أجمع مشاركون في القمة الأمنية الإقليمية العاشرة "حوار المنامة 2014" على جوهرية محاور الجلسات هذا العام، لتشمل تحديد الأولويات الاستراتيجية في الشرق الأوسط، خصوصًا فيما يتعلق بالعراق وسورية والأمن الإقليمي، ومواجهة التطرف على مستوى المنطقة، بمشاركة نحو 400 شخصية منهم نحو 50 وزير خارجية ووزير دفاع ورئيس هيئة أركان إضافة إلى عدد من كبار مسؤولي الأجهزة الأمنية.
وأكد وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، ضرورة أن تتسم خطابات التعاون بين دول المنطقة بالجدية والتنفيذ على أرض الواقع، مشددًا على أنه يتحتم على إيران أن تبتعد عن تمويل ودعم الجماعات الراديكالية ومد يد التعاون مع دول المنطقة في مكافحة تلك الجماعات المتطرفة بغية سيادة الأمن الإقليمي وجعله من الأولويات، مجدّدًا دعوته إلى جميع الدول المجاورة لأن تشارك في الحل وبناء شراكة تبنى على الثقة لمواجهة الأخطار التي تحيط بمنطقة الشرق الأوسط والتي من بينها التحديات الناشئة.
وصرّح الشيخ عبد الله في الجلسة الأولى من حوار المنامة التي حملت عنوان "الأولويات الاستراتيجية في الشرق الأوسط"، قائلًا "سأتحدث عن تحديين يستحقان الاهتمام في الوقت الراهن في المنطقة، ففي العام السابق شهدت المنطقة نشوء خلايا عابرة للحدود، ولكن "القاعدة" و"داعش" ليستا الخطر الأكبر، ولكن الخطر الأكبر يكمن في "حزب الله" الذي يحظى بدعم من دول ضالعة بحد ذاتها في تمويل التطرف، ولابد من العمل على وقف تمويله الأمر الذي يأتي بالأهمية نفسها للتدخل العسكري".
وأشار إلى أنَّ التحدي الثاني يتمثل في ضرورة محاربة الأيديولوجيات التي تستند عليها الجماعات الراديكالية والمتطرفة التي تسخر جهودها للتأثير على الشباب وإدماجهم في تلك النشاطات، مضيفًا أنَّ المجموعات المتطرفة تعتمد على من يسخر الدين لتبرير جرائمهم ولابد من اجتثاث هذه الايديولوجية ونزع التطرف والأصولية التي تهيئ المناخ لانتشار التطرف.
وشدَّد على ضرورة مكافحة الانقسام الطائفي والارتقاء بأدوات التعليم الإيجابي البناء والتسامح الديني والعمل على تقليص التعليم القائم على التحريض الطائفي، قائلًا "التحدي الثاني الذي يواجهنا كبلدان هو التوتر ما بين الدول وما يشكله من عائق أمام التعاون الإقليمي، ولعل الأسباب الرئيسية في ذلك هو أنَّ بعض الدول الإقليمية لديها طموحات لبسط نفوذها على بعض دول المنطقة وإن تعاونت فإنها تتعاون في المجال الذي يحقق لها تلك الطموح".
وأضاف "أولوياتنا أن تولي بعض دول المنطقة دورًا رياديًا لتحقيق الأمن المستدام في المنطقة، فالإطار الإقليمي الأمني لهذه المنطقة هو الوحيد الذي من شأنه أن يضمن الاستدامة في الأمن والاستقرار، وما أمن دول مجلس التعاون الخليجي إلا عمود من أعمدة الأمن الإقليمي".
نظام إقليمي عربي جديد
ومن جانبه، أكد وزير الخارجية المصري سامح شكري ضرورة إيجاد نظامٍ إقليمي عربي جديد بعيدًا عن أسلوب المحاور الذي كان موجودًا على مدى العقود الأربعة الماضية، موضحًا إنَّه "لا توجد فرص لإمكان نشوب حروب عالمية كبيرة ولكن باتت معاييٌر أخرى، مثل الديمقراطية والاعتمادِ المتبادل ومستوى النمو والقدرة على الابتكار، تحتلُ مكانًا متقدمًا وتؤثر بشكلٍ واضح، ولو بدرجاتٍ متفاوتة، في قدرة أي دولة أو كيان أو لاعب على تحقيق مستوى أفضل من الاندماج على المستوى الدولي ضمن علاقات أكثر ندية".
وشدَّد شكري على ضرورة أن تكون محاربة تنظيم "داعش" ضمنَ إطار استراتيجية شاملة لمحاربة جميعِ التنظيمات متشابهة الفكر في المنطقة، مع استهدافِ القضاء على ذلك التنظيم عسكريًا وفكريًا وحرمانِه من التعاطف والتمويل، "وإلا فإنه حتى وإن توارى في العراق فسوف يعاودُ الظهور في أماكنَ أخرى من العالم فالجميعُ بلا استثناءٍ ليسوا بمأمنٍ من هذا الخطر" .
