اختتمت «القمة السعودية - الأفريقية» الأولى أعمالها في الرياض، الجمعة، بحضور واسع النطاق لقادة وزعماء الدول الأفريقية الذين أكّدوا أن هذه القمة تمثل «منعطفاً تاريخياً مهماً في علاقات الدول الأفريقية مع السعودية، وأنها ستفتح آفاقاً أرحب لمستقبل العلاقات بينها وتطويرها في كافة المجالات».
وخلصت القمة إلى اعتماد مشروع «إعلان الرياض» متضمّناً خريطة الطريق للتعاون السعودي ـ الأفريقي، الذي جدّد خلاله القادة الالتزام بتعزيز التعاون بين الدول الأفريقية والسعودية على أساس الشراكة الاستراتيجية والمصالح المشتركة والروابط الجغرافية والتاريخية والثقافية التي تتقاسمها القارة الأفريقية مع السعودية.
وبدورها أكدت السعودية على الروابط التاريخية مع القارة الأفريقية واهتمامها بتطوير علاقاتها مع دولها كافة في المجالات السياسية والاقتصادية والاستثمارية والتجارية والتنموية والثقافية والاجتماعية.
وأشاد قادة الدول الأفريقية بدعم وتأييد السعودية المبكر لانضمام الاتحاد الأفريقي عضواً دائماً في مجموعة العشرين، الأمر الذي تم خلال انعقاد قمة مجموعة العشرين في جنوب أفريقيا مؤخّراً.
وأقر القادة توصيات القمة بشأن تشكيل مجموعات العمل الأربع: «مجموعة الشأن السياسي والأمني والعسكري ومحاربة التطرف والإرهاب، ومجموعة الشأن الاقتصادي والتنموي والتجاري والاستثماري، ومجموعة الشأن الثقافي والتعليمي والتواصل الحضاري، ومجموعة الشأن الإنساني والصحي»، وأن تعقد أعمالها خلال 6 أشهر من انتهاء القمة لمتابعة مخرجاتها.
من جانبٍ آخر، كشف «إعلان الرياض» أن القادة المجتمعين ناقشوا تطورات الأوضاع في فلسطين، وأعربوا عن بالغ قلقهم حيال الكارثة الإنسانية في غزة، وشدّدوا على ضرورة وقف العمليات العسكرية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وضرورة حماية المدنيين وفقاً للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، وأكدوا على أهمية الدور الذي يجب أن يضطلع به المجتمع الدولي في الضغط على الجانب الإسرائيلي لإيقاف الهجمات الإسرائيلية والتهجير القسري للفلسطينيين من قطاع غزة، الذي يعد انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني والقوانين الدولية.
كما شدّد القادة، حسب الإعلان، على ضرورة السماح بتمكين المنظمات الدولية الإنسانية للقيام بدورها في تقديم المساعدات الإنسانية والإغاثية إلى الشعب الفلسطيني، بما في ذلك منظمات الأمم المتحدة، خصوصاً وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا» ودعم جهودها في هذا الشأن، مؤكّدين في الوقت ذاته على ضرورة إنهاء السبب الحقيقي للنزاع المتمثل في الاحتلال الإسرائيلي، وأهمية تكثيف الجهود للوصول إلى تسوية شاملة وعادلة للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي، وفقاً لمبدأ حل الدولتين ومبادرة السلام العربية وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بما يكفل للشعب الفلسطيني حقه في إقامة دولته المستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.وجاء في البيان أن قيادة السعودية والقادة الأفارقة أكدوا على احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وحسن الجوار على أساس مبدأ المساواة والاحترام المتبادل والمصالح المشتركة بين الدول وفقاً للقانون الدولي، وعزمهم على تطوير التعاون والتنسيق في المجالات الدفاعية، والتأكيد على توحيد الجهود لمحاربة الإرهاب والتطرف بكل أشكاله.
كما بحث المجتمعون سبل تعزيز التعاون وتنسيق الجهود، وتبادل الخبرات، بما يخدم ويحقق المصالح المشتركة، ويسهم في تحقيق الأمن والسلم في العالم، واتخاذ كافة التدابير اللازمة لمنع وقوع الجرائم الإرهابية بالتعاون الوثيق فيما بين دولهم، وتعزيز العمل في مجال نشر ثقافة الاعتدال والتسامح وتحقيق الأمن والسلام ومحاربة التطرف والغلو والإرهاب.
الأمن البحري
ناقش القادة تكثيف التعاون في مجال الأمن البحري باعتباره أحد عوامل الاستقرار والتنمية للدول، وبما يساهم في تعزيز وسلامة البيئة البحرية والعمل المشترك لمكافحة الجريمة المنظمة وتهريب المخدرات والمؤثرات العقلية وغسيل الأموال وشبكات التهريب الدولية، ومعالجة وضع اللاجئين والهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر وقرصنة السفن، بما يكفل مساهمة ذلك في تنمية واستقرار الدول الأفريقية، ومكافحة الجرائم العابرة للحدود بأشكالها كافة، وتعزيز ذلك بما يحقق الأمن والاستقرار لهذه الدول وشعوبها، منوّهين في الوقت نفسه بانضمام السعودية ورئاستها «مجموعة التركيز المعنية بالشأن الأفريقي» التابعة للتحالف الدولي ضد تنظيم «داعش» الإرهابي إلى جانب الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المغربية وجمهوريتي إيطاليا والنيجر، ودعمها لهذه المجموعة بمليوني دولار أمريكي، وفي هذا الإطار ثمّن المجتمعون جهود السعودية لإنشاء مجلس الدول العربية والأفريقية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن.
