بغداد - نجلاء الطائي
أبدت الولايات المتحدة الأميركية استعدادها لتوفير الدعم لقوات "الحشد العشائري" السنية، استعدادًا لتحرير مناطق في محافظة الأنبار من تنظيم داعش، في وقت بات أول ضيف إيراني بارز آية الله محمود هاشمي شاهرودي، تحاط زيارته لبغداد الأسبوع الماضي، بلغط يصل حد إحراجه رسميًا وشخصيًا، إذ لم يحظ بالحفاوة المعتادة، وانتظر أيامًا إلى أنّ استقبله رئيس الحكومة حيدر العبادي المنتمي إلى حزب الدعوة، في طعن رمزي بمنصب مفترض لشاهرودي وهو "الأب الروحي" والمرشد للعبادي وحزبه، لكن الأمر تجاوز الحرج المعتاد وكشف عن فجوة تتسع بين الحليفين في طهران وبغداد.
وكشف مصدر في تصريح صحفي، أنّ وفد عسكري أميركي رفيع عقد اجتماعات مكثفة مع قادة في الجيش العراقي وزعماء عشائر سنية في قاعدة "عين الأسد" الجوية، في الأنبار، ضمن الاستعدادات للمعركة، مضيفًا أنّه كان على رأس الوفد الأميركي قائد قوات التحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش الجنرال جون ألن، الذي اجتمع مع شيوخ عشائر مناطق البغدادي وحديثة وهيت وقيادات الحشد العشائري فيها، بحضور قادة الجيش العراقي المسؤولين عن محور غرب الأنبار، مؤكّدًا أنّ ألن ناقش إجراءات معركة تحرير المدن الباقية غرب الأنبار بيد "داعش" وهي القائم وراوة وعانة، مركزًا على معرفة إمكانيات قوات الحشد العشائري، للمشاركة في المعركة، ومبديًا استعداد الولايات المتحدة على توفير الدعم لها لأداء دورها بشكل صحيح.
وأكّد قائد الحشد العشائري في حديثة عبد الحكيم الغريري، أنّ "اهتمام الولايات المتحدة في محافظة الأنبار متواصل ومستمر منذ سنوات لتحرير المناطق التي يسيطر عليها تنظيم الدولة"، منوّهًا إلى أنّ "الدعم الأميركي كان له الدور المهم في عدم سقوط مدينة حديثة بيد التنظيم رغم سقوط مدن عديدة قريبة منها في قبضته".
وأوضح المصدر، أنّ هذا الدعم "لا يقتصر على الجيش العراقي والشرطة فقط بل يشمل الحشد العشائري الذي تزوده واشنطن بالسلاح، وتمنح الرواتب لمقاتليه، لأن الأميركيين حريصون على تحرير الأنبار من التنظيم المتطرّف وقطع خطوط تواصله مع سوريا"، وبحسب الغريري فإنّ "المستشارين الأميركيّين يتركز تواجدهم في الأنبار أكثر من تواجدهم في الموصل وصلاح الدين"، موضحًا بأنّ "صفقة نقل مقاتلي التنظيم من لبنان إلى قرب الحدود العراقية كان هدفها استهداف القوات الأميركية في الأنبار"، مضيفًا أنّ "هناك سببًا آخرًا للتسابق بين الولايات المتحدة وإيران للسيطرة على الأنبار، وهو وجود حقل غاز عكاظ قرب القائم، الذي يحتوي على كميات هائلة من الغاز"، لافتًا إلى أنّ "الولايات المتحدة تدرك أنّ ساحة المعركة في الأنبار واسعة ومترامية الأطراف، وتحتاج إلى أعداد كبيرة من المقاتلين للبدء في المعركة وفي السيطرة على الصحراء المترامية الممتدة إلى الأراضي السورية"، معتبرًا أنّ "القوات الحكومية النظامية في المنطقة غير كافية لوحدها ويجب دعمها بقوات الحشد العشائري المستعدة بقوة للمشاركة في معركة تحرير محافظتها، عند توفير المستلزمات الضرورية من سلاح وعتاد ورواتب".
