حصل مشروع عُمان للإبحار في الأسبوع الماضي، على رقم قياسٍ، بعدما استطاع القارب "مسندم" من فئة (مود70) المدعوم من وزارة السياحة العمانية، أن يحطم الرقم القياسي العالمي للإبحار حول أيرلندا.
وقطع القارب "مسندم" مسافة التحدي خلال 40 ساعة و51 دقيقة 57 ثانية، بفارق أربع ساعات عن القارب "لاكوتا" الذي استغرق 44 ساعة و42 دقيقة و20 ثانية لقطع مسافة التحدي.
وشارك في تحقيق هذا الإنجاز، ثلاثة أبطال عُمانيين هم سامي الشكيلي وياسر الرحبي وفهد الحسني، وهو الثلاثي الذي شارك العام الماضي على متن القارب نفسه لتحطيم الرقم القياسي السابق للإبحار حول بريطانيا وأيرلندا.
وترقب طاقم القارب "مسندم" هذه الفرصة منذ عامين، بعد محاولته في العام 2013، تحطيم الرقم السابق، لكنه تراجع عن ذلك بسبب الظروف الجوية، وحفاظًا على سلامة البحّارة والقارب.
وكان الطاقم وفريق الإبحار المحيطي في خضم سباق "غراند بركس غاياندر" في فرنسا، يتابع الأحوال الجوية ويترقب الفرصة المواتية، وحين حانت الفرصة انطلق القارب من فرنسا متجهًا إلى نقطة الانطلاق في مدينة دان لاهير جنوب العاصمة الأيرلندية دوبلن، ثم انطلق في هذا التحدي واستطاعوا تحقيق إنجازًا عُمانيًا آخر يضاف إلى سجل الإنجازات الرياضية العُمانية.
ويعد هذا الإنجاز فريدًا من نوعه على مستوى العالم نظرًا لصعوبة التحدي وبقاء الرقم القياسي السابق صامدًا لفترة طويلة تزيد عن 20عامًا، كما يُعد إضافة نوعية إلى المسيرة الرياضية للسلطنة، وسيكون له دورًا كبيرًا في إلهام الأجيال الصاعدة لرفع مستوى طموحاتها في جميع الرياضات، علاوةً على إسهامه في تعميق ارتباط الأجيال الحاضرة بالتراث البحري العريق للسلطنة وإدخال هذه الرياضة كأحد أبرز الرياضات الأصيلة ذات الأثر الإيجابي للقطاعين السياحي والاستثماري.
ويأتي هذا الإنجاز متماشيًا مع أهداف مشروع عُمان للإبحار، الذي يعمل منذ تأسيسه في العام 2008م على إحياء الأمجاد البحرية العُمانية.
ويركز المشروع على ثلاثة أركان أساسية يتمحور أولها في تنمية القدرات والكوادر الوطنية من خلال تزويدهم بالمهارات الحياتية الضرورية للتميز في مختلف ميادين الحياة، ويتمحور الركن الثاني حول تعزيز الرياضة الوطنية وإشراك الشباب في تحقيق إنجازات رياضية للسلطنة كما فعلوا في تحطيم الأرقام القياسية والإبحار في تحديات عالمية مرموقة.
وجاء الركن الثالث، والذي يهدف إلى توظيف الكوادر الوطنية وتوظيف المناشط الرياضية من أجل الترويج للسلطنة سياحيًا في مختلف المحطات التي يزورها البحارة العُمانيون.
وعبّر البحارة العُمانيون، عن سعادتهم الغامرة بهذا الإنجاز، إذ قال سامي الشكيلي بعد وصولهم إلى خط النهاية: "سعادتي لا توصف بهذا الإنجاز بالرغم من التحديات الكبيرة التي كانت أصعب من التحدي الماضي حول بريطانيا وأيرلندا، ولكن بفضل العمل الجماعي استطعنا المحافظة على سرعة القارب حتى خط النهاية وكسرنا الرقم القياسي السابق".
وأضاف سامي: "اعتبر هذا الرقم القياسي أهم إنجازاتي البحرية حتى الآن وفخر لي أن أهدي هذا الإنجاز إلى السلطنة".
يشار إلى أنَّ سامي تعرض في آخر ساعات السباق إلى إصابة طفيفة في الكتف والصدر إثر سقوطه داخل القارب، وتلقى الإسعافات الأولية والرعاية اللازمة فور وصول القارب إلى خط النهاية.
وقال فهد الحسني: "نحمد الله على هذا الإنجاز فهو حُلم لكل بحار وأنا فخور بمشاركتي في تحقيقه، كما أنني فخور برفع علم السلطنة على رأس هذا الإنجاز".
وتابع الحسني:"لم يكن طريق التحدي مفروشًا بالورود، بل كان محفوفًا بالمخاطر والتحديات، واجهنا انخفاض سرعة الرياح لمدة خمس ساعات في اليوم الثاني، وكلفنا ذلك خسارة بعض الوقت، ولكن بعدها هبت الرياح بقوة حتى خط النهاية".
وأتم: "ومن ضمن التحديات كذلك انخفاض درجات الحرارة لأننا متعودون على درجات الحرارة المرتفعة في السلطنة، وواجهنا تحديًا مع التيارات الباردة المقبلة من الشمال حتى أننا كنّا نفقد الشعور بأصباعنا أحيانًا مع كثرة الماء والرياح ولكننا استطعنا التأقلم بسرعة وحققنا الحلم".
وعبر ياسر الرحبي عن سعادته بالإنجاز وقيمته الوطنية لكل عُماني، قائلًا: "إنجاز غير عادي، وهو بلا شك إضافة كبيرة إلى سجل إنجازاتي الشخصية، ولكن الأهم من ذلك أنه إنجاز للسلطنة في الساحة الدولية".
