واصلت موسكو تصعيد خطابها ضد أنقرة واتهمتها بتجاوز جميع الخطوط الحمراء مع الاتجاه إلى إغلاق الحدود السورية التركية وعزل البلدين عن بعضهما، بالتزامن مع استعدادها لتقديم كل أنواع الدعم للنظام السوري، في وقت طلب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عقد اجتماع مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في باريس محذرًا من "اللعب بالنار".
وأبدى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، استعدادًا للتعاون مع فصائل مختارة من "الجيش السوري الحر" بعد تحديد فصائله، وفي الوقت نفسه قال نظيره الفرنسي لوران فابيوس إن باريس مستعدة لقبول تحالف يضم الجيش النظامي السوري لقتال "داعش" بعد إقرار الحل السياسي الانتقالي.
وأعرب وزير الخارجية الروسي وليد المعلم خلال زيارته إلى باريس، عن استعداد الجيش النظامي للتنسيق ضد التطرف ردًا على دعوة فابيوس.
وأفاد لافروف في مؤتمر صحافي مع المعلم في موسكو، بأن روسيا ستواصل تقديم كل أشكال الدعم للحكومة السورية في مواجهة التطرف، وأضاف أن موسكو تولي اهتمامًا خاصًا للتعاون في المرحلة الراهنة الحساسة جدًا والحركة نحو تسوية الأزمة السورية بالوسائل السياسية، مع أخذ مصالح السوريين في الاعتبار.
وأكد ارتياح بلاده لنتائج محادثات الرئيس فلاديمير بوتين مع نظيره الفرنسي فرانسوا هولاند مساء الخميس، موضحًا أن موسكو مستعدة لقبول أي صيغة للتحالف المستقبلي الواسع ضد "داعش".
وأضاف: "الحرب على التطرف لن تكون فعالة طالما واصلت أطراف إقليمية الكيل بمكيالين"، في إشارة إلى تركيا التي تجدد اتهامها بأنها تقدم تسهيلات كبرى للمتطرفين من خلال التمويل وعدم الرغبة في ضبط الحدود التي يتسلل عبرها المتطرفون.
وأردف: "إغلاق الحدود بين سورية وتركيا، سيسهم في حل مشكلة التطرف إلى حد كبير، مبادرة هولاند في هذا الشأن مهمة جدًا وهي عرضت اتخاذ تدابير ملموسة لإغلاق الحدود وندعمها بنشاط وتوفر إمكانية الاتفاق على خطوات عملية بالطبع، بالتعاون مع الحكومة السورية".
وأشار لافروف إلى أن مقترحات باريس حول إنشاء تحالف بري في سورية يضم القوات الحكومية وقوات المعارضة السورية والأكراد لمواجهة مسلحي تنظيم "داعش" تتوافق مع المقترحات الروسية، مستدركًا: "يجب فقط توضيح الجزء الذي تعلق بالجيش السوري الحر عبر تحديد الفصائل المنضوية في هذا التشكيل، وتم إطلاع الأكراد والمعارضة السورية المسلحة عبر مبادرة موسكو حول إنشاء جبهة ضد داعش".
ومن جهته، ذكر المعلم: "إن كان فابيوس جادًا في التعامل مع الجيش السوري والتعاطي مع قوات على الأرض تحارب داعش، نحن نرحب بذلك، إنه يتطلب تغييرًا جذريًا في التعاطي مع الأزمة السورية، وجيشنا جاهز للتنسيق مع أي قوات تقوم بالتشاور معه في سبيل مكافحة التطرف".
وصرّح فابيوس لراديو "آر تي إل" خلال لقاء معه الجمعة: "القوات على الأرض لقتال داعش، لا يمكن أن تكون من قواتنا لكن من الممكن أن يكون هناك جنود سوريون من الجيش الحر ودول عربية سنية وقوات النظام".
وبيّن مسؤول مقرب من فابيوس: "هذا يمكن أن يحصل فقط في إطار انتقال سياسي، وفابيوس يؤكد أن الانتقال ملح ولا غنى عنه، إذا أردنا التحرك من أجل سورية حرة وموحدة فلا يمكن للأسد وهو المسؤول عن مقتل 300 ألف شخص وتشريد الملايين أن يقود ذلك، لا يمكن أن يمثل الأسد مستقبل هذا الشعب".
