أرجأ زعيم تيار المستقبل الرئيس سعد الحريري عودته إلى بيروت من دون أن يتراجع عن المبادرة التي أطلقها لتسوية النزاع في لبنان، ومن بنودها ترشيح زعيم تيار المردة النائب سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، لقناعته بأنها تشكل المخرج الوحيد لحل الأزمة، داعيًا من لديه مبادرات بديلة ليطرحها بدلًا من أن يرفضها في المطلق.
ويعد تأجيل الحريري عودته إلى بيروت ليس صرفًا للنظر عنها في الوقت المناسب الذي يختاره ليوجه رسالة إلى اللبنانيين يصارحهم فيها بالدوافع التي أملت عليه إطلاق مبادرته هذه، خصوصًا أن اجتماعه مع فرنجية في باريس جاء بعد لقاءات تحضيرية تولاها عدد من مستشاريهما وشارك في بعضها فرنجية شخصيًا.
وكشفت مصادر مواكبة لهذه التحضيرات أن فكرة التواصل بين الحريري وفرنجية طرحت للمرة الأولى أثناء تقبل رجل الأعمال جيلبير الشاغوري التعازي بوفاة ابنه في باريس حيث التقى فرنجية مستشار الحريري النائب السابق غطاس خوري.
وأضافت أنهما التقيا إلى مائدة غداء أقامها الشاغوري الذي سأل ما المانع من اللقاء حتى لو كان من موقع الاختلاف، لأن مصلحة لبنان تقتضي الحوار والتواصل نظرًا إلى أن الوضعين الاقتصادي والاجتماعي يمران في مرحلة حرجة ولا بد من خطوة لإنقاذ البلد لمنع انهياره.
ولفتت إلى أن الحريري شجع على التواصل مع فرنجية، وقالت إنه بادر إلى وضع كبار المسؤولين السعوديين في أجواء هذا التواصل ولقي منهم كل ترحيب فيما تولى فرنجية وضع قيادة حزب الله في الأجواء.
وأكدت أن التواصل استمر في ظل وجود تشجيع سعودي للحريري على الحوار مع فرنجية الذي سمع كلامًا واضحًا من حزب الله بضرورة مواصلة الاجتماعات، وقالت إن رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع أُعلم أيضًا بتواصل المستقبل والمردة.
وتابعت المصادر نفسها أن جعجع لا يستطيع أن ينفي علمه ببدء هذا الحوار وإن كان لا يشجع على حصوله، بذريعة أنه حاول الاتصال بفرنجية بعد اللقاء الرباعي الماروني الذي رعاه البطريرك بشارة الراعي لتهنئته بحلول عيدي الميلاد ورأس السنة لكن الأخير لم يجب على اتصاله.
وبيّنت أن رئيس اللقاء النيابي الديمقراطي وليد جنبلاط كان من أوائل المطلعين على حوار المستقبل، المردة من خلال التواصل القائم بين خوري ووزير الصحة العامة وائل أبو فاعور، علمًا بأنه كان في طليعة من رشح فرنجية لرئاسة الجمهورية، ولم يكن رئيس المجلس النيابي نبيه بري بعيدًا من هذا الحوار، خصوصًا أنه من دعاة التواصل بين الكتل النيابية لإنهاء الشغور في سدة الرئاسة الأولى.
ولفتت المصادر إلى أن الحريري وفرنجية لم يكونا ينويان التكتم على لقائهما، لكنهما ارتأيا تأخير الإعلان عنه إفساحًا في المجال أمام عقد لقاءات أخرى، ولكن حزب الله هو الذي سارع إلى تسريب خبر اللقاء مع أن فرنجية لم يلمس من قيادته أي موقف يُشتمّ منه أنها تعارضه.
واستغربت ما أشيع عن وجود صفقة سياسية بين الحريري وفرنجية تقوم على انتخاب الأخير رئيسًا للجمهورية في مقابل إسناد رئاسة الحكومة إلى زعيم تيار المستقبل، وقالت إن الهدف من تسريب مثل هذه المعلومات هو قطع الطريق على استمرار الحوار وإحباطه.
