جميلة بوحيرد تخرج بعد 55 عامًا من زنزانة الاستعمار
آخر تحديث GMT05:30:04
 العرب اليوم -

بصوت نزار قباني النابض في قلب الجزائر

جميلة بوحيرد تخرج بعد 55 عامًا من زنزانة الاستعمار

 العرب اليوم -

 العرب اليوم - جميلة بوحيرد تخرج بعد 55 عامًا من زنزانة الاستعمار

شاعر العرب الكبير نزار قباني
الجزائر - كمال السليمي

في لحظة غضب مشبع بالفخر، قبل خمسة وخمسين عاما، انتفض شاعر العرب الكبير نزار قباني على عشيقاته العاديات حين سحرته امرأة غير عادية، فاستدرجته الى داخل زنزانتها في سجن وهران عاصمة إقليم غربي الجزائر . لم تكن تلك المرأة سوى الشابة جميلة بوحيرد التي حكمت عليها سلطات الاحتلال الفرنسية بالإعدام لمشاركتها النشيطة في الثورة، فصارت أسطورة هزت العالم بأسره ونشرت فضائح الاستعمار من تعذيب النساء والأطفال الى تشغيل عشرات المقاصل لقطع الرؤوس وتحويل الجزائر الى محتشد عملاق لم يشهد التاريخ له مثيلا .

جميلة بوحيرد كانت رمزا لجسد الإصرار على النصر، تحملت كغيرها من سجينات قضية الاستقلال مختلف أشكال التعذيب الوحشي التي استباحها جلادوها، فحركت وجدان نزار وحولها إلى قصيدة مميزة في ديوانه السادس "حبيبتي" . جميلة الشابة ذات الثانية والعشرين، رائعة الجمال لكن نزار قباني عشق فيها أشياء أخرى غير مفاتنها، عشق فيها الكبرياء والطهارة والصبر والثورة وعشق فيها احتقارها لممارسات جلادي الاستعمار . جميلة بوحيرد هي الثورة ذاتها لأنها فضلا عن كل ذلك أخرجت نزار من مخادع العشيقات ليعيش معها في غياهب زنزانات تضم أجمل فتيات الجزائر وأكثر النساء نقاوة، وهو يصور زنزانة جميلة نقل نزار بدقة متناهية تفاصيل عن الحزن والإحساس بالوحدة والتعذيب وآثاره، لكن وهو خارج حمل معه آمالاً بالنصر على السجان .

وتكون طبيعة الموضوع قد فرضت على نزار قباني أن يبدأ قصيدته "جميلة" بشكل مخالف تماماً لقصائده السابقة فقد جاءت البداية مشابهة لبدايات الروايات الكلاسيكية في تقديم الأبطال، وهذه الطريقة ليست جديدة على نزار فقط، بل نادرة حتى في الشعر القصصي، وهاكم البداية:

الاسم: جميلةُ بوحَيرَدْ
رقمُ الزنزانةِ: تِسعُونا
في السجن الحربي بوَهران
والعمرُ اثنانِ وعشرُونا
عينانِ كقنديلي معبَدْ
والشعرُ العربي الأسوَدْ
كالصيفِ . .
كشلالِ الأحزان
كانت البداية إذا التعريف باسم السجينة وسنها ورقم زنزانتها وطبيعة السجن الذي تقيم به، كما لو قرأ ما يحمله سجل السجناء، بخصوص جميلة . ثم يتوغل الى داخل الزنزانة ويصف ما بها:

إبريقٌ للماءِ . . وسجان
ويدٌ تنضم على القُرآن
وامرأةٌ في ضوء الصبحِ
تسترجع في مثل البوحِ
آياتٍ مُحزنة الإرنان
من سُورةِ (مَريمَ) و(الفتَحِ)

في تلك الوحدة الموحشة حيث جميلة معزولة عن العالم، وفي حالة الضعف الجسدي التي هي عليها، احتمت المرأة بالقرآن الكريم لقهر جبروت الجلاد وبترتيل آيات من سورتين تحملان شحنة عالية من الصبر والإصرار على النصر . وراح وهو معجب بها يذكر خصالها ويتباهى بها لأنها ليست كبقية النساء:
الاسمُ: جميلةُ بوحيَردْ

