ظهرت العديد من الصور لطائرات من دون طيار أو طائرات تجسسية أميركية على مواقع التواصل الاجتماعي تحلق على ارتفاع منخفض فوق مدينة سرت باعتبارها المقر المحلي لتنظيم "داعش" في ليبيا، وشوهدت أنواع مختلفة من طائرات "لوكهيد" وطائرات داكنة من دون طيار فيما جرت مناقشات حول طائرة بمحركين في غرف الدردشة، وفي ظل قصف تنظيم "داعش" في سوريا يعتقد مراقبو السماء الليبية أن الغارات الجوية باتت وشيكة.
وزادت التكهنات بالغارات الجوية الأسبوع الماضي عندما أشارت الأمم المتحدة إلى ما ذكرت وكالات الاستخبارات بأن ليبيا أصبحت الموقع الاحتياطي بالنسبة لـ"داعش"، وأرسلت "داعش" أكثر من 800 مقاتل من ليبيا للقتال في سوريا والعراق في ظل توسيع "داعش" خلافته في ليبيا.
ونفذت فرنسا أول مهمة استطلاعية لها الأسبوع الماضي فوق مدينة سرت الليبية وانضمت إليها طائرات أميركية من دون طيار وطائرات تجسس، وتعتبر سرت التي تقع على الساحل المركزي الليبي مسقط رأس الديكتاتور السابق القذافي وشهدت إعدامه بشكل وحشي، وحوّل القذافي سرت خلال فترة حكمه من مدينة ساحلية هادئة إلى مدينة خرسانية متوهجة على أمل تحقيق حلمه الذي يوحي بجنون العظمة في جعل سرت مثل عاصمة الولايات المتحدة في أفريقيا.
ويبدو مركز واغادوغو للمؤتمرات في المدينة الليبية مغطى بالرايات السوداء، فيما يعتبر الموقع مكانًا لتنفيذ عمليات الإعدام الدموية على غرار مدينة الرقة في شمال أفريقيا، وأفاد الهاربون بقصص عن الأعمال المروعة التي ارتكبها التنظيم الإرهابي بما فى ذلك عمليات الشنق في الحفارات الميكانيكية وأعمدة الإنارة واتهام بعضهم بكونهم جواسيس أو مرتدين، وتم منع الحلاقين من حلق اللحى وأجبرت النساء على ارتداء الجلباب الداكن، وأكد المتطرفون على منع إذاعة الموسيقى في المحطات الإذاعية، وذكر أحد سكان طرابلس "الناس هنا يعيشون على أمل واحد وهو الخروج".
وسيطرت "داعش" على القاعدة الجوية في مدينة سرت وهي القاعدة الأكبر في ليبيا بهدف استغلال الطائرات في العمليات الانتحارية، وظهر 85 طفلًا من أطفال المدينة في موكب باسم الأشبال الانتحارية وعلى استعداد لتفجير أنفسهم من أجل الخلافة.
ويحظى الفكر المتطرف بتاريخ طويل في ليبيا حيث تمرد أعضاء الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة ضد القذافي في التسعينات، وتم سحق الانتفاضة وهرب أعضائها إلى أفغانستان والعراق، وعاد هؤلاء المتشددون مرة أخرى منذ الإطاحة بالقذافي في 2011، وعادت جماعة أنصار الشريعة عقب الهجمات على الدبلوماسيين البريطانيين والفرنسين مع قتل السفير الأميركي كريس ستيفز في سبتمر/ أيلول 2012 في القنصلية الأميركية في بنغازي.
وسنحت الفرصة لـ"داعش" في صيف العام الماضي عندما تلت الانتخابات حرب أهلية بعد ائتلاف "فجر ليبيا" وهو ائتلاف قوي من القوات الإسلامية والمصراتية التي استولت على طرابلس، وفرت الحكومة المنتخبة إلى شرق مدينة طبرق واحتدم القتال منذ ذلك الحين في جميع أنحاء البلاد، وفي ظل الفوضى في ليبيا استطاعت "داعش" أن تضمن موطئ قدم لها في المدينة الساحلية الشرقية من درنة بقيادة 300 مسلح من كتيبة البتّار المدربة على القتال في سوريا.
وتعتبر سرت جائزة حقيقية بالنسبة لداعش لأنها تقدم لها مطار وميناء والنفط، حيث يقع مركز صناعة النفط في ليبيا في جنوب سرت، واحتلت قوات "داعش" المدينة في غضون أشهر قليلة وتوسعت إلى الجنوب في حوض النفط في سرت بامتداد 100 ميل من الساحل، وقتل "داعش" في يناير/ كانون الثاني 22 مسيحيًا بينهم 21 مصريًا على شاطئ سرت ما أثار الضربات الجوية المصرية.
وانشق بعض أنصار جماعة أنصار الشريعة وانضموا إلى داعش فيما سيطر التنظيم على قاعدة في صبراتة على بعد 60 ميل شرق الحدود التونسية، وبيّنت تونس أن المسلح سيف الدين رزقي الذي قتل 38 سائحًا بينهم 30 بريطانيًا في منتجع سوسة في تونس تدرب في صبراتة مع المسلحين الذين هاجموا متحف باردو في العاصمة التونسية في مارس/ أذار الماضي.