وأكدت المصادر عينها أن من روّج لوجود صفقة بينهما كان يهدف إلى التحريض على اللقاء، لاسيما أن ما سمي بصفقة بينهما دفع المتضررين من حصولها إلى الترويج لتفاهمهما على سلة سياسية متكاملة تتعلق بالتعيينات وقانون الانتخاب وأمور أخرى.
وأوضحت أن الحريري وفرنجية يريدان من تفاهمهما إعادة الاعتبار لمشروع الدولة وتأمين انتظام عمل المؤسسات الدستورية، لأنها جميعها معطلة ولم يبق منها إلا المؤسسات الأمنية والعسكرية التي تعمل في غالب الأحيان في تصديها للمجموعات المتطرفة من دون وجود غطاء سياسي مركزي يؤمنه وجود حكومة فاعلة.
وأفادت بأن تفاهمهما يأخذ في الاعتبار بأن تكون الأولوية لمصلحة البلد وأن يديره فرنجية في حال انتخابه رئيسًا للجمهورية من موقعه كرئيس يكون على مسافة واحدة من الجميع.
وأشارت إلى أن الحريري لم يطلب في اجتماعه مع فرنجية أن يتولى هو شخصيًا رئاسة الحكومة وإن كان الأخير أكد في اللقاء أنه لا يستطيع أن يحكم إذا لم يكن الحريري إلى جانبه.
وأضافت أن الحريري ليس في وارد أن يفرض رئيسًا على اللبنانيين، وتحديدًا على المسيحيين، لأن القرار النهائي هو للبرلمان، إضافة إلى أن من السابق لأوانه حرق المراحل تارة بالحديث عن تفاهمهما على سلة سياسية تتعلق بالقضايا الكبرى في البلد، وأخرى بتعيينه رئيسًا للحكومة.
وبيّنت المصادر المواكبة أن الحريري ارتأى لرئاسة الجمهورية انطلقًا من أن فرنجية أحد المرشحين الموارنة الأربعة للرئاسة الأولى، وكان البطريرك الراعي حاول التوفيق بينهم للتفاهم على مرشح واحد لكنه اصطدم بإصرارهم على الترشح.
وتابعت: "لن يكون في مقدور أحد أن يزايد على فرنجية في مسيحيته، وطرح الحريري مبادرته يأتي في سياق محاولة لإخراج الرئاسة الأولى من الجمود الذي لا يزال يؤخر انتخاب الرئيس، لاسيما في ضوء إصرار حزب الله ومعه العماد ميشال عون على تعــطيل جلسات الانتخاب ما لم يضمن وصول الأخير إلى الرئاسة.
وأردفت أن الحريري فضل دعم ترشح فرنجية، وهذا من حقه، لأنه يختلف عن منافسه عون الذي أثبتت التجارب أن مشروعه يقتصر على الهيمنة على البلد وعلى ممارسة سياسة الإلغاء والإقصاء، وهو يحاول أيضًا من خلال وجود التيار الوطني الحر في معظم المناطق اللبنانية أن يفرض على الآخرين تنازلات سياسية وانتخابية، إضافة إلى أنه يتصرف بحدة مع الذين يخالفونه الرأي ولا يتقن سياسة الاستيعاب وتدوير الزوايا خلافًا لفرنجية، الذي يحرص على الحد الأدنى من التوازن ولا يفرط بالشراكة مع الآخرين، كما أن وزراءه في الحكومات، وآخرها هذه الحكومة، يتعاطون بانفتاح مع الشريك الآخر ولا يبحثون عن افتعال مشكلة.
واعتبرت أن الحريري على يقين بأن عون وفرنجية هما على تحالف وثيق مع النظام السوري، لكن لا بد من مخرج يعيد للمسيحيين رئاسة الجمهورية والأقدر يبقى فرنجية، لصعوبة انتخاب الجنرال.
