أصدرت المحكمة العليا الإسرائيلية، اليوم الخميس، قرارًا نهائيًا يقضي برفض المصادقة على مسار جدار الضم والتوسع في منطقة الكريمزان في بيت جالا شمال مدينة بيت لحم في الضفة الغربية.
كما أمرت جيش الاحتلال الإسرائيلي بالبحث عن مسار بديل في المنطقة، وجاء ذلك في أعقاب التماس تقدّم به المحامي غياث ناصر باسم بلدية بيت جالا وباسم أهالي المدينة ضد جيش الاحتلال.
وقد صدر هذا القرار بعد نضال قانوني دام تسعة أعوام، إذ تعود حيثيات القضية إلى عام 2006 حين أصدرت سلطات الجيش أوامر عسكرية بإنشاء جدار في منطقة الكريمزان، بشكل يسبّب ضررًا جسيمًا لأهالي المدينة ولأديرة السلسيان الواقعة في تلك المنطقة.
وحسب المخطط الذي أعلن عنه من قبل الجيش في هذه المنطقة، فإن الجدار يقطع الوادي المسمى "وادي أحمد" بمحاذاة جسر الأنفاق، ومن ثم يتسلق منطقة الكريمزان بمحاذاة الجمعية العربية، متجهًا إلى مستوطنة هار-جيلو، بشكل يهدف إلى ضم هذه المستوطنة إلى مستوطنة جيلو وخلق تواصل جغرافي بين المستوطنتين.
ونتيجة للمسار المذكور للجدار، سيتم ضم منطقة ضخمة من الأراضي الزراعية الواقعة في منطقة الكريمزان والتي تبلغ مساحتها حوالي ثلاثة آلاف دونم تقريبًا إلى الجهة الإسرائيلية من الجدار.
وسيتعذر على أهالي مدينة بيت جالا الوصول إلى هذه الأراضي، وسيكون الدخول في أوقات محددة يقررها الجيش بعد أن يثبت المواطن ملكيته للأرض وبعد أن يحصل على تصريح دخول من سلطات الجيش، الأمر الذي لا ضمان له ولا كفيل، نظرًا لما يحدث في أماكن أخرى في مناطق الضفة الغربية حيث يواجه الفلاح الفلسطيني صعوبات جمة في الوصول إلى أراضية الواقعة خلف الجدار.
وسيؤدي بناء الجدار في هذه المنطقة إلى أضرار جسيمة عديدة، منها تخريب كمية ضخمة من الأراضي الزراعية الواقعة في مسار الجدار واقتلاع الأشجار الواقعة فيها، على الرغم من أنها هذه المنطقة غنية بالأراضي الزراعية القديمة.
كما سيؤدي مسار الجدار في المنطقة إلى فصل وعزل الأديرة الواقعة في هذه المنطقة، دير الكريميزان للرهبان، ودير راهبان السلسيان عن مدينة بيت جالا، على الرغم من أن هذه الأديرة تقع على أراضي المدينة، وتعتبر جزءًا لا يتجزأ منها، بل وتعتبر من أهم معالمها التاريخية.
وقد تقدمت البلدية وأهالي المدينة في عام 2006 باعتراض على المخطط المذكور بواسطة المحامي غياث ناصر أمام لجنة الاعتراضات التابعة لمحكمة الصلح في تل أبيب. ومن ثم انضم إلى هذا الاعتراض عام 2010 دير راهبات السلسيان، الذي اعترض هو الآخر على مخطط الجدار، والذي يفصله عن المدينة، لا سيما وأن الدير يشتمل على مدرسة وحضانة أطفال لخدمة أهالي مدينة بيت جالا والقرى المجاورة.
وفي عام 2012، اعترض دير رهبان الكريمزان أيضًا على هذا المخطط أمام المحكمة، وطلب ضمه إلى مدينة بيت جالا وعدم فصله عنها بأي شكل من الأشكال.
وعمل الجيش على تغيير مسار الجدار مرتين في أعقاب الاعتراضات، وأضاف إلى مسار الجدار مقطعًا جديدًا، وفقًا له يتم ضم دير الراهبات إلى مدينة بيت جالا، بعد أن يحيط المسار الدير المذكور من الجهات الثلاثة ويؤدي إلى تقسيم أراضيه.
وبعد سماع الاعتراضات والشهادات التي استمرت طوال سبعة أعوام، أصدرت لجنة الاعتراضات في تل أبيب قرارًا يصادق على مسار الجدار المقترح من قبل الجيش.
واعتبر المحامي ناصر أن هذا القرار هو قرار خاطئ يسيء بشكل كبير إلى أهالي مدنية بيت جالا، موضحًا أنه يسبب أضرارا جسيمة إلى أهالي المدينة، قد يكون تأثيرها على أهالي المدينة لأجيال عدة.
وطلب المحامي ناصر من لجنة الاعتراضات، تجميد القرار الذي صدر منها، ريثما يتسنى له، الاستئناف على القرار المذكور أمام المحكمة العليا.وقد تم تجميد القرار المذكور.
وتقدم المحامي ناصر فور ذلك بالتماس جديد إلى المحكمة العليا في عام 2013، وفقًا له طلب من المحكمة اعتبار المسار المذكور غير قانوني كما طلب من المحكمة عدم المصادقة عليه.
وادعى المحامي ناصر، أنه قد وقعت أخطاء عديدة في قرار لجنة الاعتراضات، وتغاضت عن بينات وإدعاءات هامة طرحت أمامها، وقد أصدرت قرارها بشكل مخالف للقوانين السارية وسوابق قضائية هامة. وطلب من المحكمة إلغاء مسار الجدار في هذه المنطقة واعتباره غير قانوني.
وريثما يتم الفصل في هذه القضية، طلب المحامي ناصر من المحكمة إصدار أمر احترازي يمنع سلطات الجيش من المباشرة في بناء الجدار، وبناءًا على ذلك، أصدرت المحكمة أمرًا احترازيًا كما ذكر يمنع الجيش من المباشرة في بناء الجدار في هذه المنطقة، وطلبت من سلطات الجيش الرد على الالتماس.
وقد استمرت القضية مدة عامين أمام المحكمة العليا عقدت خلالها عدة جلسات.
وقد حضر القضية وشارك فيها كل من رئيسة بلدية بيت لحم السيدة فيرا بابون ورئيس بلدية بيت جالا في حينه الدكتور نائل سلمان.
وقد شرحت السيدة فيرا بابون الأضرار الجسيمة التي يسبّبها الجدار في المنطقة على مدينة بيت لحم عامة.
كما شارك في الجلسات دير الراهبات الذي كان ممثلًا بواسطة مؤسسة سانت إيف، ودير الرهبان الذي مثله المحامي نهاد ارشيد.
وبعد مرور أربعة أشهر على انتهاء المداولات في القضية، أصدرت المحكمة العليا قرارها اليوم الخميس، والذي يعتبر انتصارًا قانونيًا هامًا. إذ أنه بعد ان صادقت لجنة الاعتراضات على مسار الجدار، قبلت المحكمة العليا الاستئناف الذي قدمه المحامي ناصر على هذا المسار.
وأمرت الجيش بالبحث عن مسار بديل غير ذلك المطروح. كما رفضت المحكمة مقترحات الجيش ببناء الجدار بين دير الرهبان ودير الراهبات أو اقتراح إيصال طريق بين الأديرة. وعليه، ووفق لهذا القرار لا يستطيع الجيش تنفيذ مخططه المقترح حاليًا لبناء الجدار.
وقد عبّر المحامي غياث ناصر عن ارتياحه الشديد من النتيجة، معتبرًا القرار انتصار قانوني هام لأهالي مدينة بيت جالا، وشكر كل من ساهم ودعم لإنجاح القضية.
وعلّق رئيس بلدية بيت جالا نقولا خميس: هذا القرار نتيجة نضال دؤوب لمدة أكثر من تسع سنوات من بلدية بيت جالا ومواطنيها وكل المحافظة على كافة الأصعدة المحلية والعالمية وخاصة قداسة البابا.
وشكر خميس المحامي غياث ناصر على الجهود الجبارة التي بذلها لإنجاح القضية. كما شكر مؤسسة "سانت إيف" التي مثلت دير الراهبات.
وعبّرت رئيسة بلدية بيت لحم عن فرحتها العارمة في نجاح القضية، وقالت إن قرار المحكمة هو قرار عادل إذ أخذ بحق سكان بيت لحم وبيت جالا في آخر منطقة بقيت كمتنفس لمدينة بيت جالا، وعبّرت عن شكرها لكافة المؤسسات والمحامين وبالذات المحامي غياث ناصر لجهوده المتواصلة في القضية. كما شكرت مؤسسة "سانت إيف" وكافة الجهات والمؤسسات التي قدمت اعتراضات في القضية.
أرسل تعليقك