كانت محطة الانطلاق من العاصمة صنعاء مرورًا بمحافظة عمران التي شهدت قتال مذهبي و طائفي أثناء الفترة الماضية بين طرفين مسلحين، ثم الوصل إلى محافظة الجوف المنطقة التي نقصدها لنقل الأحداث التي تدور هناك بصورة واضحة وبحيادية تامة دون أيّ رتوش في رحله محفوفة بالمخاطر تجعلك تعيش الموت حيًا.
ونحن على مداخل منطقة الجوف كان الأمر طبيعياً في البداية، بعد ذلك مررنا بشوارع خالية من المارة قبل وصولنا إلى مناطق الصراع ونقاط تفتيش ومسلحين يملئون المكان الأمر الذي بدأ يقلقنا كثيرًا، حينها لم يكن أمامنا سوى إخفاء كل ما يتعلق بالعمل الصحافي لمنع حدوث أيّ مشاكل، وإبعاد أنظار المسلحين من علينا حتى نتمكن من عبور تلك النقاط والحواجز المسلحة.
وكل ما اقتربنا من مركز المحافظة كان التوتر يسيطر علينا أكثر فأكثر لاسيما وأننا نشاهد تمركز المسلحين في الجبال المحيطة بنا بصورة واضحة أدركنا حينها خطورة الوضع وحساسية الموقف في الجوف ومدى رغبه الطرفين في العودة إلى الاقتتال حتى إنهاء كل منهما الطرف الآخر.
وهنا تكمن صعوبة الموقف التي يجعلك تعيش الموت حيًا وتتوقع قدومه في أقرب وقت وفي أيّ مكان لاسيما وأنك تتجول وسط أشخاص جميعهم يحملون السلاح باستثناء من يحمل القلم وعدسه الكاميرا الذي بدأ كالمجهول يلتفت يمينًا ويسارًا من شدة الخوف والقلق التي كان هو سيد الموقف.
محافظة الجوف الواقعه شمال صنعاء و الواعدة بمخزون نفطي كبير حسب ما تقول جهات حكومية والمعروفة بزراعتها لعدد من أنواع الفاكهة والخضروات والمحاصيل الزراعية لكنها هذه المرة اختيرت لتكون ساحة حرب طائفية بين "الحوثيين" وقبائل تابعة لحزب "الإصلاح" خلفت مئات القتلى والجرحى وشرد الآلاف من السكان .
وبعد قتال دام أكثر من أشهر سقط فيه أكثر من 466 قتيلًا وأكثر من 1300 جريح من الطرفين بينهم جنود من القوات المسلحة ، فصراع يزداد خطورته يومًا بعد آخر جعل الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي إلى الاسراع في تكوين لجنة رئاسية مهمتها إيقاف الاقتتال في منطقة الجوف لكنها سرعان ما تفشل تلك الوساطات ويعود الحرب رغم الجهود التي تبذل لإيقاف مايوصفه لجان الوساطة بحمّام الدم.
الجميع هناك في محافظة الجوف كان يحمل السلاح باستثناء مراسل "العرب اليوم" الذي كان يحمل عدسة الكاميرا والذي بدأ كالمجهول وهو يوجه عدسته بحذر شديد نحو أناسًا لاتزال شرارة الموت حاضرة بينهم ، لايفرقون بين الآخرين ولايعترفون بأيّ صداقة، فصديقهم الوحيد "الكلاشنكوف" الذي لايفارفهم حتى في المنام، فالبعض يتخذ من تلك الأسلحة وساده لاينام عليها ولا يشعرون بالراحة إلا إذا كان صديقه مايعرف باللهجة اليمنية (الآلي) أو (الكلاشنكوف) في جواره، حسب وصف مسلحون كانوا في أحد نقاط تفتيش.
فكما يستخدمون هؤلاء السلاح لقتال بعضهم البعض فهم يستخدمون الإعلام أيضًا كأرضيه أخرى للمواجهات وهذا ماعانينا منه أثناء تنقلنا في محافظة الجوف حيث قام البعض بمنعنا من مزاولة أيّ عمل صحافي والبعض الآخر أوقفنا لساعات وللتحقيق معنا ، ولأن "العرب اليوم" أول وسيله إعلامية تزور منطقة الجوف أثناء الحرب وجدنا صعوبة كبيرة في مزاولة عملنا لاسيما التصوير وهذا ماجعلنا نضطر للعمل دون شعار الموقع حتى نتخلص من الأسئلة المتكررة التي كانت تطرح علينا من قبل المسلحين أثناء تنقلنا بين جبهات القتال ونقاط التفتيش التابعهم بشأن الوسيلة الصحافية وأصحابها، وهل هي تابعة للتجمع اليمني للإصلاح أم للحوثيين، الكل كان يخشى نقل الأحداث لصالح طرفًا ما ،لكن بعد أخبارهم أننا لا نتبع أيّ أطرف وأننا نتبع لجنة الوساطة لتوثيق مايحدث تمكنا حينها من التحرك ولكن بحذر شديد ونحن نخفي كل مانحتاجه للعمل على التوثيق أثناء زيارتنا.