وسألت المصادر عن موقف بري وجنبلاط وما إذا كانا على موقفهما في دعم فرنجية، مع أن رئيس التقدمي لم يعد مرتاحًا إلى وضع العقبات في وجه ترشح فرنجية، وبالتالي لن يبدل موقفه منه، وإن كان يفضل وقف تعاطيه حتى إشعار آخر في ملف الرئاسة.
وأكدت المصادر أن الاختلاف بين الحريري وجعجع يكمن في أن الأول يعتبر أن استمرار الفراغ في الرئاسة سيكون قاتلًا للبلد بينما يرى حليفه أن هناك قدرة على الصمود ومقاومة الضغط الدولي والإقليمي بما يضمن استيعابه ريثما تتحسن الأحوال في المنطقة، بدءًا من تغيير النظام في سورية الذي يتيح تحسين شروط فريق 14 آذار للتسوية الداخلية.
وأشارت إلى الحريري وجعجع إذا كانا على تباين في موقفيهما من فرنجية وعون، فإن رئيس حزب الكتائب سامي الجميل يقف في منتصف الطريق مشترطًا موافقة فرنجية على بعض طروحاته ليدعمه.
وفي المحصلة، فإن الحريري متمسك بمبادرته ولن يبدل رأيه، لقناعته بأنها المخرج الوحيد للتفاهم على تسوية تفتح الباب لإنهاء النزاع السياسي، فيما بات مطلوبًا من قيادات المسيحيين التي تقول "لا" لدعم فرنجية، أن تتقدم ببدائل، لأن الرفض في المطلق يتقاطع مع استمرار تعطيل جلسات الانتخاب، وهذا ما قاله لهم صراحة سفراء عرب وأجانب معتمدون لدى لبنان نصحوهم بطرح البدائل بدلًا من التعاطي بسلبية مع مبادرة الحريري.
وجدد البطريرك الماروني بشارة الراعي توصيفه المبادرة الرئاسية بأنها جدية وليست صادرة عن فرد، كما أنا أعلم، وعلى كل اللبنانيين أن يتطلعوا إليها وأن يلتقوا ويقرروا معًا ويصبح القرار وطنيًا وشاملًا.
وتحدث الراعي من مطار رفيق الحريري الدولي، قبل انتقاله إلى القاهرة في زيارة راعوية تتخللها لقاءات رسمية ودينية، عن اللقاء الأربعاء مع القائم بالأعمال الأميركي ريتشارد جونز والنائب إبراهيم كنعان الموفد من النائب ميشال عون، قائلًا إن كل شيء يصب في ضرورة اتخاذ المبادرة بجديتها والتشاور بين الكتل النيابية والسياسية لكي يكون القرار شاملاً، لأن رئيس يأتي من دون أن يكون مدعومًا من الجميع لا يستطيع أن يحكم.
وعن العوائق التي تحول دون لقاء أقطاب الموارنة الأربعة تحت سقف بكركي حتى الآن، قال: "أنا دعوت ولكن لم يكن هناك متسع من الوقت للقادة، وأعتقد أننا نستطيع أن نلتقي الأسبوع المقبل بعد عودتي من مصر".
وكان الراعي وضع الحجر الأساس للمقر الجديد لإكليريكية "أم الفادي" إلى جانب كنيسة مار ميخائيل في محلة الشياح، بمشاركة السفير البابوي غابريل كاتشا وحضور شخصيات سياسية وروحية، وأشار إلى الأهمية الجغرافية لهذه الإكليريكية.
وأردف: "نعيش مأساة في لبنان، لأن الكلمة لا تطبق أي الدستور والقوانين والشرائع، فلا يكفي أن أعرف الدستور لأن البطولة ليست بالمعرفة بل بتطبيق المعرفة.