وشهد "داعش" في ليبيا بعض الانتكاسات حيث دعم شباب درنة في يونيو/ حزيران ميليشيا موالية لتنظيم القاعدة بإنتفاضة ضد "داعش" وأخرون من المدينة إلى الجبل الأخضر جنوبًا، إلا أن داعش أخمدت انتفاضة مماثلة في سرت بوحشية، وأوضح الناجون أن مسلحي داعش أضرموا النار في مستشفى محلي وأحرقوا 22 مريضًا وهم أحياء الأسبوع الماضي، ونفذ "داعش" هجومًا أكثر جرأة في إجدابيا على بعد 70 ميل شرق سرت وهددت أربعة موانئ رئيسية للنفط في ليبيا، وغرّد أحد السكان البائسين " اغتيالات أخرى في إجدابيا الليلة، داعش تتوسع، استيقظوا أيها الليبيون".
ويسيطر الخوف على جيران ليبيا بما في ذلك تونس التي عانت من عملية ذبح 12 من الحرس الجمهوري من قبل متطرف ليبي مدرب، وأغلقت تونس حدودها مع ليبيا الجمعة وحظر دخول طائراتها خوفًا من الهجمات الانتحارية، وتدق أجراس الخطر بشأن توسع داعش في ليبيا طوال العام، وحذرت ممثلة الاتحاد الأوروبي فيديريكا موهيريني في فصل الصيف " في ليبيا هناك مزيج مثالي للإنفجار، وفي حالة الإنفجار سيكون ذلك على أبواب أوروبا"، وفي أكتوبر/ تشرين الأول قال Wolfgang Pusztai المسلحق العسكري النمساوي السابق في ليبيا للجنة الشؤون الخارجية في البرلمان البريطاني " كلما تم الضغط على تنظيم "داعش" في الشرق الأوسط ستكون أكثر نشاطًا في ليبيا".
وحذّر وزير الدفاع الفرنسي جان إيف لودريان من أن ليبيا أصبحت مركز لداعش لإمداد الإرهابيين في جماعات تابعة في الجزائر ومالي وبوكو حرام في نيجيريا بالأسلحة، وأوضحت مصادر في باريس أن لودريان وافق على تهدئة الموقف في الصيف ووضعت أوروبا ثقتها في عملية وساطة الأمم المتحدة على أمل أن تتولى الحكومة الليبية المتحدة حديثًا أمر داعش، إلا أن هذه المحادثات قد أنهارت في أكتوبر/ تشرين الأول، وقبل هجمات باريس تحول الحديث في العواصم الأجنبية إلى عمل مباشر.
ودق الوزير ناقوس الخطر مرة أخرى الأسبوع الماضي وقال لمجلة فرنسية " نرى مجاهدين أجانب يأتون إلى سرت، وإذا نجحت عملياتنا في سوريا والعراق في الحد من الوصول الإقليمي لداعش ربما تكون أكثر عددًا غدًا".
وفي يونيو/ حزيران قصفت طائرتان من طراز F-15 تجمع لتنظيم القاعدة في أجدابيا، وفي نوفمبر/ تشرين الثاني قصفت الطائرات درنة فيما زعم البنتاجون بقتل أحد قادة داعش، إلا أن الضربات فشلت فى إبطاء توسعات داعش، وتعتبر الخسارة الممكنة لاجدابيا كارثية على ليبيا ما يؤدى إلى قطع موانئ النفط وحقول الغاز التي تولد الكهرباء، وهي الخطوة التي وصفها الخبير النفطي في لندن جون هاملتون بأنها تعني انتهاء الاقتصاد الليبي.
وبيّن مسؤولون من القيادة الأفريقية للجيش الأميركي "أفريكوم" في شتوتغارت بعد زيارتهم للمنطقة أن القوات الغربية بدأت فى الانتشار بقوة حول الحدود الليبية جنبًا إلى جنب مع الطائرات بدون طيار وطائرات التجسس، كما تملك الولايات المتحدة قاذفات قنابل ووحدات جوية محمولة متمركزة في إسبانيا وإيطاليا، وتعمل المزيد من الطائرات الأميركية من دون طيار من قاعدتين في النيجر، ويتم توجيه 3000 من المظليين الفرنسيين على الحدود الليبية الجنوبية ضد القوافل الجهادية التي تمر بالبلاد.
وتقوم الطائرات البريطانية تورنادو وتايفون التي وصلت قبرص حديثًا وكذلك الطائرات على حاملة الطائرات الفرنسية شارل ديغول وعشرات السفن الحربية الأوروبية قبالة الساحل الليبي ببعثات لاعتراض من يحاولون تهريب الناس من البلاد، ويمثل الخيار العسكري بعض المخاطر في ظل وجود قواعد لداعش في درنة وسرت وصبراتة، وتعد هذ القواعد أهداف للضربات الجوية إلا أن وحدات "داعش" في ليبيا ربما تذوب بين السكان المدنيين مثلما حدث في سوريا، وبعد ساعات من الهجوم الأميركي على درنة الشهر الماضي أفاد سكان سرت أن مسلحي داعش اتجهوا إلى منازل المدنيين للاختباء لأن الطائرات الأميركية لن تقصفهم خوفًا من سقوط ضحايا مدنيين.
ويطمئن المخططون الغربيون إلى أن داعش لم يصبح حركة جماهيرية بعد في ليبيا، وفي مجتمع قائم على القبلية يصبح السكان في مآمن إلى حد كبير من دعوات الانضمام إلى الخلافة فضلا عن الوصول المستمر للمتطوعين الأجانب من تونس والسودان واليمن، وكما هو الحال في سوريا من المرجح أو القوات البرية هي الوحيدة التي يمكنها سحق داعش، ويعمل دبلوماسيون غربيون من تونس مع طرابلس في محاولة لإقناع الليبيين بالتوحد ضد التهديد الإرهابي.
أرسل تعليقك