الملشيات المسلحة هم من يفرضون سيطرتهم على محافظة الجوف منذ العام 2011 في احتجاجات عصف بالبلاد، استطاع مسلحون يتبعون حزب "الإصلاح" من إسقاط معسكرات تابعه للحكومة ومقرات أمنيّة وحكوميّة واسعه الدوله لايوجد لها أيّ نفوذ أو وجود في تلك المحافظة وهذا ما لمسنه أثناء توجهنا إلى مبنى المحافظة والمجمع الحكومي والذي بداء خالي من أيّ مسؤول أو موظف حكومي باستثناء ملشيات مسلحة تقف خلف أكياس مملوئه بالتراب لانعرف لأيّ طرف تنتمي تلك الملشيات كونهم رفضوا الحديث أو التحدث كثيراً.
اتجهنا إلى منطقة الحزم التي نزح إليها مئات الأسر لتوثيق ونقل الوضع الإنساني والمعيشي للنازحين لكن المشهد بدا مختلفًا تمامًا عندما تشاهد النازحين يفترشون التراب و أغلبهم يعيشون تحت ضل الأشجار في العراء ويفتقرون إلى المتطلبات المعيشة كافة من غذاء ودواء وإيواء.
وأوضح وكيل محافظة الجوف ورئيس الوحدة التنفيذية لشؤون اللاجئين في المحافظة منصور بن عبدان إلى "العرب اليوم" أنّ " الوضع الإنساني في محافظة الجوف أصبح صعب للغاية لاسيما وأنّ كل الوساطات فشلت جهودها في إيقاف الحرب حتى يتمكن النازحين من العودة إلى مساكنهم التي تم تدمير أغلبها في المعارك بين الأطراف المتنازعه".
وأضاف أنّ "هناك جهود مكثفة تبذل لإيواء النازحين الذين يعيشون في العراء بنسبه 90 % ".
وأكّد أنّ " السكان في الجوف نزحوا أُثناء المعارك بين (الحوثيين) و(الإخوان) إلى 4 مناطق هي الحزم - الزهراء-الحلق-المصلوب- فضلًا عن نزوح أخرين إلى صنعاء".
وأشار عدد من النازحين إلى "العرب اليوم" إلى أنّ "السلطات لم تقدم لهم أيّ مساعدة من الماء أو الغذاء أو الدواء ولم يكلفوا أيّ مسؤول لمتابعتهم ، وهو مانفاه رئيس الوحدة التنفيذية لشؤون اللاجئين بن عبدان حيث لفت إلى أنّ " اللجنه زارت تلك المناطق وحصرت أعداد الأسر النازحه التي بلغت 1100 أسرة في الحصيلة الرسمية ".
وكشف بن عبدان أنّ "منظمة (ادراء) تتواصل المنظمات بغيّة توفير الإيواء للنازحين و الغذاء والدواء ومستلزمات يحتاجها من شردتهم الآلة الحرب المذهبية في الجوف".
وبيّن أنّ "الحرب مستمرة حتى ،الثلاثاء، بين (الحوثيين) وقبائل مواليه لحزب (الإصلاح) في عدد من المناطق بعد فشل اللجنة الرئاسية و مغادرتها الجوف، مشيرًا إلى لجنة رئاسية أخرى في الأيام المقبلة وستعمل بصورة محايدة" .
وقبل مغادرة المحافظة بعد رصد وتوثيق بالصور الوضع في البلدات التي نزح إليها السكان طلب منا مسلحون في إحدى النقاط التفتيش التي يتمركزون فيها بسرعة اعطائهم المحتويات التي في حوزتنا من كاميرا وهواتف محمولة وأدوات تسجيل حاولنا اقناعهم أننا لا نتبع أيّ طرف أو حزب سياسي في اليمن لكنهم رفضوا الحديث طالبين منا سرعة مغادرة المكان الذي يتمركزون فيه بعد أنّ نهبوا مابحوزتنا تحت تهديد السلاح ، إلا أنّ أحدهم أعاد إلينا الهواتف .
أرسل تعليقك