عاد موضوع العلاقات الموريتانية - المغربية إلى الواجهة هذه الأيام، من خلال الرجل القوي في موريتانيا رئيس الحزب الحاكم سيدي محمد ولد محم، عبر استقباله القائم بالأعمال في سفارة المملكة المغربية المستشار الحسن بن موساتي. ونشرت صحيفتان مغربيتان مقابلة معه اتسمت بالصراحة.وتعرف علاقات البلدين توترًا شديدًا منذ ثلاثة أعوام، وظل الطرفان خلالها يرفضان الاعتراف به، علنًا قبل حملة صحافية رافقت تصريحات أدلي بها رئيس حزب الاستقلال المغربي حميد شباط، قبل شهرين، قال فيها إن موريتانيا جزءًا من المغرب.
وهدأت الحملة بعد إيفاد العاهل المغربي محمد السادس الوزير الأول عبد الاله بنكيران، إلى نواكشوط. غير أن صمتا على الجبهتين تبع تلك الجهود، ليكسره رئيس الحزب الحاكم سيدي محمد ولد محم باستقبال القائم بالأعمال المغربي، ونشر بيان يقول إنه تم الاتفاق على تعميق العلاقات. وجرى ذلك بالتزامن مع نشر صحيفتين مغربيتين مقابلة معه، أوضح فيها أسس إقامة علاقات طبيعية، وأسباب التدهور من وجهة نظره.
وأوضح ولد محم أن الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز، وهو شخصيا جادان "بكل تأكيد في الدفع ببناء العلاقات مع المملكة المغربية إلى أبعد مدى، وهو ما نعمل عليه". لكنه أشار إلى أنه لا ينبغي أن ينظر إلى العلاقات المغربية الموريتانية من زاوية علاقات بلاده بالجزائر أو "البوليساريو"، مؤكدًا أن "هذه العقدة في العلاقات يجب أن تزول، لأن علاقتنا مع الأشقاء في المغرب، يجب أن تبني على أسس مصالح متبادلة، وعلى أسس الوشائج والقرابة والعلاقات التاريخية".
واشتكى ولد محم في مقابلته من أن "الإخوة المغاربة دائما ينظرون إلى علاقاتهم مع موريتانيا من زاوية مستجدات علاقاتنا مع الجزائر ومع البوليساريو، الموضوع يجب أن يتجاوز هذا". وقال إنه ينبغي أن تبنى العلاقات " بعيدًا عن مؤثرات الجوار الأخرى، وبعيدًا عن موقفنا وعلاقتنا مع الجزائر، وعن مستوى العلاقات بيننا وبين البوليساريو وحتى السنغال".
ودعا ولد محم إلى تجاوز "العقد التاريخية المغربية الموريتانية" وألا تبقى العلاقات "حبيسة مقارنات، فكلما تحسنت علاقتنا مع الجزائر اعتبر أنها موجهة ضد المغرب.. نحن لدينا علاقات مع الجزائريين والصحراويين والمغاربة ونعتبر أن هذا هو الموقف الصحيح لدولة تريد أن تكون جزءًا من الحل"، مؤكدًا في الوقت ذاته ألا "أحد يرسم لنا سقف ذلك". ويقول الموريتانيون على الدوام إن كلا من الجزائر والمغرب يربط جودة العلاقات معه بمستوى تدهورها مع الطرف الآخر.
وظلت الصحراء الغربية منذ انسحاب موريتانيا من الصراع العام 1979، بعد أن اقتسمتها مع المغرب، الصخرة التي تتكسر عليها علاقاتها مع الجارين الكبيرين. وعلى الرغم من أنه بعد سقوط نظام الرئيس محمد خونه ولد هيدالة الذي اعترفت حكومته بالجمهورية، التي أعلنتها "البوليساريو"، وتدهورت العلاقات في عهده مع المغرب، ظلت الأنظمة الموريتانية الأخرى تتشبث بمبدأ "حياد مستحيل".
