الرياض - عبدالعزيز الدوسري
أكد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، لقادة الدول الإسلامية وكبار الشخصيات الذين أدوا مناسك الحج هذا العام، حرصه الدائم على لم الشمل العربي والإسلامي، وعدم السماح لأية يد خفية بأن تعبث بذلك، وذكر في منى أمس "إننا من موقع مسؤوليتنا العربية والإسلامية، وانطلاقًا من دور المملكة العربية السعودية الإقليمي نتعاون مع إخوتنا وأشقائنا في دعم الجهود العربية والإسلامية لما فيه الخير والاستقرار".
وفيما عاد خادم الحرمين الشريفين من منى إلى جدة أمس، بعدما أشرف بنفسه على راحة ضيوف الرحمن، واصل أكثر من مليوني حاج أداء مناسكهم ، برمي الجمرات الصغرى والوسطى ثم جمرة العقبة، وسط جهود أمنية سعودية ملحوظة لإدارة الحشود، من دون تزاحم يذكر، بعد يوم من "حادثة التدافع" التي أودت بمئات الحجاج في الطريق إلى منشأة جسر الجمرات.
ورجح وزير الصحة السعودي خالد الفالح أن "تدافع منى" الخميس، ربما وقع لأن بعض الحجاج لم يلتزموا تعليمات السلطات المشرفة على تنظيم الحج، وأوضح في بيان أن التدافع ربما نجم عن "تحرك بعض الحجاج من دون إتباع خطط التفويج الصادرة من الجهات ذات العلاقة"، ومن المقرر أن تنخفض الكثافة السكانية في مشعر منى بشكل كبير بعد زوال السبت، إذ يحق لمن يتعجَّلون مغادرة منى قبل الغروب، ليتوجهوا إلى المسجد الحرام لأداء طواف الوداع وهو آخر أعمال الحج.
ولم تتغير أرقام ضحايا "تدافع منى" عما أعلنت سلطات الدفاع المدني السعودية الخميس، وهي 717 متوفَّى و863 مصابًا، وأكدت وزيرة الخارجية الهندية شوشما سواراج "أن 14 حاجًا هنديًا بين الضحايا، إلى جانب 13 مصابًا"، وأوردت وكالة الأناضول للأنباء الرسمية التركية أمس، أن أربعة حجاج أتراك قضوا جراء التدافع، فيما لا يزال خمسة أتراك في عداد المفقودين، وأعلنت إيران أن ما لا يقل عن 131 من حجاجها قضوا في الحادثة.
وذكرت السلطات في جاكرتا أن ما لا يقل عن ثلاثة حجاج إندونيسيين بين المتوفين، وذكرت الإذاعتان الكينية والسودانية إن ثلاثة حجاج من كل من البلدين قضوا، فيما أبلغ وزير الأوقاف المصري محمد مختار جمعة، الذي يترأس بعثة الحج المصرية، وكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية بأن عدد القتلى من المصريين يصل إلى 14 حاجًا، وأصيب 30 حاجًا مصريًا في الحادثة.
وأشارت بعثة الحج الأفغانية أمس إلى أن ثمانية حجاج أفغان قضوا في التدافع، وأعلن مسؤول بعثة الحج الباكستانية أبوأحمد عاكف أمس أن 236 حاجًا باكستانيين لا يزالون في عداد المفقودين، وكانت إسلام أباد ذكرت في وقت سابق أن سبعة حجاج باكستانيين توفوا، وأصيب ستة في التدافع، وقالت قنصلية جمهورية مالي في جدة الجمعة إن 30 حاجًا ماليًا بين المتوفَّين، وأعلن مسؤول سنغالي هو الجنرال أمادو تيديان أن التدافع أودى بخمسة حجاج سنغاليين.
وفي نيويورك (أ ب) قال أستاذ علم الاجتماع الحسابي ديرك هبلنغ إنه حين يوجد عدد كبير من الأشخاص في مكان صغير، يمكن أن يتحول الوضع إلى خطر بسرعة شديدة، وأضاف "إنها ظاهرة طبيعية وليست نفسية"، وأوضح هلبنغ، الذي تخصص في درس الحشود والكوارث، أنه حين تكون الكثافة عالية جداً فإن حركات الجسد "تحوِّل القوة إلى الأجساد الأخرى، وتتراكم هذه القوى لتخلف تحركات داخل الحشد لا تمكن السيطرة عليها، وزاد "نتيجة لذلك قد يسقط أناس على الأرض وقد يسحقهم الآخرون، أو قد يموتون اختناقًا بعدما يسقط آخرون فوقهم".
وتابع "قد يحدث ذلك سريعًا جدًا، حتى في حادثة صغيرة؛ كأن يبدأ شخصان شجارًا أو يحاولان المضي عكس مسار الحشد، فإن الحشد يمكن أن يتفرع سريعًا حشدًا في مسار مختلف في تدافع على مستوى ضخم، وكلما انضم أشخاص إلى الحشد الجديد زادت الكثافة وتهيأت الظروف لاضطراب قاتل، وزاد "هكذا تتحول مشكلة صغيرة إلى مشكلة كبيرة لا يمكن التحكم بها".
وأوضح أستاذ علم الحشود في جامعة "مانشستر ميتروبوليتان" في إنكلترا كيث ستل أن الحشد الكبير يمكن أن يصبح سريعًا جدًا "خارج نطاق السيطرة، وحتى أولئك الذين يبقون على أقدامهم يواجهون بالضغوط المتنامية للأجساد المحيطة بهم فلا يستطيعون التنفس"، وزاد "الناس لا يموتون لأنهم يفزعون، لكنهم يفزعون لأنهم يوشكون على الموت".
وعبر البابا فرنسيس في نيويورك عن "تضامنه" مع مسلمي العالم بعد حادثة التدافع في مشعر منى، في أسوأ كارثة يشهدها الحج خلال ربع قرن، وقال البابا، في كلمة خلال صلاة مسائية في كاتدرائية القديس باتريك في نيويورك إنه يود أن يعبر عن "الشعور بالتضامن إزاء المأساة التي وقعت في مكة".
أرسل تعليقك