بغداد-نجلاء الطائي
يحتفل مسيحيو العراق المهجرون، من ديارهم للعام الثاني على التوالي، بعد احتلال "داعش" مناطقهم، وعلى الرغم من هذه الغصة المحصورة في صدورهم الا انهم يأملون الاحتفال بعيد الميلاد المجيد بالذهاب الى الكنائس لحضور القدَاس وترديد "المجد لله في العلا وعلى الارض السلام".
وبدأ المسيحيون في مدينة الموصل بحركة نزوح جماعي غير مسبوقة بتاريخ 31 تموز/يوليو 2014 من مناطقهم الأصلية، عقب انتهاء مهلة 24 ساعة التي حددها تنظيم "داعش" المتطرف لهم وتوعدهم بالقتل إن لم يعلنوا إسلامهم أو يدفعوا الجزية.
وأوضح اوس كجو 27 عامًا، الساكن في اربيل بعد ان نزح وعائلته من بلدة قرقوش (الواقعة على بعد 30 كلم من الموصل والقريبة من اربيل) لـ "العرب اليوم" "لايزال الاحتفال بعيد الميلاد المجيد يحمل البهجة للجميع"، مضيفًا انه "عيد الميلاد الثاني الذي يحتفل فيه المسيحيون مهجرون خارج منازلهم".
وتابع كجو الاحتفالات الى حد ما مختفية بسبب ضعف الاحوال المعيشية، مستدركا "لايزال هناك بعض المظاهر البسيطة فالجميع سيقوم بالذهاب الى القداس الاحتفالي وسنردد بخشوع في الكنائس (المجد لله في العلا وعلى الارض السلام)".
ويتذكر كجو احتفالات اهل قرقوش بعيد الميلاد المجيد قبل ان تدنس ارضهم عصابات "داعش" قائلا "كما كنا سابقا ستقوم عوائلنا بعمل المعجنات (الكليجة العراقية) في حين يتفنن اهل الموصل بعمل كبة الموصل الكبيرة السائدة في العيد".
وعن امنياته للعام المقبل قال اوس كجو: "الجميع اليوم منقسم بين امنيتين الاولى عودة سريعة للديار بعد تحرير الموصل، وتجدد اواصر الاخوة بين الجميع، والثانية هي لمن فقدو الامل بالعراق بالهجرة والاستقرار ببلد جديد يتمكنون فيه ان يحافظوا على ابنائهم في عيش كريم".
وانتشرت في العاصمة بغداد، في بعض مناطقه مستلزمات اعياد الميلاد، حيث تألقت المحال التجارية في مناطق الكرادة والعرصات والاعظمية والمنصور بالأشجار الخضراء المزدانة بالنشرات الضوئية الملونة، فضلًا عن دمى مختلفة الاحجام لبابا نويل والزينة. وهذه المظاهر لا تقتصر على المسيحيين بل هناك مسلمون يشاركون اخوانهم المسيحيين بهجة العيد.
وقال رائد العبيدي صاحب محال تجاري في منطقة الكرادة، لـ"العرب اليوم" "على الرغم من مشاعر الحزن المكنون في قلوب المسيحيين لطرد عصابات "داعش" اقرباء لهم في الموصل الا انهم سيحتفلون بهدوء داخل منازلهم"، مضيفا "لا اعتقد أن الظروف الاقتصادية لمسيحيي بغداد تمنعهم من الاحتفال، فهناك من جاء واشترى ما يريد من مستلزمات الاحتفال، وأتمنى أن تضاء الكنائس وتقرع اجراسها، مع دعاء أن يحفظ الله العراق ويعيد النازحين إلى بيوتهم سالمين".
وأكدت المواطنة وفاء يوسف لـ "العرب اليوم" "يغمرني الحزن وانا اتذكر المسيحيين الذين عانوا من عذاب النزوح مع اطفالهم، مضيفة "اتذكر كنا نحتفل سابقا بعيد الميلاد المجيد مع اصدقائنا المسلمون في منازلنا لنغني ونرقص وكأننا عائلة واحد"، مشيرة الى ان "مشاعرنا بقدر ما فيها من ابتهاج بقدر ما فيها من حزن".