واعترف ولد محم بأن علاقات البلدين تصل اليوم "إلى الحضيض.. يكاد لا يكون هناك تمثيل ديبلوماسي بين البلدين ونحن نرى أننا لا نتحمل أية مسؤولية في هذا، نحن لم نسيء يومًا إلى المغرب، لم نتخذ من أرضنا منبرًا ولا موطئ قدم للإساءة للمغرب، ولا يوجد معارضون مغاربة ولا مسلحون يهددون سلامة وأمن المغرب".
وفي هذه الفقرة إشارة واضحة إلى رجل الأعمال الموريتاني محمد ولد بوعماتو، المقيم في المغرب. وبعض شخصيات المعارضة الأخرى. ويعتقد أن موريتانيا طرحت موضوع ولد بوعماتو خلال الاتصالات التي جرت بعد "أزمة شباط".
وتناول ولد محم موضوع التهم المغربية بتسهيل موريتانيا مرور رئيس البوليساريو، إلى المحيط، ووصول قواته إلى "الكركرات". وهي المرة الأولى التي يرد فيها مسؤول موريتاني على هذه التهم، فقال "ما يجري بين المغرب والبوليساريو على أرض صحراوية، وليس على أرضنا". وأضاف "الرئيس الصحراوي لا يحتاج إلى تسهيلاتنا.. هناك معابر كثيرة للصحراويين بكل من "ميجك و اكلبيات الفولة واغوينيت و البئر لحلو".
وأكد "لسنا طرفًا في هذه القضية، وفي هذا النزاع.. نحن محايدون ولن نسيء إلى أطراف هذا النزاع، نحن جادون في حيادنا تجاه هذا النزاع، وفي نفس الوقت مصرون على بناء علاقات متوازية مع كل الأشقاء والأهل، وعليهم أن يجربوا هذه الإرادة".
واشتكى ولد محم من "استهوان" موريتانيا "الكل يعرف أين توجد البوليساريو... البوليساريو توجد في الشريط الصحراوي "آغوينيت - اتفاريتي…" قيادة البوليساريو والمخيمات في تندوف، وكل واحد يعرف أين تقع تندوف على الخريطة... هنا نقول نحن إن موريتانيا تعتبر بمثابة (الحائط القصير)..".
وتعني عبارة "الحيط القصير" اعتبار موريتانيا الحلقة الأضعف التي يمكن للكل أن يستهدفها. وأثارت المقابلة العلاقات المغربية الأفريقية ودور موريتانيا من خلال الموقف من خط الغاز بين نيجيريا والمغرب، الذي كثر الحديث حوله في الإعلامين المغربي والموريتاني..
وقال ولد محم إنه حسب علمه "لم يعرض على موريتانيا أي مشروع من هذا النوع، لا أعتقد أن الحكومة الموريتانية، تلقت طلبا من هذا النوع. وبالتالي، فإن إمكانية عبور هذا المشروع من نيجيريا إلى المغرب، والذي من المفروض أن يمر عبر "ازواد" منطقة توتر، والمفروض أن يمر عبر الأراضي الموريتانية ويتجه عبر منطقة الصحراء التي هي بدورها تعرف نزاعا، لا أعتقد أن الذين أطلقوا هذه الإشاعات فكروا كثيرا في إمكانيتها عمليا".
ورأى مراقبون موريتانيون قرأوا المقابلة أنها بالرغم من صراحتها في موضوع البوليساريو، فإنها تعتبر بادرة انفتاح وسعيا من الموريتانيين إلى بالتعجيل بحل الخلاف الذي طال مع المغرب. وذكر مراقبو الشأن الموريتاني أن الأمور في البلد ممركزة في يد الرئيس محمد ولد عبد العزيز، ما يعني أنه ليس لرئيس الحزب رأي خاص به.
أرسل تعليقك