ويُذكر أنّه إثر خلافات عميقة حول دعم طهران لفصائل شيعية عراقية متطرفة تهدد سيادة الحكومة التي يهيمن عليها جناح شيعي موصوف بالاعتدال، تعرض حزب الله ودمشق مؤخرًا إلى هجوم عنيف من شيعة العراق، اعتراضًا على صفقة أبرمها الحزب مع تنظيم داعش تقضي بنقل المئات من مسلحي داعش من القلمون إلى حدود سورية مع العراق، ما اعتُبر تهديدًا لبغداد في لحظة حرب محاطة بالمخاطر، وبلغ الأمر إلى درجة جعلت زعيم منظمة بدر وزعيم الحشد الشعبي والحليف التاريخي لإيران هادي العامري، يضطر إلى انتقاد الصفقة، والحديث بنحو يوحي بأنّ حزب الله "خدع العراقيين".
وألقى هذا الأمر بظلاله على زيارة شاهرودي، وهو عربي الثقافة، مولود في النجف ويُقال أنّه فقيه مستنير، لكن قربه من المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي وضعه في قلب السياسات المتشددة التي تتحسس منها مرجعية النجف المعروفة باعتدالها، كما أنّ الأوساط الدينية تناقلت قبل أعوام أنّ شاهرودي مرشح من جانب خامنئي لخلافة المرجع النجفي السيستاني بعد وفاته، وهو ما اعتُبر محاولة إيرانية لـ"الاستيلاء" على النجف بعد نجاح السلطات في تقييد استقلال المرجعية بإيران، وبقي شاهرودي في العراق خمسة أيام، لكنه لم يحظ بلقاء مراجعها البارزين، حتّى أنّ مقتدى الصدر لم يستضفه رغم الصداقة التاريخية التي تجمعهما عائليًا.
وتتفق الإشارات على أنّ هناك فجوة تتسع بين بغداد، التي انخرطت في بناء ثقة جديدة مع محيطها العربي والمحور الأميركي، وإيران التي لا تزال تقاتل في المحور الروسي وتريد زج العراق معها لتتفاخر بوجود "خط ممانع" يمتد حتى بغداد ودمشق، لكنها تفاجأت بأن العراق يصبح يومًا بعد آخر مضطرًا إلى تصحيح وضعه دوليًا وإقليميًا لبناء مرحلة استقرار بعد انتهاء الحرب المكلفة مع "داعش"، التي جعلته يواجه مصاعب اقتصادية وسياسية عميقة، يحتاج خلالها إلى معونة مستمرة من المؤسسات الدولية والعربية، وهو ما يفرض "تصحيحًا" للعلاقة مع طهران، دون أن يعني ذلك تدهورها، إذ أنّ الإيرانيين يبقون حريصين على دعم حكومة في بغداد يهيمن عليها الشيعة حتّى لو كانوا مصنفين كحلفاء للعرب والغرب ومبتعدين عن السياسات المشاكسة.
وتحظى مواقف العبادي والصدر والأطراف الحليفة لهما باهتمام متحمّس، خصوصًا عند الجمهور السني الذي عادة ما يرتاب حيال "حكومة الشيعة"، بينما تسود مؤخرًا أجواء يمكن أن تمثل فرصة مهمة لتخفيف الاحتقان الطائفي وإعادة بناء الشراكة مع القوى السنية بنحو يبدو شرطًا دوليًا لإعادة إعمار أكبر المدن المدمرة في الحرب وهي مدن سنية بطبيعة الحال.
وأشارت بعض المصادر إلى أنّ شاهرودي أبلغ العبادي أنّ طهران تريد "توحيد شيعة العراق" قبيل انتخابات الربيع، وتحث على مصالحة بين الصدر والعبادي من جهة، والمالكي والفصائل المسلحة من جهة أخرى، إلّا أنّ المصادر تؤكد أنّ بعض القادة العراقيين ردّوا بأنهم يطمحون أيضًا إلى "التوسط لتوحيد شيعة إيران، حيث يخضع أبرز معارضي طهران لإقامة جبرية أو قيود كبيرة"، فضلًا عن وجود آلاف السجناء السياسيين الشيعة في معتقلات طهران.
أرسل تعليقك