وأضاف فابيوس، أن بوتين طلب من هولاند مساء الأربعاء وضع خريطة لأماكن تواجد الجماعات التي تحارب متطرفي تنظيم "داعش" في سورية حتى لا تقصفها الطائرات الروسية.
ومن جهتها، نفت أنقرة تعليق ضرباتها الجوية ضد "داعش" في ظل التوتر المتصاعد مع موسكو، وقال مصدر أمني إن الجانبين اتفقا على التصرف بحذر حتى فتح قنوات حوار لتخفيف حدة التوتر.
وأردف المسؤول: "في الوقت الحالي، تركيا ما زالت ملتزمة بشكل كامل بمواجهة تنظيم داعش كجزء من الائتلاف الدولي".
وكان أردوغان قال: "أرغب في لقاء بوتين وجهًا لوجه لإجراء محادثات في باريس خلال اجتماع قمة المناخ"، لكنه هاجم سياسة روسيا، قائلًا: "لسنا غافلين عن مكر روسيا التي تستخدم حادث الطائرة كمبرر لدعم نظام الأسد"، موضحًا أن دعم النظام بعد أكثر من أربعة أعوام من الحرب يشبه "اللعب بالنار".
وفي ستوكهولم، أفاد المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا، بأن إسقاط القاذفة الروسية "بالتأكيد لم يساعد، هناك احتمال أن يعقد ذلك عملية السلام".
وأكدت موسكو أنها ستواصل تزويد النظام السوري بكل المساعدات الضرورية لمكافحة المتطرفة، وحذر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف القيادة التركية من أنها تنزلق بالبلاد نحو وضع صعب، معتبرًا أن أنقرة تجاوزت الخطوط الحمراء.
وأجرى لافروف جولة محادثات مطولة مع نظيره السوري وليد المعلم الجمعة، استهلها بالتأكيد على الأهمية التي توليها موسكو لمواصلة دعم القيادة السورية وتقديم كل المساعدات الضرورية في حربها على التطرف، وقال إن موسكو ستواصل العمل لتلبية طلب قيادة الجمهورية العربية السورية، وتقديم كل المساعدات الضرورية لدمشق في ملاحقة المتطرفين والقضاء عليهم، مضيفًا: "نعمل بحسم في إطار المجموعة الدولية لدعم سورية من أجل إطلاق عملية سياسية عادلة وديمقراطية وشاملة يقرر في إطارها السوريون مصير بلادهم بأنفسهم".
وزاد أن موسكو تولي اهتمامًا خاصًا للتعاون مع دمشق في المرحلة الراهنة الحساسة جدًا، وفي إشارة مباشرة إلى ملف الأزمة الروسية التركية، وطلب لافروف من المعلم نقل الشكر إلى العسكريين السوريين الذين شاركوا في عملية إنقاذ الطيار الروسي الذي نجا في حادث تحطم القاذفة "سوخوي 24" الروسية.
وشدد على أن القيادة التركية تجاوزت الخطوط المسموح بها، وهي تخاطر بأن تقود تركيا إلى وضع صعب جدًا، في ما يخص المصالح الوطنية التركية والوضع في المنطقة في شكل عام.
ودعا لافروف الجانب السوري إلى اتخاذ إجراءات إضافية لتأمين سلامة البعثة الدبلوماسية الروسية في سورية وضمان أمن المواطنين الروس في البلاد، مشيرًا إلى أن السفارة الروسية في دمشق تعرضت قبل أيام لعملية قصف جديدة بقذائف "هاون".
وأعرب المعلم عن شكره للرئيس الروسي على الجهود التي تبذلها روسيا في مكافحة التطرف على الأراضي السورية، وأشاد بالعمليات العسكرية الروسية معتبرًا أن روسيا نجحت خلال أسابيع في تحقيق إنجازات كبرى بينما فشل التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن في إحراز تقدم بعد مرور أكثر من عام على عملياته.
وأضاف أن الجيش السوري تمكن بفضل الدعم الذي يقدمه سلاح الجو الروسي من إحراز تقدم كبير في محاربة تنظيم "داعش".