وبيّن أهمية تحقيق التنمية المستدامة في المنطقة، مشيرًا إلى أنه لا يوجدُ بديلٌ استراتيجي لاستئنافِ مفاوضات السلام الفلسطينية "الإسرائيلية" في ظِل "تكلفة الفراغِ" الناشئ عن جمودها وتراجع الأمل في تحقيقها لنتائجَ ملموسة وأهمية توظيف المبادرة العربية للسلام، واستعادة الدعم الدولي لأسس المفاوضات ودفعِها من خلال مجلس الأمن لتأكيد أنه لا سبيل للالتفاف حول هذه الأسس من خلال فرض حلولٍ أحادية أو مواجهاتٍ غير مجدية .
ودعا شكري إلى ضرورة العمل تدريجيًا على إرساء علاقات جوارٍ صحية تتسمُ بالتكافؤ والندية بين دول منطقة الشرق الأوسط وكذلك تشجيعَ الحوارات القائمة على الاحترام المتبادلِ بين الأديان والمذاهب والطوائف وتعزيزَ قيم العيش السلمي المشترك التي باتت ضرورةً مُلحة في مواجهة أفكار الإقصاء والاغتراب داخل المجتمعات .
هاموند: فهم مشترك مع دول الخليج
ومن جهة أخرى، تحدّث وزير الدولة للشؤون الخارجية والكومنولث في المملكة المتحدة فيليب هاموند، في الجلسة، عن أهمية وتاريخ الشراكة التي تربط المملكة المتحدة والبحرين والدول الأخرى، لافتًا إلى أنَّ الوجود البريطاني في البحار الإقليمية عمره يزيد على 7 عقود.
واستدرك هاموند "نتشاطر فهمًا مشتركًا بيننا وبين دول مجلس التعاون، ولابد من التأكيد على أنَّ مخاوفكم هي مخاوفنا، أمنكم هو أمننا، واستقراركم هو استقرارنا، ولقد ارتقينا بجهودنا التعاونية مع البحرين والدول الأخرى.
وتابع "من التحديات الجديدة التي تواجهنا المتطرفون الذين يحاولون فرض الإسلام السياسي بحد السيف، وقد سخرت الدول إمكاناتها لمساندة أميركا في حربها ضد داعش، ولابد من الإشادة بالدور الرائد للإمارات التي أخذت على عاتقها مسؤولية وعبئًا كبيرًا في مساندة الحرب ضد داعش وأظهرت كرمًا في تعاونها".
ومن جهته، ذكر وزير الدولة للشؤون الخارجية في السعودية نزار مدني، أنَّ دول مجلس التعاون الخليجي أثبتت أنها أصلب من أي وقت مضى بفضل وضوح الرؤيا حتى في أحلك الأوقات، مشددًا على أن الأمن والاستقرار والوحدة الوطنية كانت وما تزال وستبقى أولى الأولويات التي لا يمكن التفريط بها، ولا يمكن تحقيق ازدهار أو تنمية إلا بها.
وأوضح مدني أنَّ دول التعاون تمكنت من حماية المنجزات ومكتسبات المواطنين وزادت معدلات نمائها، في وقت تشهد المنطقة الكثير من الاضطرابات.
وبيَّن مدني أنَّ دول التعاون استفادت دائمًا من التجارب السابقة وعدد من الاخفاقات للتكيف مع المستجدات المختلفة والتسلح بالصبر في مواجهتها، مضيفًا "إنَّ مواجهة التحديات ليست أمرًا فريدًا أو جديدًا لمجتمعات الخليج، فالذاكرة حافلة بالأزمات والتحديات منذ تأسيس المجلس، ولكن كانت دول المجلس قادرة مرارًا وتكرارًا بفضل وعي مواطنيها على تجاوز شتى أشكال المخاطر وزادتهم منعة وقوة وصلابة، حيث لم تتوقف عجلة التحديث والتنمية ولم تتحقق توقعات المتشائمين وآمال الحاقدين".
ووصف تصميم دول التعاون بمثابة الصخرة التي تتحطم أمامها أطماع الطامعين وآمال الحاقدين، لافتًا إلى أنَّ الإطار المستقبلي لأمن الخليج يستند على بساطة الرؤية الكلاسيكية ولا حاجة إلى اختراع العجلة من جديد، بل استمرار البناء على الخبرات التراكمية والثبات على ما ترسخ والتكيف مع التغيرات، والارتكاز على 3 أبعاد محلية وإقليمية وعالمية.
وأشار مدني إلى أنَّ إيران دولة مهمة وعريقة وعليها لعب دور محوري، قائلًا "سنكون في مقدمة المرحبين بهذا الدور الإيراني في سبيل رخائها ونمائها، ونرحب بأن تكون شريكًا كاملًا يضطلع بمسؤولياته تجاه أمن الخليج، ولكن لتؤتي ثمارها يجب أن تتطابق الأقوال مع الأفعال والبناء على إقامة علاقات جوار سليمة ومستدامة قائمة على أساس عدم التدخل بالشؤون الداخلية، من خلال حسن النية والمصداقية والشفافية".
