في منتصف ليل الأحد 8 سبتمبر/أيلول أعلنت رئاسة الجمهورية التونسية قرار الرئيس قيس سعيد تعيين ولاّة (محافظين) جدد في محافظات البلاد الأربع والعشرين. واكتفى البلاغ الصادر عنها بالكشف عن أسماء 9 محافظين جدد عينوا في مناصب شاغرة و15 تم تغييرهم.
ويأتي هذا التغيير، الذي سبقه تغيير لعدد من وزراء الحكومة، قبل أقل من شهر من موعد الانتخابات الرئاسية المقررة في السادس من شهر أكتوبر/ تشرين الأول القادم ما دفع إلى تساؤلات حول توقيت التغيير الذي كان سيكون متوقعا بعد الانتخابات الرئاسية ودخول البلاد مرحلة جديدة.
وبينما لم يذكر بيان الرئاسة سبب هذه التغييرات وخلفياتها تتراوح تحليلات المهتمين بالشأن السياسي في تونس بين ربطها بالمسار الانتخابي ومن يراها تحميلا من قيس سعيد لمسؤولية الأزمات العالقة في مختلف مناطق البلاد للمحافظين من جهة وبين من يراها فصلا لتسيير شؤون الدولة والمؤسسات عن من يترأس الدولة من جهة أخرى.
الخيارات المطروحة أمام التونسيين في هذه الانتخابات محدودة جدا، إذ أقصت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات عددا من المترشحين قالت إنهم لو يستوفوا شروط الترشح، كما تجاهلت قرار المحكمة الإدارية القاضي بإعادة ثلاثة من المترشحين إلى السباق فأصبح العدد النهائي ثلاثة مرشحين، أحدهم في السجن.
الاسم الأبرز في القائمة هو الرئيس التونسي، قيس سعيد، الذي يتهمه معارضون ومنظمات حقوقية بالتضييق على المرشحين المنافسين له.
وقالت هيومن رايتس ووتش في شهر أغسطس/آب الماضي إن "السلطات التونسية أبعدت من السباق جميع المنافسين الجديين تقريبا من السباق، ما سيجعل هذا التصويت مجرد إجراء شكلي".
بينما يتهم سعيد معارضيه بالتآمر عليه وعلى أمن البلاد، مغتنما كل فرصة للإشارة إلى "غرف مظلمة" و"لوبيات فساد" يلقي عليها المسؤولية في كل ما يحدث في البلاد من أزمات اقتصادية أو سياسية أو بيئية حتى، ويقول إنها "تقوم بعمليات تخريبية لتحمل مسؤوليتها لرئيس الدولة" في خضم الانتخابات الرئاسية.
ويقود سعيد ما يعرف بـ"مسار 25 جويلية (يوليو/تموز) الذي بدأ بإقالة الحكومة وتجميد البرلمان في 25 يوليو/تموز 2021 قبل حله نهائيا. بعدها عرض سعيد على الشعب دستورا جديدا للاستفتاء، مر بأغلبية تجاوزت 94٪ من ناخبين لم تتجاوز نسبتهم 30.5٪.
وقوبل الدستور الذي مازال ساري المفعول بانتقادات من المعارضين الذين رأوا فيه منحا لـ"سلطات مطلقة" للرئيس ووضعه "فوق المحاسبة" مقابل تقليص سلطة البرلمان.
الاسم الثاني في القائمة النهائية للمرشحين الذي ذاع صيته في الآونة الأخيرة هو السياسي ورجل الأعمال العياشي زمّال الذي يقبع في السجن الآن على ذمة اتهامات بتزوير عدد من التزكيات التي جمعها حتى يكتمل ملف ترشحه للانتخابات.
وقال عبد الستار المسعودي محامي المرشح العياشي زمّال لبي بي سي إن القضايا المفتوحة ضد زمّال "ملفقة وأثيرت بفعل فاعل".
تقوم القضايا على شكايات من أشخاص توجد أسماءهم على قائمة المزكين لترشيح العياشي زمّال قالوا إن تزكياتهم زُوّرت وإنهم زكوا قيس سعيد أو اعتقدوا ذلك. إذ يقول بعضهم إنه خلط بين صورة المرشح العياشي زمّال وصورة الرئيس قيس سعيد بينما ينكر بعضهم توقيعه على تزكية زمّال، حسب ما قال المحامي عبد الستار المسعودي لبي بي سي.