وأضاف الرحبي: "واجهنا الرياح العاتية والأمواج المتلاطمة ولكننا لم نستسلم وواصلنا المسير حتى خط النهاية، وكان مفتاح النجاح يكمن في المحافظة على سرعة القارب والمحافظة على تركيزنا من أثناء التناوب في أوقات العمل والراحة".
وعبر الرئيس التنفيذي لمشروع عُمان للإبحار ديفد جراهام، عن سعادته بما حققه الشباب، قائلًا: "هذا التحدي كان ضمن أهداف القارب "مسندم" لعدة أعوام، وأن تحقيقه على أرض الواقع دليلًا على العمل الدؤوب والتفاني الذي يتحلى به فريق الإبحار الشراعي المحيطي".
وأضاف جراهام: "ليس هناك اختبار أقوى للانضابط والتحمل من السباق مع الزمن، يتعين على الفريق أن يحافظ على تركيزه طوال الوقت، وحرصنا على غرس هذه المهارات والقيم لدى البحارة منذ تأسيس المشروع".
وأوضح: "من خلال مشاركة البحارة العُمانيين في هذا الإنجاز يمكن القول بأن رياضة الإبحار الشراعي في السلطنة تسير على الطريق الصحيح".
ويذكر أنَّ الثلاثي العُماني المكون من سامي الشكيلي وياسر الرحبي وفهد الحسني من أفضل البحارة المحيطيين في مشروع عُمان للإبحار ولهم سجلًا قويًا من المشاركات المحيطية مقارنة بتاريخهم القصير في عالم الإبحار، وهم الجيل الثاني من البحارة المحيطيين المحترفين بعد الجيل الأول الذي يضم أسماء لامعة مثل محسن البوسعيدي وصالح الجابري وأحمد المعمري وعبدالله البوسعيدي.
وبدأ ياسر وفهد مشوارهما في الإبحار المحيطي منذ العام 2010، وخاضا العديد من السباقات المحيطية مثل الطواف الفرنسي والطواف العربي وسباقات أسبوع نورماندي وسباق ترانز أتلانتيك، وحققا الكثير من المراكز المتقدمة في الأربعة أعوام الماضية.
كما بدأ سامي الشكيلي مدربًا في الإبحار الشراعي وأظهر قدرات عالية، أهلته للانضمام للفريق في العام 2013، وشارك في الطواف العربي للإبحار الشراعي أكثر من مرة، ويعتبر من أهم الكوادر الحالية على متن القارب "مسندم".
ويتدرب البحّارة المحيطيون العُمانيون على يد الفرنسي المحترف سيدني غافنييه الذي يُعد ألمع الأسماء في الإبحار المحيطي على مستوى العالم، إذ شارك في في سباق "فولفو" المحيطي ثلاث مرات وحقق المركز الأول والثاني فيها، كما حقق المركز الثاني في سباق الترانزات "لا مونديال" للعام 2004، وهو صاحب الرقم القياسي في الإبحار المنفرد في سباق الدوران حول بريطانيا، وأنه كان مع البحارة العُمانيين العام الماضي عند تحطيمهم للرقم القياسي للإبحار حول بريطانيا وأيرلندا، وهو البحار الذي قطع المحيط الأطلسي منفردًا على القارب "مسندم" العام الماضي في سباق "روت دورام"، وحقق فيه المركز الخامس.
وحقق القارب "مسندم" أول رقم قياسي، في آب/ أغسطس الماضي، عندما استطاع تحطيم الرقم القياسي السابق في سباق "النجوم السبعة" للإبحار حول بريطانيا وأيرلندا في فئة القوارب متعددة الأبدان، إذ قطع مسافة التحدي في غضون ثلاث أيام وثلاث ساعات و32 دقيقة و36 ثانية بفارق 16 دقيقة و38 ثانية عن الرقم السابق الذي سجله فريق "بانكيو بابيولير" الفرنسي في العام 2011، في قارب أضخم من قارب "مسندم" (المود 70).
وكان على متن القارب أربعة من البحارة المشاركين في الرقم القياسي الجديد، هم الثلاثي العُماني المكون من فهد الحسني وسامي الشكيلي وياسر الرحبي، فضلًا عن مدربهم الفرنسي سيدني غافنييه.
ويعد الإبحار المحيطي، أحد أقوى الرياضات البحرية وأكثرها خطورة لما يكتنفها من مخاطر متعلقة بالظروف الجوية والبحرية، والابتعاد عن اليابسة وخوض أهوال المحيطات ومواجهة أمواجها المتلاطمة وعواصفها.
ويتطلب الإبحار في هذا النوع من الرياضة لياقة بدنية وذهنية عالية جدًا، وقدرة على التأقلم مع مختلف التغيرات البحرية، علاوة على أهمية العمل الجماعي وتناوب العمل والأدوار وتناوب فترات الراحة.
ويخطط فريق الإبحار المحيطي لمشاركات مكثفة في سباقات الموسم الأوروبي، بدءًا من فرنسا التي أنهى فيها سباق "غراند بركس غاياندر" الأسبوع الماضي، وسباق "تور دو بيليلي"، وسباق "آرمين"، وسباق غراند بريكس دو ليكولي ناشونال، وسباقات أسبوع "نورماندي" للشراع، ثم ينتقل إلى المشاركة في سباقات مهرجان أسبوع "كيل" في ألمانيا، ثم إلى بريطانيا في سباقات أسبوع "كاوس"، وسباق "أرتيميس"، وسباق "رولكس فاستنت"، ويختم الموسم الأوروبي بسباق "رولكس البحر المتوسط" في مالطا.
أرسل تعليقك