خمسة عقود من العلاقات التنموية
وعلى الصعيد الاقتصادي والتنموي والتجاري والاستثماري، ذكر «إعلان الرياض» أن القادة أكّدوا على عمق العلاقات التاريخية بين السعودية ودول القارة الأفريقية، حيث قدمت الأولى خلال خمسة عقود دعماً تنموياً بأكثر من 45 مليار دولار في العديد من القطاعات الحيوية استفادت منه 46 دولة أفريقية.
وأشاد قادة الدول الأفريقية بمستوى العلاقات التجارية بين السعودية ودول القارة الأفريقية، حيث بلغ حجم التجارة بينهما 45 مليار دولار أمريكي العام الماضي، وأكدوا أهمية استمرار بذل الجهود لتعزيز التعاون التجاري والاقتصادي وتشجيع الاستثمارات المشتركة من خلال تنويع التجارة البينية، وتعزيز العلاقات بين المؤسسات الاقتصادية في الجانبين، مشيرين إلى المقومات الاقتصادية المتنوعة لدى السعودية والقارة الأفريقية والفرص التي تقدمها «رؤية السعودية 2030» والأجندة الأفريقية 2063 لتعزيز التعاون في شتى المجالات، مما يشكل منفعة اقتصادية متبادلة بين المملكة ودول القارة الأفريقية، وعلى أهمية بحث سبل تفعيل وتعزيز التعاون المشترك في مجالات النقل والخدمات اللوجستية، بالأخص في مجال الربط الجوي ومجال النقل البحري والموانئ بما يحقق المصالح المشتركة بينهم.واتفق الجانبان السعودي والأفريقي على تعزيز العلاقات الاقتصادية بين الجانبين في قطاعي الصناعة والتعدين، وزيادة الصادرات غير النفطية، مرحبين بالنمو الملحوظ للتبادل التجاري بينهما خلال السنوات الخمس الماضية، كما نوه الجانبان بارتفاع الصادرات السعودية غير النفطية إلى أفريقيا بمعدل نمو سنوي بلغ 5.96 في المائة خلال الفترة من 2018 إلى 2022 لتبلغ بنهاية العام الماضي 31.94 مليار ريال.
كما رحب القادة بالمشاركة في مؤتمر التعدين الدولي الذي يعقد سنوياً تحت رعاية الملك سلمان بن عبد العزيز، والمعني بنشاط التعدين في قارة أفريقيا والشرق الأوسط وآسيا الوسطى، ورحبوا بنتائج المؤتمر الاقتصادي عالي المستوى الذي عقد على هامش هذه القمة، وتم التوقيع فيه على أكثر من 50 اتفاقية ومذكرة تفاهم في العديد من المجالات الاقتصادية كالسياحة، والاستثمار، والمالية، والطاقة، والطاقة المتجددة، والتعدين، والنقل والخدمات اللوجستية، والزراعة والمياه، والاتصالات وتقنية المعلومات، كما تم التوقيع على عدد من الاتفاقيات في المجال الاجتماعي كالثقافة، والموارد البشرية، والتنمية الاجتماعية، والرياضة.
ودعا الجانبان إلى تعزيز الشراكات السعودية الأفريقية في مجالات الطاقة والتعدين والزراعة والأمن الغذائي، وتمويل التنمية المستدامة، ودعم المنشآت الصغيرة والمتوسطة، وتطوير الصناعات التحويلية، وتعزيز التجارة البينية عبر الترويج لها، وتنظيم لقاءات دورية بين المصدرين والمستوردين في الجانبين، وبحث سبل تعزيز العلاقات مع الدول الأفريقية من خلال استكشاف مجالات الاستثمار والفرص المتاحة في ضوء «رؤية السعودية 2030»، حيث سيصل حجم الاستثمارات السعودية في القارة الأفريقية حوالي 96 مليار ريال سعودي، وسيقوم الصندوق السعودي للتنمية بتمويل مشروعات تنموية في القارة الأفريقية حتى عام 2030 تصل مبالغها حوالي 18.75 مليار ريال سعودي، كما سيتم تمويل وتأمين للصادرات من السعودية إلى القارة الأفريقية حتى عام 2030 بمبلغ 37.5 مليار ريال سعودي.
الطاقة والمناخ
فيما يخص مجال الطاقة، أكدت الدول الأفريقية على دور السعودية الريادي، ودور مجموعة دول «أوبك بلس» في تعزيز موثوقية أسواق البترول العالمية واستقرارها والحاجة إلى ضمان أمن الإمدادات لجميع مصادر الطاقة في الأسواق العالمية.
