاذعًا على علي محيي الدين وأقاربه، وقال إنهم "لا يريدون وجه الله"، مشيرًا إلى أنهم رفضوا منح ساحة يملكونها لمظاهرة للنصرة، حتى أرغمتهم السلطات الأمنية على ذلك، واتهم المحامي رجل الأعمال وأسرته بأنهم "يريدون الاستحواذ على قيادة النصرة".
وهاجم المحامي أيضا الشيخ الرضى، من دون أن يذكره بالأسم. وقال إن لديه تسجيلات تحرض على عدم الخروج في التظاهر، وهي إشارة إلى تسجيل صوتي للشيخ الرضى طلب فيه من أنصاره الانسحاب من تظاهرات غير مرخصة. ورد قريب لرجل الأعمال على المحامي على قناة تلفزيونية، وقال إن محيي الدين، هو من كان يمول نشاطات النصرة، ويسقي الناس وإن المحامي ومن لف لفه لم يقدموا أي شيء على المستوى المادي. ودافع عن الشيخ الرضى مشيرًا إلى أنه لم يحضر تظاهرة في حياته قبل مظاهرات النصرة.
وفي الواقع تأسست جماعات النصرة منة أطراف مختلفة متعددة المشارب والأهداف، وركبها الإسلام السياسي، وجماعات المشيخات المتصارعة على النفوذ، وانضم إليها عشرات الآلاف من الذين لا يحركهم إلا المشاعر الدينية الصادقة. واتهمت جماعات النصرة بأنها تحولت إلى ميدان للتكفير والدعوة إلى الغلو من خلال جماعات تكتب في التواصل الاجتماعي مكفرة كل الذين لا يطالبون بإعدام ولد مخيطير. وظهرت في الأدبيات مصطلحات مثل "الخوالف" و"المخلفون" و"القاعدون" وهي مصطلحات قرآنية، تشير إلى المنافقين الذين رفضوا الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأبدى كثيرون الخشية من أن تساهم هذه الحشود في إنعاش التكفيرية وجماعات الإرهاب التي استأصلت موريتانيا خلاياها النشطة. ويعتقد أن لها خلايا نائمة، وغير أن وجود أسماء شخصيات صوفية، ضمن أبرز الفاعلين في هذا التيار كان يخفف من ذلك القلق، للتناقض القوي بين جماعات الصوفية وتيارات السلفية جهادية كانت أو "علمية". ويعتقد أن الانقسامات التي ضربت شارع "النصرة" تخفف من الضغوط على المحاكم الموريتانية التي لم تستطع بعد التخلص من ملف ولد مخيطير، الذي يشكل فتيل اشتعال في البلد، وتمارس جهات غربية نافذة من بينها أميركا وفرنسا ضغوطًا بشأنه.
أرسل تعليقك