ورغم تأكيد الشاكين أنهم لا يعرفون العياشي زمّال ولم يتواصلوا معه، كما قال المسعودي، فإن زمّال هو المتهم في قضايا التزوير هذه، لذلك يرى المسعودي أن زمّال "زُجّ به في هذه القضايا نكاية به لإجباره على التراجع والخروج من الدورة الأولى للانتخابات".
رغم أن 25 قضية فتحت ضد زمّال في عدد من محافظات البلاد، إلا أن اسمه ما يزال موجودا على قائمة المترشحين وسيبقى كذلك وفقا لقانون الانتخابات، كما أعلن أعضاء حملته الانتخابية مواصلة الحملة وإن خاض مرشحهم الانتخابات سجينا.
وقال المسعودي لبي بي سي إن المحامين في لجنة الدفاع عن زمّال يعدون لندوة صحفية سيوجهون بعدها خطابا رسميا للهيئة العليا للانتخابات لتحمل مسؤوليتها حيال المرشح الرئاسي المسجون "خاصة بعد أن قالت المحاكم التي نظرت في الاتهامات الموجهة ضده إنها اتهامات واهية وملفقة". كما سيحملون قيس سعيد مسؤولية على ما يحدث باعتباره الضامن للدستور وبالتالي سلامة العملية الانتخابية.
وكان زمّال قد اعتقل من بيته في الثاني من سبتمبر/ أيلول بتهمة تزوير التزكيات، في محافظة منوبة بالعاصمة تونس لتأذن المحكمة فيما بعد بتركه في حالة سراح. وخلال خروجه من سجن برج العامري في العاصمة بعد استكمال إجراءات الافراج، وقبل مغادرته البوابة الرئيسة عند منتصف الليل اقتادته فرقة أمنية إلى وجهة "غير معلومة". وتمكن محاموه صباح اليوم التالي من معرفة مكان وجوده في محافظة جندوبة شمال غرب البلاد حيث أودع بالسجن في انتظار الوقوف أمام المحكمة يوم الأربعاء 11 سبتمبر/أيلول، كما أوضح محاميه عبد الستار المسعودي.
ثم نقل اليوم العياشي زمّال إلى محافظة سليانة لمواجهة نفس التهمة. وقالت حملته إن خمس بطاقات إيداع بالسجن جديدة صدرت ضده مساء اليوم، ويعتقد محاموه أن هذا الإجراء سيتكرر وأن موكلهم سينقل من محافظة إلى أخرى حيث فتحت ضده قضايا بتهمة تزوير التزكيات.
المرشح الآخر للانتخابات هو زهير المغزاوي الأمين العام لحركة الشعب الذي عبر هو أيضا عن رفضه وإدانته لقرارات الهيئة العليا للانتخابات واعتبرها "دوسا على القانون".
وقال المغزاوي إن الهيئة "تعسفت على بعض المترشحين ونصبت نفسها سلطة بلا رادع قانوني ولا أخلاقي ولا مؤسساتي". واتهم المغزاوي الرئيس التونسي قيس سعيد باستخدام إمكانيات الدولة التي بيده باعتباره مازال يمارس نشاطه الرئاسي "في حملة انتخابية مبكرة".
ولم يصدر أي خطاب أو تعليق من المرشح الرئاسي زهير المغزاوي منذ أسبوع.
ثلاثة مرشحين للانتخابات الرئاسية هو ما بقي من جملة 17 مترشحا رفضت ملفات أغلبهم لعدم اكتمالها.
من أوائل من أعلنوا ترشحهم للرئاسة هو لطفي المرايحي رئيس حزب الاتحاد الشعبي الجمهوري الذي اعتقل مباشرة بعد الإعلان وحكم عليه بالسجن ثمانية أشهر مع منعه من الترشح للانتخابات الرئاسية مدى الحياة بتهمة شراء أصوات.
ثلاثة من المرشحين الذين طعنوا في رفض ملفاتهم قبلت المحكمة الإدارية طعونهم.
وتعد القرارات الصادرة عن الجلسة العامّة القضائيّة للمحكمة الإدارية باتّة وغير قابلة لأيّ وجه من أوجه الطّعن ولو بالتّعقيب طبقًا لمقتضيات القانون الانتخابي.
لكن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات رفضت إعادة المرشحين التي قبلت طعونهم للسباق الرئاسي.
وكانت الهيئة قد عللت عدم تنفيذها قرار المحكمة الإدارية بـ"إعلامها بالقرارات خارج الآجال القانونية."
ومع تأكيد المحكمة الإدارية بأنها قامت "تباعا وبمجرّد التّصريح بالأحكام تبليغ شهادة في منطوقها حينيا إلى طرفي النزاع"، وأحدهما الهيئة العليا للانتخابات، عادت الهيئة لتقول "إن المحكمة لم تقض بصفة واضحة وصريحة بإدراج المترشحين الطاعنين بالقائمة النهائية للمترشحين".
أصدر بعد ذلك عشرات من أساتذة القانون والعلوم السياسية في تونس بيانا مشتركا يؤكدون فيه على وجوب التزام هيئة الانتخابات بالأحكام الصادرة عن الجلسة العامة للمحكمة الإدارية وقالت فيه إن ما أصدرته الهيئة من تبرير لعدم تنفيذ قرار المحكمة يعتبر "خرقا فادحا للشرعية" و"يمس من مصداقية ونزاهة وسلامة المسار الانتخابي ويؤدي لا محالة للتشكيك في نتائج الانتخابات".
من جهته وصف الاتحاد العام التونسي للشغل، المنظمة العمالية الفاعلة في المشهد السياسي التونسي، قرار هيئة الانتخابات بـ"التجاوز الخطير للقانون" وقال إنه يعتبر "تأكيدا على غياب المناخ الملائم والشروط الضرورية لانتخابات ديمقراطية وتعددية وشفافة ونزيهة".
ومع تواتر المواقف الرافضة لإقصاء عدد من المرشحين من السباق الرئاسي والمحذرة من عواقب هذا النزاع على مصداقية الانتخابات ونتائجها، مازال الوضع رسميا على ما أقرته الهيئة العليا للانتخابات؛ ثلاثة مرشحين فقط أحدهم مسجون.
وعلى جبهة أخرى تواجه الهيئة العليا للانتخابات اتهامات بما وصفته نقابة الصحافيين التونسيين بـ"تعفين المناخ الانتخابي"خاصة بعد أن استثنت الهيئة من تغطية إعلانها القائمة النهائية للمترشحين الاثنين الماضي كل وسائل الإعلام عدا التلفزة الوطنية (التلفزيون الحكومي). وقال بيان النقابة إن ما فعلته الهيئة "محاولة منها للهروب من المسائلة الإعلامية لقراراتها ومن الإجابة على استفسارات الرأي العام حول قرارها الذي يتناقض مع أحكام القضاء الإداري".
وكان بيان لنقابة الصحافيين في بداية شهر أغسطس قد كشف عن تلقي عديد الإذاعات المحلية تنبيهات ولفت نظر من قبل الهيئة العليا للانتخابات بشأن تغطيتها الإعلامية التي رأت فيها الهيئة "عدم حياد" بالإضافة إلى "التشكيك في مصداقية الهيئة واستقلاليتها والإساءة إليها والاستهزاء بها". واعتبرت النقابة هذه التنبيهات جزءا من "سلسلة متتالية من الضغوطات التي مارستها هيئة الانتخابات على الصحفيين/ات والمؤسسات الإعلامية في محاولة منها لفرض الوصاية على قطاع الإعلام". كما جاء في بيانها.
ويشتكي صحفيون تونسيون من تضييق الخناق عليهم في الأشهر الأخيرة مع حبس عدد من الصحفيين والتحقيق مع بعضهم على خلفية محتوى عملهم الصحافي.
وقد زاد منع تداول النسخة الورقية الشهرية من مجلة "Jeune Afrique" الأسبوع الماضي في تونس "بسبب تقرير عن حكم قيس سعيد" كما قالت الصحيفة، من مخاوف الصحفيين من الرجوع إلى سياسات تعتيم إعلامي كانت متبعة في عهد الرئيس السابق زين العابدين بن علي قبل أن تطيح به الثورة في يناير 2011.
قد يُهمك ايضـــــًا :
الرئيس التونسي قيس سعيد ينهى مهام وزير الشؤون الدينية
سعيد يأمر باتخاذ إجراءات فورية إثر واقعة حجب العلم التونسي
أرسل تعليقك