من ناحيته، قال رئيس جهاز الأمن القومي في اليمن اللواء علي الأحمدي، إنَّ الحكومة اليمنية ما تزال تتخذ الكثير من الإجراءات ضد التطرف بتنفيذ ضربات موجعة لـ"القاعدة"، وتعزيز التنسيق في تبادل المعلومات وتنفيذ عمليات مشتركة وترحيل عرب وأجانب ذوي العلاقات المتطرفة .
ولفت الأحمدي إلى أن التوسع الظاهر للعناصر المتطرفة، أصبح أمرًا يستوجب الوقوف أمامه بجدية لمحاربة التطرف، معتبرًا تنظيم "داعش" درسًا بالغًا للجميع، فلم يكن أحد ليتوقع توسعه بهذه الصورة ويجب أن تكون التقديرات أكثر دقة.
وجدَّد الأحمدي الدعوة إلى توسيع رقعة تبادل المعلومات بين دول المنطقة وتوحيد جهود المكافحة وتجفيف منابع التمويل والحد من أي تبعات مستقبلية، منوهًا إلى أنَّ مواجهة آفة "داعش" والتطرف عمومًا تتطلب تجفيف منابع الدعم المالية والحد من عمليات الاستقطاب واستمرار التشاور الدولي والإقليمي لمحاربة "داعش" ومساعدة الدول النامية في معالجة مشاكلها الاقتصادية والتخفيف من الفقر والبطالة .
التخلص من المصطلح
وكان ولي عهد البحرين نائب القائد الأعلى النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، قال في كلمة خلال افتتاح المنتدى "إنَّ الوقت قد حان للتخلص من مصطلح الحرب على التطرف، الذي وصفه بالمضلل بعض الشيء، مشيرًا إلى أنه لا يشكل إلا جانبًا من الصراع، مؤكدًا أنَّ التطرف مجرد أداة يتم استخدامها.
وأبرز قائلًا "واجهنا معًا خصمًا مختلفًا تمثل في الشيوعية، ولكننا عندما واجهنا هذا الخصم فقد فهمناه كفكرة أيديولوجية وإن التطرف ليس بأيدلوجية، إننا لا نحارب متشددين فقط وإنما نحارب ثيوقراطيين"، داعيًا في حال إقرار أنَّ المواجهة الحالية مع ثيوقراطيين جمع السياسات العسكرية والاجتماعية والسياسية ولربما الاقتصادية على نحو شامل لمكافحة هذا الخط.
وبدوره، أكد الأمين العام لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية الدكتور عبد اللطيف الزياني، أنَّ العلاقة بين دول المجلس قوية وأنَّ هذه الدول خرجت أكثر قوة وتفاهمًا بعد الخلاف الخليجي بفضل حكمة قادتها وحرص شعوبها على التضامن.
وأوضح الزياني في كلمة خلال جلسة بعنوان "تطوير النهج الجماعي نحو القضايا الأمنية في المنطقة" ضمن جلسات مؤتمر حوار المنامة العاشر إننا نتطلع إلى القمة المقبلة في الدوحة بشكل إيجابي، واصفًا إياها بـ"قمة الفرحة" بعد إنجاز الاتفاق الأخير في الرياض.
وعن الملف اليمني، رأى الزياني أنَّ المبادرة الخليجية للأزمة اليمنية هي الأساس في الحل والحوار الوطني، موضحًا أنَّ اتفاق "السلم والشراكة" التي وقعت عليها الأطراف اليمنية كافة قامت على أساس المبادرة الخليجية، وشدد على دعم دول مجلس التعاون للرئيس اليمني ورئيس حكومته للعمل على إنهاء الأزمة والالتزام بالحل السلمي والعمل السياسي، وأضاف أنه على الرغم من الدعم الذي يلقاه اليمن أصبح على حافة كارثة وشيكة بسبب بعض الأطراف فيه.
وعن الملف الإيراني، قال إنَّ إشراك إيران في رسم استراتيجية المنطقة يحتاج إلى التحاور والتعاون والثقة، مشيرًا إلى وجود فرص أمام إيران لبناء الثقة منها المبادرة بإعادة الجزر الإماراتية ووقف أعمال حزب الله في سوريا وما عليها إلا استغلال هذه الفرص .
وأشار الزياني إلى قيام دول مجلس التعاون بتطوير قوات درع الجزيرة وتوحيد قيادتها مؤكدًا أنَّ مجلس التعاون هو مصدر للاستقرار في المنطقة ككل، محذرًا من خطر التطرف، مشيرًا إلى أنَّ ضرره أصبح جليًا اليوم نظرًا لوجود أعداد كبيرة من الشباب من مختلف دول العالم انخرطوا في دائرة العنف والتطرف.
ودعا الزياني، إلى دراسة هذه الظاهرة في سياق مضمونها المستقبلي، وأن يكون الرد الإقليمي والدولي عليها جماعيًا ومنسقًا، وأن يتم إعداد استراتيجية شاملة من أجل المستقبل.
أرسل تعليقك