كما أعربوا عن تطلعهم إلى بحث مجالات التعاون المشترك فيما يخص كفاءة الطاقة والطاقة الكهربائية والطاقة المتجددة مثل «الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح»، وتطوير مشروعات من هذه المصادر والعمل على توطين منتجات قطاع الطاقة.
ووفقاً لـ«إعلان الرياض»، فقد رحب قادة الدول الأفريقية بإطلاق السعودية مبادرتي «السعودية الخضراء» و «الشرق الأوسط الأخضر»، ودعمهم جهود المملكة في مجال التغير المناخي بتطبيق نهج الاقتصاد الدائري للكربون، الذي أطلقته السعودية وأقره قادة دول مجموعة العشرين، معبّرين عن تطلعهم إلى تنفيذ هاتين المبادرتين، كما أكدوا أهمية الالتزام بمبادئ الاتفاقية الإطارية للتغير المناخي واتفاقية باريس. وأكدوا أهمية التعاون الاقتصادي والاستثمار المشترك بين السعودية والدول الأفريقية لتحقيق التنمية المستدامة والاستفادة من الموارد البشرية، وسلاسل الإمداد العالمية، بينما أكدت السعودية تشجيعها للشركات والمستثمرين السعوديين على زيادة الاستثمارات النوعية في القارة الأفريقية في مختلف المجالات، ورحبت بالمستثمرين والشركات الأفريقية للاستفادة من الفرص الاستثمارية الضخمة التي توفرها «رؤية السعودية 2030» وبرامجها ومشاريعها العملاقة.مبادرة «إمباكت»
في إطار تعزيز السعودية للجهود المشتركة مع الدول الأفريقية لتنمية الاقتصاد الرقمي وتسهيل الوصول للحلول الرقمية، وتأكيداً لدور السعودية الريادي في مشاركة أبرز النجاحات من القطاع الخاص في مجال الحكومة الرقمية؛ أطلقت السعودية، بالتعاون بين «هيئة الحكومة الرقمية» و «منظمة التعاون الرقمي»، مبادرة السوق الرقمي (إمباكت)، التي تركز على مشاركة الدول لنجاحاتها في مجال الحكومة الرقمية؛ مما يسهم في تعزيز الوصول للخدمات الرقمية، ورفع جودة الحياة، وتنمية الاقتصاد الرقمي. وتعكس هذه المبادرة التزام المملكة بالتعاون مع الدول الأفريقية؛ لتعزيز التنمية الرقمية، وتبادل الخبرات والمعرفة، وتعزيز التعاون الإقليمي، وتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
رفع التعاون الثقافي
«إعلان الرياض» أكد أهمية تعزيز التعايش الحضاري والتسامح الإنساني بين السعودية ودول القارة الأفريقية، ودعا القادة إلى تعزيز التعاون الثقافي بينهما في كافة المجالات الثقافية بما يسهم في تبادل الخبرات والمحافظة على التراث الثقافي، والعمل على زيادة تنظيم الأنشطة المشتركة في مجالي الرياضة والشباب وخلق مبادرات مشتركة، وعلى وضع تصور استراتيجي مشترك للتعاون الإعلامي السعودي الأفريقي في مجالات التبادل الإخباري والإذاعة والتلفزيون، وتنظيم قطاع الإعلام، وعلى أهمية تمكين المرأة لتصبح عضواً فاعلاً في الأسرة والمجتمع، وتنمية الوعي بين أفراد الأسرة والمجتمع حول مفهوم الإيذاء والعنف الأسري والآثار المترتبة عليه، ونشر القيم الاجتماعية والمبادئ التي تعزز تماسك الأسرة، والمجتمع المدني، واستقرارهما والتعريف بتاريخ القارة الأفريقية، وما يكتنزه من آثار وثقافات عريقة، وقواسم مشتركة بين الجانبين.«إكسبو»... وكأس العالم
أكد قادة الدول الأفريقية دعمهم ترشح السعودية لاستضافة «معرض إكسبو 2030» في مدينة الرياض، وبذل الجهود كافة لدعم هذا الترشح، كما رحبوا بترشح السعودية لاستضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم 2034.
كما رحبت السعودية بدعم السياسات والخطط والتوجهات التي من شأنها تطوير قطاع السياحة في دول الاتحاد الأفريقي، بالتنسيق مع منظمة الأمم المتحدة للسياحة العالمية والاتحاد الأفريقي، وتوفير الدعم الفني اللازم لتنمية القدرات البشرية والمؤسسات التعليمية في الاتحاد الأفريقي والمساهمة في تطويرها لتحقيق الاستفادة المرجوة من القطاع السياحي لدعم التنمية الاقتصادية الشاملة في الدول الأفريقية
قد يهمك أيضــــــــــــــــًا :
اتفاقيات بقيمة 29 مليار دولار في القمة السعودية الصينية
استثمار 8.3 مليار ريال لتطوير الموارد البشرية في السعودية
أرسل تعليقك