وأكد "الكرملين" أن أردوغان حاول الاتصال هاتفيًا بنظيره الروسي فلاديمير بوتين، وبعد مرور حوالي 8 ساعات على إسقاط القاذفة الروسية، وقال الناطق باسم الرئيس الروسي دميتري بيسكوف أن أردوغان اتصل هاتفيًا بعد مرور 7 أو 8 ساعات على الحادثة وليس قبل ذلك.
وأضاف بيسكوف أنه تم إبلاغ الرئيس بالاتصال، وأكد أن أردوغان طلب من الجانب الروسي عقد لقاء ثنائي مع بوتين على هامش قمة المناخ العالمية المقررة الاثنين في باريس، موضحًا أنه تم إبلاغ الرئيس الروسي بهذا الطلب أيضًا.
وتطرق بيسكوف إلى تصريحات لأردوغان، حذر فيها من أن أنقرة ستتعامل مع إسقاط أي طائرة حربية تركية باستخدام صواريخ "إس-400" الروسية باعتباره اعتداء عليها يستوجب الرد، مشيرًا إلى أنه على أردوغان أن يقوم أولًا أداء سلاح الجو التركي مع الطائرة الروسية.
وفي إشارة غير مباشرة إلى نتائج محادثات الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند مع بوتين مساء الخميس أعرب بيسكوف عن الأسف لعدم استعداد شركاء روسيا للعمل في إطار تحالف واسع النطاق ضد تنظيم "داعش" المتطرف، مردفًا: "على رغم ذلك نبقي أبوابنا مفتوحة ما زلنا مستعدين وراغبين في التعاون بأية صيغة يقبلها شركاؤنا".
وأشاد بتصريح وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس عن إمكانية مشاركة الجيش النظامي السوري في الجهود المشتركة لمحاربة "داعش"، معتبرًا أنها تدل على تعديل مهم في موقف فرنسا من دور دمشق في الأزمة السورية، مضيفًا أن الجانب الروسي شدد منذ البداية على أن القوة الفعلية الوحيدة التي يمكن أن تتصدى للتنظيمات المتطرفة المحتلة لمساحات شاسعة من الأراضي السورية، هي القوات المسلحة السورية.
وأعلن "الكرملين" الجمعة، أن بوتين عقد اجتماعًا طارئًا لمجلس الأمن القومي الروسي خصص لمناقشة تطورات الأزمة مع تركيا، من دون أن تعلن نتائج الاجتماع.
ويضم المجلس الذي يتخذ عادة القرارات الحاسمة وزراء الدفاع والخارجية والطوارئ والداخلية ورؤساء أجهزة المخابرات بالإضافة إلى رؤساء الحكومة والديوان الرئاسي ومجلسي الدوما والشيوخ.
وأوضح قائد سلاح الجو الروسي فيكتور بونداريف، أن تحليل بيانات وسائل المراقبة الإلكترونية يؤكد أن إسقاط قاذفة "سوخوي-24" كان هجومًا مدبرًا، واتهم المقاتلات التركية من طراز "إف-16" بأنها نصبت كمينًا في السماء للقاذفة الروسية.
وتزعم تركيا بأن المقاتلة الروسية دخلت مجالها الجوي وتجاهلت التحذيرات المتعددة، إلا أن روسيا تؤكد أن طائرتها لم تتجاوز الحدود واتهمت أنقرة بـ"الاستفزاز المتعمد".
وأفاد أردوغان بأن الحادث جاء نتيجة رد فعل تلقائي لانتهاك المجال الجوي، وأن تركيا لم تسقط المقاتلة الروسية عمدًا، ووصف انتقادات بوتين لأنقرة بسبب الحادث بأنها "غير مقبولة".
وأضاف: "روسيا ملزمة بإثبات ادعاءاتها وإلا فإنها ستعتبر كاذبة بسبب هذه الاتهامات الخطيرة وغير المنصفة التي توجهها لتركيا، هذه ليست أول مرة تنتهك فيها المقاتلات الروسية الأجواء التركية وتم تحذير بوتين من إمكانية وقوع حوادث بشعة بعد عمليتي توغل في تشرين الأول الماضي".
وهاجم أردوغان كذلك سياسة روسيا بشأن سورية بعد أن أطلقت موسكو حملتها الجوية في أيلول / سبتمبر، متهمًا "الكرملين" بمساندة الرئيس السوري بشار الأسد.
أرسل تعليقك