وراوح الملف الرئاسي في مكانه بعدما تحولت المبادرة التسووية لتسمية النائب سليمان فرنجية دافعًا جديدًا للتراشق السياسي، والمزيد من الجمود في مؤسسات الدولة.
والتقى رئيس الحكومة تمام سلام الخميس، وزير الاتصالات بطرس حرب، وناقشا وفق الأخير العثرات التي واجهت الطرح السياسي لانتخاب رئيس للجمهورية، وما يمكن أن ينتج منها من ظروف سياسية جديدة.
ولفت إلى أنه أثار مع سلام موضوع سقوط المناقصة لإدارة وتشغيل شبكات الخليوي في لبنان، مؤكدًا أن الوزارة في كل الأحوال قادرة على توفير الخدمات وأن شيئًا لن يتغير على الناس.
ورأى أن سقوط المناقصة لم يأت صدفة بل نتيجة تخطيط من لا يريدون أن يحصل لبنان على شركات جديدة تدير الشبكات الخليوية، وأمل بانعقاد مجلس الوزراء لطلب منه الموافقة على إجراء مناقصة جديدة.
وتحدث عن الملف الرئاسي: "إذا لم نستطع انتخاب شخص من الأربعة فما العمل؟، ومن قرر أن يجمع الأربعة عليه أن يجد مخارج لهذا الأمر، الذي سينتخب رئيسًا لن ينتخب الأكفأ أو صاحب الخبرة الأكثر أو الأنظف أو لأن لديه القدرة أو التصور، بل سينتخب نتيجة التقاء ظروف دولية وإقليمية ومحلية لاختيار الشخص، وما يهمنا أن ينتخب رئيس للبنان يكون قادرًا على مواكبة الزلازل الحاصلة في المنطقة وان يحفظ لبنان ويحقق مصلحته".
واستقبل رئيس المجلس النيابي نبيه بري الوزير السابق عبد الله فرحات، الذي أكد أن مبادرة ترشيح سليمان فرنجية لا تزال مطروحة بالجدية التي كانت عليها منذ البداية، مضيفًا: "انتقلنا إلى مرحلة ثانية تزيدها جدية هي مرحلة الأفكار وكان الرئيس بري منذ شهرين طرح هذا الموضوع في جلسات الحوار ولم يعط هذا الكلام حقه".
واعتبر النائب ميشال موسى أن لقاء عون فرنجية الأربعاء، مهم على صعيد شرح المواقف، وهو لن يكون الأخير، لافتًا إلى أن الرئيس بري يرحب بأي اتفاق، وشدد على أن هناك ترتيبًا لأوضاع البيت الواحد.
ويذكر أن الموضوع نفسه بحثه رئيس حزب الوطنيين الأحرار النائب دوري شمعون مع وزير الثقافة روني عريجي وطوني فرنجية، وقال شمعون بعد اللقاء: "هذا الاجتماع لعائلة لبنانية واحدة تفكر بجدية وتعمل لإخراج لبنان من هذا المأزق وترى الشخص المناسب لرئاسة الجمهورية.
وصرّح وزير الثقافة روني عريجي: "ما يهمنا مصلحة لبنان في هذه المرحلة الدقيقة، ويجب عدم حرق المراحل"، وكان عريجي قال بعد زيارته على رأس وفد من تيار المردة، متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عودة، إن المبادرة الرئاسية لم تجمّد بعد لقاء عون وفرنجية.
وخلال لقاء حواري أجراه المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم مع الرابطة المارونية والمجلس العام الماروني، تحدث عن زيارته الفاتيكان وعن أنه وضع البابا في حقيقة الوضع اللبناني، مردفًا: "سألته المطلوب مساعدتنا على انتخاب رئيس جديد، فأجابني أنه تحدث مع الرئيس باراك أوباما في الأمر ولم يترك مناسبة إلا وسعى إلى ذلك، لكن المشكلة أن المسيحيين غير موحدين، وأمل في أن تنسحب بركة البابا على المساعي الجارية لانتخاب الرئيس".
أرسل تعليقك