تونس - حياة الغانمي
مغامرون يركبون المخاطر مهما بلغت حدتها,اقوياء لا يخشون احدًا وخارقون للقانون لا يتقيدون به ويجاهرون بخروقاتهم وتجاوزاتهم، هؤلاء هم المهربون على الحدود التونسية، وطنهم المال وقانونهم قانون الغاب، يتاجرون في كل شيء حتى وان كان ضد مصلحة الوطن وامنه، والمهرب على الحدود يكون عادة جاهل لمحتوى الاكياس التي يقوم بتهريبها فما يهمه في العملية هي الاموال التي سيحصل عليها ، ومن هنا جاءت معادلة التهريب في خدمة التطرف
ورغم الحوادث العديدة التي حصلت جراء السرعة المفرطة التي تتجاوز 200 كلم في الساعة واحيانا نتيجة الملاحقات والتي تصل الى حد فقدان البعض لحياتهم، الا ان الوضع لم يتغير، وقد اتضح في زمن ما بعد الثورة حجم التعاون والتعامل بين شبكات التهريب المنتشرة عبر حدودنا الجنوبية وحدودنا الغربية وبين الخلايا الإرهابية التي يتحصّن بعضها بالجبال وبين بارونات التهريب الذين يتخذون من الحدود معبرا للاتجار في كل شيء بدأ بالمواد الأساسية وصولا الى الخراطيش والأسلحة بمختلف أنواعها.
جماعات اجرامية
ولان التهريب لا يقل خطورة عن التطرّف فقد تم تجريمه مع المطالبة باتخاذ اجراءات قانونية وامنية مماثلة للتي اتخذت في شان التطرف ، فهذه الظاهرة الخطيرة لا تنتهي بمجرد تجريمها فحسب وانما لا بدّ من اجراءات عملية لتجفيف منابع التهريب وقطع عملية مده لوسائل القتال للمتطرفين من اسلحة وغيرها من المواد ، ويرى المتابعون والخبراء انه لا بد من ضرب ظاهرة التهريب ومقاومتها باعتبارها ابرز منبع لتمويل الارهاب في بلادنا وفي شمال افريقيا.
وذهب العديد من الخبراء والباحثين في سياسات الدفاع والامن الى ان ظاهرة التهريب التي اكتسحت حدودنا الجنوبية والغربية بعد الثورة تحت وطأة التراخي والانفلات الأمني ،أصبحت ظاهرة مزعجة ولها تداعيات خطيرة، ولكن فعليا تبقى مسألة مراقبة الحدود مهمة عسيرة أمام ترامي الحدود على أكثر من 465 كلم جنوبا و965 كلم على حدودنا الغربية، ومن هذا المنطلق فان التطرف تطوّر ونما في منطقة شمال إفريقيا ووجدت قاعدة المغرب الإسلامي المجال للتحرّك وتوسيع مناطق نفوذها بعد سقوط النظام الليبي وحالة الانفلات التي أصابت مخزون أسلحة نظام معمّر القذافي وهو ما سمح بسهولة الاستيلاء على مخزون الأسلحة هذا ، وأدّت الأحداث التي جدّت شمال مالي والتدخّل الفرنسي هناك الى هجرة عدد من العناصر الارهابية الى ليبيا والجنوب التونسي والمناطق الحدودية بين تونس والجزائر ونشط بعضها في تهريب الأسلحة كما سعت الى الاستعانة بشبكات التهريب المنظمة والعابرة للوطن وهي في نهاية المطاف جماعات إجرامية هدفها الربح المادي ولذلك تعاونت مع الجماعات الإرهابية لتبادل المنافع والمصالح ، وباعتبار أن شبكات التهريب أصبحت اليوم على علاقة وثيقة بالتنظيمات المتطرفةوأصبحت تربط بينهما جملة من المصالح المادية المشتركة فان مقاومة الظاهرة الارهابية تقتضي أساسا تجفيف المنابع المالية لهذه التنظيمات الارهابية وأبرزها قطع دابر آفة التهريب التي تفتك بالاقتصاد الوطني وفي نفس الوقت تقدّم الدعم اللوجيستي للتنظيمات الارهابية.وبالتالي لا بد من تكثيف المراقبة الحدودية و التتبع الأمني والقضائي للعائدات المالية لهذه التنظيمات والمتأتية في العادة المساعدة على الهجرة غير الشرعية وتجارة التبغ والمخدّرات والتهريب.
الالاف من بارونات التهريب
ورغم ان ظاهرة التهريب كانت موجودة قبل الثورة الا أن قوات الأمن كانت ملمة بكل حيثيات الظاهرة وتبقيها تحت السيطرة كما كان عدد السيارات التي تقوم بمهمات التهريب على حدودنا معلوما و كانت قوات الأمن تعرف مالك كل سيارة وسائقها والكشّاف الذي يقوم بمهام استكشاف الطرق الجبلية والصحراوية وقد كان عدد السيارات المعلومة من الأمن والتي غالبا لا تحمل لوحة منجمية في حدود 1500 سيارة ، بعد الثورة تفاقم عدد السيارات التي تشتغل في التهريب وأصبح يناهز 10000 سيارة رباعية الدفع ،نجهل مالكيها وسائقيها وبالتالي لم تعد عائلة الطرابلسية فقط هي من تمثّل بارونات التهريب بل بات لدينا الالاف من بارونات التهريب ،الذين يهرّبون ويتاجرون في كل شي بدءا بالمواد الغذائية والأساسية والتي كان من المستحيل تهريبها سابقا لكن اليوم أصبح تهريبها مباحا وهذا ما يسهّل مداخيل هذه المنظمات المتطرفة والتي عادة ما تتأتى مداخيلها من تبييض الأموال ومن زراعة الأفيون ومن تجارةالمخدرات ولكن في شمال افريقيا ترتكز مداخيل التنظيمات الارهابية على عمليات التهريب المختلفة.
وفسر الخبراء تنامي الظاهرة اكثر بما اسموه سطوة التعيينات المشبوهة في سلك الأمن والتي تعتمد على الولاءات والتي تتساهل مع شبكات التهريب في المعابر الخطيرة التي تمتد على كافة حدودنا الجنوبية وعلى الشريط الحدودي والتي تعتبر أسخن نقطة فيه هي محافظة القصرين، "افلا يتطلب الامر احداث خلايا مركزية وجهوية من مختلف الوحدات الأمنية والعسكرية لتعقّب المهربين وملاحقتهم مقابل خلق مواطن شغل بديلة عن التهريب لآلاف الشباب
أرسل تعليقك