قدَّم رئيس الحكومة سعد الحريري، استقالته إلى الرئيس ميشال عون وذلك بعد 13 يوما من الاحتجاجات المستمرة في شوارع لبنان، لتبدأ التساؤلات بشأن السيناريوهات المحتملة لمرحلة ما بعد الاستقالة، سواء على مستوى الشارع أو الطبقة السياسية.
وأثرت استقالة الحريري على صعيد الحراك الشعبي، بشكل مختلف على المتظاهرين، إذ تباينت ردود الفعل بين أنصار له نزلوا إلى الشوارع وقطعوا الطرقات رفضا لاستقالته منفردة، مطالبين باستقالة رئيسي الجمهورية والبرلمان أيضا، وبين الأغلبية التي رحبت بها، لكنها ما زالت ترى أنها "لا تكفي".
واعتبر الناشط في مجموعة "لحقي"، نزار حسن، أن هذه الاستقالة تعد "انتصارا تاريخيا" للشعب اللبناني، كونه نجح في أن يقول كلمته "بعيدا عن كل التقسيمات الطائفية والحزبية"، وأشار حسن في الوقت نفسه، إلى أن الاستقالة "لا تكفي، ولا تمثل وحدها مطالب اللبنانيين"، موضحا في حوار مع "سكاي نيوز عربية": "نحن لم نطلب فقط استقالة الحكومة، وإنما قدم الشعب مجموعة من المطالب، أهمها تشكيل حكومة مستقلة عن كل الأحزاب السياسية، تتولى إنقاذ البلد من الأزمة الاقتصادية، والإشراف على انتخابات نيابية مبكرة".
وأكد الناشط في مجموعة "لحقي" أن اللبنانيين "لن يتركوا الشوارع، حتى تتم تنفيذ مطالبهم"، قائلا إنه سيتم الإعلان خلال الأيام المقبلة عن تحركات شعبية جديدة.
وقال الكاتب والباحث السياسي، أسعد بشارة، إن "المسار داخل السلطة منفصل تماما عن مسار الديناميكية داخل الشارع، فالانتفاضة الشعبية تطالب بالتغيير الكامل"، مضيفا أنه في حال "قرر حزب الله أن يلجأ مرة ثانية إلى الالتفاف والمناورة، فإن الشارع لن يسكت".
واستطرد قائلا: "مطالب الشارع تتجاوز القوى السياسية والطائفية، فالحريري ابن الطائفة السنية، وهو ممثل حقيقي وكبير لها، ومع ذلك لاحظنا أن ردة فعل طرابلس، وهي أكبر مدينة ذات طابع سني في لبنان، جاءت مؤيدة للاستقالة، وهذا يعكس تجاوز اللبنانيين للحواجز الطائفية، وتعاملهم من منطلق الوطنية وحب البلد"، وبقراءة قرار استقالة الحريري، وتبريره له بأنه وصل إلى "طريق مسدود"، فإنه يصبح من الواضح التأثير الطاغي لميليشيا حزب الله على القرار في الحياة السياسية في لبنان.
ويرى بشارة أن الحريري "اتخذ قرارا شجاعا"، معللا ذلك بالقول: "الحكومة وإن كانت برئاسته (الحريري)، فإن حزب الله مسيطر على مقاليد الأمور، إذ تسلم القرارات الكبرى، ووضع لبنان تحت الوصاية الإيرانية، وعزله عن محيطه العربي وقتل حياته السياسية، وأوصله إلى الانهيار الاقتصادي".
واستطرد قائلا: "حزب الله هو من أوصلنا إلى هذا الانهيار، فهو من يغطي الفساد، ويشارك فيه من خلال التعطيل الدستوري، والمعابر المفتوحة، وتهريب الأموال، وتهديد النظام المصرفي، وكل ما شهدناه في السنوات الأخيرة من تعطيل وتخريب"، وهناك خياران قد يلجأ إليهما حزب الله بعد استقالة الحريري، خاصة في ظل تمتعه بالأكثرية النيابية، بحسب بشارة، فالاحتمال الأول "أن يسمح حزب الله بتشكيل حكومة تكنوقراط مستقلة، بعيدة عن الضغوط، تنقذ البلد وتبني دولة (وهو احتمال مستبعد). أما الاحتمال الثاني فهو أن يتوجه إلى تشكيل حكومته الخاصة، كونه يتمتع بالأغلبية النيابية".