اسمٌ مكتوبٌ باللهَبِ . .
مغموسٌ في جُرح السُحُبِ
في أدَب بلادي . في أدَبي . .
العُمرُ اثنانِ وعشروُنا
في الصدر استوطن زوجُ حَمام
والثغرُ الراقدُ غصنُ سَلام
امراةٌ من قُسطنطينه
لم تعرف شفتاها الزينه
لم تدخُل حجرتَها الأحلام
لم تلعبْ أبداً كالأطفالْ
لم تُغرم في عقدٍ أو شال
لم تعرف كنساءِ فرنسا
أقبيةَ اللذةِ في (بيغال)
الاسمُ: جميلةُ بوحَيَردْ
أجملُ أغنيةٍ في المغرب
أطولُ نَخلَهْ
لمحتها واحاتُ المغرِب
أجملُ طفلَهْ
أتعبتِ الشمسَ ولم تتعب
يا ربّي . هل تحتَ الكوكَب؟
يوجدُ إنسانْ
يرضى أن يأكُلَ . . أن يشرَب
من لحم مُجاهِدةٍ تُصلب .

يتباهى نزار هكذا بشخصية جميلة القوية وأخلاقها، وهي من ملته، ويصف جمالها وينحني أمام عفتها وطهارتها، ويقول بصوت عال إن جميلة نوع فريد من النساء . وحتى عندما يتحدث عن الصدر والثغر فإنه لا يصفهما كما اعتاد لدى النساء اللائي أدمن على وصفهن لكن يقرنهما بالسلام وبالحرية . ولأنها بهذه الصفات الحميدة وبهذا الجمال يرفض نزار أن تصلب جميلة . ثم ساءت حالة نزار وهو يرى ما حل بامرأة عشق فيها الرفض والعناد، فيغير لغته ويدخل كلمات وجملا جديدة لاذعة كالسهام ويتحدث باستهزاء عن "الباستيل" رمز الثورة الفرنسية . . السجن الذي انطلقت منه الجموع لرفع شعار "الحرية والمساواة والأخوة" لم يعد ببريقه و"لاكوست" الشخصية العسكرية الرمز في حاضر فرنسا صار مجرد نذل يفتخر بتعذيب أنثى.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

جميلة بوحيرد تخرج بعد 55 عامًا من زنزانة الاستعمار جميلة بوحيرد تخرج بعد 55 عامًا من زنزانة الاستعمار



GMT 06:05 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

إطلاق النسخة الأولى من "بينالي أبوظبي للفن" 15 نوفمبر المقبل

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 13:51 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين
 العرب اليوم - مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 06:48 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

دليل لاختيار أقمشة وسائد الأرائك وعددها المناسب وألوانها
 العرب اليوم - دليل لاختيار أقمشة وسائد الأرائك وعددها المناسب وألوانها

GMT 15:16 2024 الإثنين ,16 كانون الأول / ديسمبر

صفارات الإنذار تدوي في تل أبيب أثناء محاكمة نتنياهو

GMT 12:39 2024 الإثنين ,16 كانون الأول / ديسمبر

هل يتحمل كهربا وحده ضياع حلم الأهلى؟!

GMT 07:38 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 08:34 2024 الإثنين ,16 كانون الأول / ديسمبر

جديد في كل مكان ولا جديد بشأن غزة

GMT 04:35 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إنزال إسرائيلي قرب دمشق استمر 20 دقيقة

GMT 16:56 2024 الإثنين ,16 كانون الأول / ديسمبر

السيتي يعلن وفاة مشجع في ديربي مانشستر

GMT 20:06 2024 الإثنين ,16 كانون الأول / ديسمبر

انتشال 34 جثة من مقبرة جماعية في ريف درعا في سوريا

GMT 10:58 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

ضربة جوية أمريكية تستهدف منشأة تابعة للحوثيين باليمن

GMT 08:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab