بغداد - العرب اليوم
في أول اجتماع لحكومته، فاجأ رئيس الوزراء العراقي الجديد محمد شياع السوداني وزراءه بأمر يقضي بأن يتم اختيار مدير مكتب الوزير من داخل كادر الوزارة حصراً. ويأتي هذا القرار، الذي يبدو شكلياً من الخارج، في وقت استفحلت فيه طوال الحكومات السابقة ظاهرة اختيار مديري مكاتب الوزراء من خارج موظفي الوزارات، والذين يتم ترشيحهم في الغالب طبقاً للمحاصصة العرقية والطائفية. وقال السوداني مخاطباً وزراءه: «اختيار المديرين يكون من داخل الوزارة، ويمنع المجيء بمدير مكتب الوزير من القوى السياسية»، داعياً كذلك إلى عدم اتخاذ قرارات متسرعة بشأن الكوادر والموظفين داخل الوزارات، وإنما يخضع الجميع للتقييم طبقا لمعايير سيتم الاحتكام إليها.
وأعاد السوداني إلى الأذهان ما عرف بظاهرة «حكومة مديري المكاتب»، والذين كانوا غالباً أقوى من الوزراء، لأنهم يمثلون إما زعيم الكتلة أو الحزب الذي رشح الوزير، أو يتم ترشيحهم من قبل ما يسمى اللجان الاقتصادية التي تملكها غالبية الأحزاب والقوى السياسية، وهي ظاهرة تعد من بين أهم جوانب الفساد. وأبدى عدد من الخبراء والأكاديميين مواقف متباينة حيال ما أقدم عليه السوداني من رفض ترشيح مديري لمكاتب الوزراء من خارج الوزارة. وفي هذا السياق، يقول الدكتور باسل حسين، مدير «مركز كلواذا للدراسات السياسية» إن «الخطوة إيجابية من ناحيتين: الأولى توجيه رسالة مبكرة للقوى السياسية ولجانها الاقتصادية بأنه جاد في محاربة الفساد والعزم على إنهاء سلوك يُمارس منذ سنوات، ورسالة أخرى للجمهور العراقي الذي ينظر بتوجس كبير مقترن بانعدام الثقة إلى الحكومة والطبقة السياسية بصفة عامة، ويشك في أن هذه المرحلة ستكون مرحلة قطيعة مع الأنماط السابقة من فساد للأحزاب السياسية».
وأضاف حسين أن «هذه الخطوة ربما تقابل بعمليات تحايل والتفاف، لاسيما أن الأحزاب السياسية قد خبرت هذه الطرق وأجادتها، كما أن السوداني ليس له قوة برلمانية متصلة به مباشرة، بل يعتمد على دعم قوى الإطار، وبالتالي سيصطدم بلا شك بهذه الحقيقة حين يتم تهديده وابتزازه من أجل إخضاعه وتمرير صفقاتهم الفاسدة من دون اعتراضه». في السياق نفسه، يقول الخبير القانوني جمال الأسدي في حديث إن «القرار الذي اتخذه رئيس الوزراء السوداني بخصوص مديري المكاتب في الوزارات مهم جداً، لاسيما أنه في السنوات الثماني الأخيرة صارت لدينا ظاهرة جديدة هي ظاهرة المديرين – الوزراء، وهذا موضوع جديد، حيث إن الإجراءات التي تحصل في الوزارة وحركة العمل كلها تتم عن طريق مدير المكتب، الذي يتحكم بكل إجراءات الوزارة، بل إنه يكون أقوى من المديرين العامين ووكلاء الوزراء في معظم الوزارات، ولا نقول كل الوزارات».
وأضاف الأسدي أن «انتباه رئيس الوزراء إلى هذا الموضوع وإنهاءه بهذا القرار قطع طريقاً طويلاً على هذا الصعيد، لا سيما أن المديرين سيعملون طبقاً لرغبات من رشحهم لهذا المنصب وما يحمله من أجندة»، مضيفاً: «مع ذلك لا نتوقع أن تنتهي ظاهرة الفساد في الوزارات كلياً لدى أولئك الذين ينوون الفساد، لكن القرار سيقيد حركة الموظفين ويدفعهم إلى العمل وفق ضوابط صحيحة». وبَيَّن الأسدي أن «هذه الخطوة تحتاج من السوداني لأن تكون لديه رقابة مباشرة من داخل الوزارة، شريطة أن تكون رقابة إيجابية، حيث إننا بعد إلغاء مكاتب المفتشين التي كانت تقوم بهذا الدور افتقدنا إلى الرقابة الاستباقية التي تعطي الرأي الصحيح، وبالتالي لابد من أن يوضع مستشار عام لكل وزارة في هذا الاتجاه».
من جهته، قال مدير «مركز التفكير السياسي» الدكتور إحسان الشمري إن «ظاهرة مديري مكاتب الوزراء شكلت جزءاً من حالات الفساد في عموم الدولة العراقية، حيث إن الأحزاب السياسية التي تحصل على الوزارات وترشح وزراءها، باتت تدرك أن الوزارة إحدى غنائمها، وبالتالي لا بد من السيطرة عليها عبر اتخاذ بوابة إليها داخل الوزارة، وهم مديرو المكاتب الذين تغول بعضهم كثيراً»، مؤكداً أن «بعض الأحزاب التقليدية ساهمت كثيراً في استشراء الفساد في العراق في معظم الحكومات السابقة». وأضاف أن «الخطوة أو التوجيه الذي صدر عن السوداني بهذا الاتجاه هو محاولة للتضييق على هذه الأحزاب سياسياً، بحيث لا تصادر القرار من الوزير أو تصادر الأموال، وهو ما يعني أن السوداني يريد أن يفك ارتباط الوزارات بالأحزاب من طريق تعيين مديري مكاتب ليسوا من المنتمين إلى الأحزاب».
وأشار إلى أن «الخطوة هي محاولة لخفض مستوى الفساد داخل الوزارات، لكن في النهاية، خطوات مثل هذه أو غيرها يمكن أن تعمل على رفع منسوب غضب الزعامات السياسية تجاهه، حيث إن هذه الزعامات لا تنظر إلى الحكومة من جهة تقديم خدمة للمواطن بقدر ما تنظر إليها كأبواب للحصول على الأموال، وبالتالي سيكون هناك رفض لهذه الخطوات، وبالتالي يتوجب على السوداني أن يضع في حساباته أنه سيواجه هذه القوى في ظل تصادم المصالح». إلى ذلك، دعا زعيم «حزب الحل»، جمال الكربولي، رئيس الوزراء محمد شياع السوداني إلى ما سماه «حصر الوزراء بيد الدولة»، في إشارة إلى ما يعرف في العراق بـ«حصر السلاح بيد الدولة».
وقال الكربولي في تغريدة له إنه «بعد انتشار فيديوهات إطلاق النار من الأسلحة الثقيلة من قبل حاشية الفائزين (بالغنيمة)، فإن رئيس الحكومة مطالب بحصر الوزراء بيد الدولة». وطالب الكربولي السوداني، بـ«تطبيق القانون بحق الوزير (أبو الزفة) أسوة بقانون اعتقال العريس الذي تطلق النار ليلة زفافه». واختتم الكربولي تغريدته بالقول: «طبقوا القانون على الجميع». وكانت انتشرت فيديوهات بعد نيل الحكومة العراقية الثقة، الخميس الماضي، تُظهر قيام عشائر بعض الوزراء بإطلاق النار لمناسبة اختيار أحد أفراد العشيرة وزيراً في الحكومة الجديدة، وهو ما أثار انتقادات واسعة في مواقع التواصل الاجتماعي.
قد يهمك أيضــــــــــــــــًا :
ائتلاف "دولة القانون" العراقي يرحب باختيار "الإطار التنسيقي" محمد شياع السوداني لتشكيل الحكومة
الرئيس اللبناني يجري لقاءات وداعية قبل نهاية ولايته الرئاسية الأسبوع المقبل
أرسل تعليقك