واكد مدير قسم حقوق الانسان في ديوان الوقف المسيحي القس مارتن هرمز داود، بأن معظم الكنائس ستشهد إقامة الطقوس الدينية، وقال "احتفالات هذا العام تأتي مع استمرار الأوضاع السيئة للنازحين للعام الثاني ممن تركوا بيوتهم وأموالهم وديارهم بسبب سيطرة "داعش" المتطرف، لذلك فالاحتفال لا يعبر عن الفرحة بقدر ما يعبر عن الرجاء والأمل أن تنتهي المعاناة ويعود العيد أبهى مثلما كان بالأمس.
وأضاف "احتفالاتنا الدينية وطقوسنا ستتواصل خلال الأيام المقبلة، حيث ستشهد معظم الكنائس في بغداد بتاريخ 25 و26 كانون الأول (ديسمبر) الحالي إقامة الطقوس الدينية".
ولم تقتصر مظاهر الاحتفال في العراق بأعياد الميلاد وراس السنة الميلادية على المسيحيين فقط بل يشارك المسلمين الاحتفال باقتنائهم شجرة عيد الميلاد وصار تقليدا لأغلب العائلات العراقية وخصوصا في العاصمة شراء شجرة العيد عادين ذلك نوع من انواع الترحيب العام الجديد.
وتقول السيدة رغد الزيدي لـ "العرب اليوم" "يصر اولادي على ان اقتني لهم شجرة عيد الميلاد كل عام لنحتفل داخل المنزل ونتبادل التهاني على الرغم من كوننا مسلمين ونتمنى مع حلول الساعة الثانية عشر ليلا امنياتنا الخاصة والعامة بسنة جديدة ترفل فيه بلادنا بالأمن والامان ويعود النازحين والمهجرين الى منازلهم فيما تكون امنياتنا الخاصة عادة بان يكون العام المقبل عام سعيدا لنا كعائلة واشخاص".
وتقدّم رئيس البرلمان سليم الجبوري "لأبناء الطائفة المسيحية في العراق ولجميع مسيحيي العالم بالتهنئة والتبريك بمناسبة حلول أعياد الميلاد المجيد".
ويأمل الجبوري خلال كلمة ألقاها أن يعم التسامح والسلام، متمنيا بهذه المناسبة "لكل ابناء الديانة المسيحية بالعودة الى ديارهم قريبا بعون الله وقد أنجلت الغمة واندحر التطرف وعاد ابناء الوطن الواحد الى منازلهم ووحدتهم وجيرتهم الراسخة في عمر الزمن منذ آلاف الأعوام".
وأضاف "نعم كنّا نامل ان تكون احتفالاتهم هذا العام في كنائسهم واديرتهم ودور العبادة وهم بأمن وسلام، غير ان الأمل بالله كبير ان لا تطول المدة ويتحقق هذا الأمل من جديد ، ويعود السلام والطمأنينة الى كل ارجاء العراق والعالم"، داعيًا "الله عز وجل أن يمر هذا العيد في العام المقبل ونحن نحتفل براحة وسكينة وان يحفظ الله العراق واهله جميعا وان يعم السلام والتسامح وجه الارض وينعم العراق بالعز والاستقرار والتطور".
وأعلنت أمانة بغداد وشركة مدينة ألعاب الزوراء عن نصب أكبر شجرة (كريسماس) في منطقة الشرق الأوسط، جاوز ارتفاعها (٢٥) مترا مع القاعدة داخل مدينة الالعاب احتفالاً بعيد الميلاد المجيد ورأس السنة الميلادية بهدف مشاركة الاخوة المسيحيين أفراحهم ومسراتهم بهذه المناسبة السعيدة “. مشيرة الى ان “الشجرة تم تزيينها بمنظومة حديثة على غرار ما معمول به في دول العالم المتقدمة على نفقة الشركة".
يذكر أن أعداد المسيحيين في العراق انخفضت بعد حرب العام 2003 بحسب إحصاءات غير رسمية، من 1,5 مليون إلى نصف المليون، بسبب هجرة عدد كبير منهم. حيث كان المسيحيون يشكلون 3,1 بالمئة من سكان العراق وفق إحصاء أجري في العام 1947، وبلغ عددهم في الثمانينات بين مليون ومليوني نسمة، وانخفضت هذه النسبة بسبب الهجرة خلال فترة التسعينات وما أعقبها من حروب وأوضاع اقتصادية وسياسية متردية، كما هاجرت أعداد كبيرة منهم إلى الخارج بعد عام 2003.
أرسل تعليقك