وتابع: "أتوقع بأن يستمر حزب الله وحليفه الأساسي الآن، العهد (رئيس الجمهورية) وجبران باسيل(رئيس التيار الوطني الحر)، بمحاولة الضغط لتشكيل حكومة لهم فيها أغلبية، إذ لن يكفوا أيديهم عن تشكيل الحكومة، وهذا ما دفعهم لتعطيل استقالة الحريري ومحاولة إثنائه عنها، ليبقى داخل السلطة شريكا لهم بكل الأخطاء المتركبة"، وتابع: "يريدون الشراكة لتبقى تركيبة السلطة بيد حزب الله".
وشدد الكاتب والباحث السياسي، على أهمية أن يحدد الرئيس عون، مشاورات سريعة لتسمية رئيس حكومة، فور قبوله استقالة الحريري.
وأفادت مصادر في الرئاسة اللبنانية لوكالة "رويترز" بأن الرئيس عون يدرس ورقة استقالة الحريري، "ولن يطلب من حكومته تصريف الأعمال"، على الفور.
ويتعين على رئيس البلاد إجراء استشارات مع النواب للوقوف على آرائهم ومعرفة الشخصية التي سيختارونها لتولي تشكيل حكومة تقود البلاد في أصعب مرحلة اقتصادية منذ الحرب الاهلية التي دارت بالبلاد بين عامي 1975 و1990.
ويثار تساؤل عما إذا أصر حزب الله وحلفاؤه على تسمية شخصية أخرى لرئاسة حكومة، بعيدة عن مبدأ التكنوقراط (أحد المطالب الأساسية للمتظاهرين).
ويقول الباحث السياسي يوسف دياب: "في حال وصلنا إلى هذا السيناريو، فإن رئيس الجمهورية وفريقه السياسي وحزب الله، سيكونون أمام معضلة من شقين، الأول يتمثل في معضلة داخلية، وهي أن الشعب لن يرضى بأي طرف من الأطراف القائمة في السلطة، أن يكون شريكا في التركيبة السياسية أو تركيبة حكومية مقبلة، خصوصا أن كل الوزراء الذين سيسمونهم لا يوحون بالثقة. فهذا الفريق السياسي، المكون من حزب الله وحركة أمل ومعهما التيار الوطني الحر، هم سبب وصول البلد إلى الأزمات الاقتصادية والسياسية".
واعتبر دياب أن المعضلة الثانية التي سيواجهها هذا الفريق، تتمثل في وضع البلد في مواجهة عربية ودولية لا يقدر عليها، موضحا: "سيضع هذا لبنان في مواجهة مع المجتمع العربي والدولي، فالكل يعرف أن حزب الله هو من يمسك بمقاليد الحياة السياسية في لبنان، مما يزيد من الضغوط الاقتصادية".
وتابع: "سيتحول لبنان في نظر المجتمع الدولي إلى دولة مارقة، كون حزب الله مصنف كتنظيم إرهابي في العالم، وفي الجامعة العربية، وبالتالي سيذهب لبنان إلى مزيد من الانهيار والحصار".
وبرغم ضبابية الموقف فإن الصورة ستتضح شيئا فشيئا بعد أن يعلن رئيس الجمهورية موقفه من استقالة رئيس وزرائه، وبعد أن تتم تسمية رئيس جديد للحكومة، ليكشف الاسم المرتقب عن طبيعة الحكومة التي ستتشكل، وما إذا كانت ستلبي مطالب المحتجين وتخرج بالبلاد من هيمنة حزب الله، أم لا.
قـــد يهمــــــــك أيضــــــاُ :
سياسيون لبنانيون يُعلنون تأييدهم لاستقالة سعد الحريري و"حزب الله" وحلفاؤه يلتزمون الصمت
أرسل تعليقك